«بني وطني .. اجتازت مصر فترة عصيبة فى تاريخها الأخير».. كانت تلك الجملة هى افتتاحية البيان الأول والأشهر لثورة 23 يوليو والذي قام بكتابته اللواء أركان حرب ''جمال حماد - مؤرخ الثورة''، وقرأه في المرة الأولى ''أنور السادات''. وبالرغم من شهرة هذا البيان إلا أن السادات لم يقم بتسجيله بصوته إلا فى 23 يناير 1953 اثناء الاحتفال بمرور 6أشهر على قيام الثورة. ورغم أن بعض من عاصروا هذا الحدث أنكروا على السادات أنه كان أول من أذاع بيان الثورة و أن من قام بإذاعته هو الضابط محيي الدين سلامة الخولي، إلا أن شيخ الإذاعيين فهمى عمر روى كواليس البيان الأول قائلا: كنت المذيع المسئول عن تنفيذ فترة الصباح من البرامج يوم الأربعاء من كل إسبوع والثورة بدأت فجر الثالث والعشرين من يوليو سنة 1952 الذي وافق يوم الاربعاء وكان الإرسال صباحا يبدأ فى الساعة السادسة والنصف فكان على التواجد بإستديوهات الإذاعة حوالي الساعة السادسة صباحا. وفي طريقي إلى الإذاعة استرعى انتباهي الحصار المفروض حول مقرها من رجال الجيش. وحين حاولت الدخول استوقفني ضابط من القوات المسلحة برتبة ملازم ثان وبعد أن عرفته بنفسي رحب بى وصعد معي سلالم المبنى إلى أن وصلنا إلى استراحة المذيعين حيث كان يجلس البكباشى (مقدم) أنور السادات ، وقال لي السادات إن هناك تعديلا سيدخل على برامج الإذاعة وأنه سيقوم بإلقاء بيان عقب بدء الإرسال مباشرة. ولم أتردد لحظة واحدة في تلبية الطلب وعرضت عليه أن يذاع البيان عقب الموسيقى العسكرية التي كانت الإذاعة تفتتح بها الإرسال عادة، لكن الإرسال انقطع لمدة ساعة من محطة الإرسال فى أبو زعبل وظللت أذيع الفقرات كما هى حتى عودة الإرسال، وقبل السابعة والنصف موعد إذاعة نشرة الأخبار بدقيقتين عاد الإرسال ودخل السادات الاستديو وقلت الجملة التي لن أنساها وهى «سيداتي وسادتي» أعلنت ساعة جامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة) السابعة والنصف من صباح الأربعاء الثالث والعشرين من يوليو وإليكم نشرة الأخبار التي نستهلها ببيان من القيادة العامة للقوات المسلحة يلقيه مندوب القيادة وانساب صوت السادات يعلن أول بيان للثورة بعدها امتلأت الشوارع المحيطة بالإذاعة بالمئات من المواطنين وهم يقبلون جنود القوات المسلحة المحاصرين للمكان مرددين (تحيا مصر) ولم يتم تسجيل البيان عند إلقائه في المرة الأولى بل كرر البيان أكثر من ضابط بعد ذلك وكنت قد سألت السادات عما إذا كان بمقدوري أن أقرأ البيان ولكنه أجاب بأن الضباط هم الذين سيقرؤون البيان وقال نحن لا نريد أن نقحمكم في هذا الأمر. ولكن للأسف كان قارئي البيان من الضباط طوال يوم الأربعاء لم يجيدوا قراءه البيان من الناحية النحوية فلم يخرج بنفس جودة البيان الأول الذي ألقاه السادات فقد كان يتمتع بصوت قوي ولغة عربية سليمة ولم تعتدل قراءة البيان ويلقى بلغة سليمة إلا في فترة السهرة عندما أيقن المسئولون أن الأمر قد استتب وأن الثورة قد نجحت، فرحبوا بقراءة المذيعين للبيان وخرج صوت الراحل جلال معوض فى نشرة الثامنة والنصف مساء الأربعاء 23 يوليو. ولأنني لم أعاصر ذلك الزمن فاسمحوا لي أن أضع شهادتي فمن وجهة نظري سواء كان السادات هو من القي البيان الأول بنفسه ام لا فإن ذلك الأمر لن يقلل من قدر السادات كما لن يزيد من مكانته فالسادات كان قائدا جديرا بالاحترام قد يتفق معه الكثيرون وقد يختلفون معه ولأنني قد استمتعت بالاستماع إلى ذلك البيان بصوت السادات الجهوري المميز الذى ينساب بسلاسه و يعبر عن جلاله الحدث فاسمحوا لى ان ادعوكم لسماعه من جديد. لمزيد من مقالات نيفين عماره