في وداع الأحبة يطرح الذهن تساؤلات مهمة: متى سنلتقي ثانية؟ وهل سلنتقي فعلا أم لا؟ وماذا سنفعل في لحظات الفراق والبعاد؟ ويبدو طيف الذكريات ماثلا في الذهان مستعرضًا لشتى المواقف الطيبة التي وقفها الإنسان مع كل عزيز عليه، وها هو عزيز علينا يلملم أشتاته كي يودعنا راحلاً عنا تاركا القلب ينعم بالذكرى، إنه {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: 185]، إنه شهر عشنا في رحابه مع الذِكْر وتلاوة القرآن والصوم والبر والإنفاق وإفطار الصائمين وشتى الروحانيات العالية التي تسكن بها النفس وتطمئن، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه، ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم، وإن تقرَّبَ إليَّ شبرًا تقربتُ إليه ذراعًا، وإن تقرب إليَّ ذراعًا، تقربت إليه باعًا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة". [رواه البخاري، ك التوحيد]، فيا حظ من ازداد قُربًا من مولاه ودعاه وتقرب إليه في هذا الشهر الفضيل. وكل منا لا بد أن يسأل نفسه: هل شعرت بالقرب من ذي الجلال والإكرام في هذا الشهر؟ هل قرأت القرآن في رمضان وأحسست بفضله؟ هل تحرك قلبك وصار أكثر رقة أم ما زال على قلوب أقفالها؟ هل استشعرت حلاوة القرآن في شهر القرآن؟ هل تعرفت على ربك وأنت تتلو كلامه أو تسمعه؟ هل وقفت على أحكامه وعرفت حلاله وحرامه؟ هل تأثرت بآيات الوعد والوعيد، فأورثك ذلك رغبةً ورهبة، وامتلأ قلبك رجاءً وخشية؟ هل اقشعر قلبك، وجلدك من خشية الله؟ هل اطمأن قلبك ام زال قلقا ضيقا حرجا؟ {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ * اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [الزمر: 22- 23]. فمن يستحق العبادة سِوَى الله، وإلى من نلجأ، ومن يمد لنا يد العون إلا الله، فإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن أهل الدنيا جميعا لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رُفعت الأقلام وطويت الصحف وجف القلم بما أنت لاقٍ، فاللهم اهدنا بفضلك إلى صراطك المستقيم واجعلنا من ورثة جنة النعيم مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا، اللهم تقبل منا الصلاة والصيام والقيام، وشفع فينا القرآن الصيام، وأدخلنا الجنة من باب الريان، واسقنا من يد حبيبك محمد صلى الله عليه وسلم شربة لا نظمأ بعدها أبدًا. لمزيد من مقالات د . جمال عبد الناصر