معركة الشيخ زويد لم تكن كاشفة فقط لبؤس وعقم تفكير جماعات الضلال والإضلال الإرهابية، وإنما أيضا لعورات وسوءات الإعلام المصرى الذى وجه قطاع منه بسوء تقديراته طعنات غادرة لظهر الوطن فى توقيت عصيب كانت قواتنا المسلحة تدافع فيه عن سيادة وكرامة هذا البلد. وظنى أن معركة القوات المسلحة على جبهة الإعلام كانت أشد إيلاما وقسوة من هجمات التكفيريين، وثلة من المرتزقة المأجورين الذين تم جلبهم من بقاع شتى، وصور لهم شيطانهم أنهم قادرون على تكرار ما فعله تنظيم داعش الإرهابى فى العراق، وسوريا، وليبيا. فنسبة لا يستهان بها من إعلامنا تملكتها شهوة السبق وبثت أخبار وتقارير تحمل كما لا بأس به من البهارات وعناصر التشويق التى تضمن لها معدلات قراءة عالية على الشبكة العنكبوتية، وانتهى به الأمر للوقوف فى خندق واحد مع الإرهابيين بترويجها ما يخدم أهدافهم عبر الاستسهال وعدم التيقن من صحة المعلومات المستقاة فى الغالب من وكالات أنباء غربية، وكذلك إسرائيلية. الأخطر أن جزءا من إعلامنا لم يكن لديه الثقة الكافية أو هكذا بدا فى قدرة وكفاءة قواتنا المسلحة التى دللت عمليا على حنكتها ومهاراتها القتالية رفيعة المستوي، ويكفى أنه فى ظل الوضع الخطير والصعب الذى كان قائما على أرض المعركة لم يسقط مدنيون برصاص جنودنا الذين كانوا يطاردون الإرهابيين من موقع لآخر. فلو كانت تلك الثقة موجودة ما كانوا أوردوا أعدادا غير صحيحة للشهداء، مما دفع المتحدث العسكرى لإصدار بيان يدعو فيه «الميديا» لتوخى الدقة والحصول على البيانات والمعلومات من مصادرها الرسمية الدقيقة، وأسوأ ما فعله الإعلام فى تغطيته أنه وضع الإرهابيين فى كفة تظهرهم وكأنهم ند للدولة وللقوات المسلحة المصنفة ضمن أقوى 20 جيشا على مستوى العالم، وذلك لمجرد حملهم أسلحة متقدمة كالصواريخ، والمدفعية المضادة للطائرات.. إلخ، ولم يمنح لنفسه فسحة من الوقت لمعرفة نتائج ومنعطفات المعارك الدائرة بالشيخ زويد ومحيطها قبل الاندفاع نحو استصدار أحكام وتقييمات غير واقعية عن تطوراتها ومساراتها . ومن بين الأخطاء كذلك استخدام أوصاف وتعبيرات، مثل الجماعات الجهادية، والتكفيريين، ومشاركة أجانب فى القتال إلى جوار عناصر بيت المقدس، فالأوفق والأصح وصف مواقع الانترنت التابعة للإرهابيين بمواقع الإرهابيين، فحينما أصفها بالجهادية فقد سلمت قطعا بوجهة نظر القائمين عليها من غلاة الدين ومحترفى تكفير الآخرين. فإحدى صحفنا القومية نشرت بيانا لما يسمى ولاية سيناء، حيث ورد فيه أن جنودهم نفذوا ثلاث عمليات استشهادية، لاحظ معى استشهادية وليست انتحارية، وأن قوات الخلافة أجبرت طائرات العدو طائرات الجيش المصرى على التراجع. بماذا نصف هذا التصرف الأرعن غير المسئول وغير المبرر؟ فإن جاء الرد بأن البيان يجيء فى سياق التغطية الخبرية، وأن هذه الألفاظ وضعت بين قوسين، فهذا ليس مبررا مقبولا، بينما تجردت صحيفة خاصة من الوازع الوطنى بتعمدها تصدير صفحتها الأولى بعناوين تضرب معنويات الجيش والشرطة المدنية فى مقتل، وفى نهاية الصفحة تنويه بأنها تقدر وتحترم تضحيات الجيش وجنوده!! وذاك موقع إلكترونى يتفاخر بموضوع عن أن مصر وإسرائيل فى خندق واحد، وأن قواتنا المسلحة قد تنفذ هجمات ضد حركة حماس فى غزة، وأنها ربما تسمح لإسرائيل بالتعامل مع داعش فى حالة اقترابهم من حدودها. وحتى عندما زار الرئيس عبد الفتاح السيسى وحدات فى سيناء أمس الأول تحدث الموقع الالكترونى نفسه عن ألغاز الزيارة، وتفتش أين هى تلك الألغاز فلا تجدها، فالرئيس هو القائد الأعلى للقوات المسلحة، ونحن فى حرب مع الإرهاب، وطبيعى أن يشد من أزر الضباط والجنود، وأن يزورهم مرتديا الزى العسكري، فلا ألغاز ولا يحزنون لكنها الرغبة فى نسج حكايات وقصص ومضامين هدفها التخديم على دعايات وشائعات المتطرفين فى سيناء ومعهم أنصارهم من جماعة الإخوان التى تدعو وتحرض ضد الدولة ومؤسساتها وفى مقدمتها الجيش والشرطة. ولكى يتجنب الإعلام الانزلاق لأخطاء مماثلة مستقبلا فعليه بداية أن يكاشف نفسه بعيوبه دون مكابرة، وأن يسعى لإصلاحها من خلال وضع معايير مهنية صارمة لدى اختيار العاملين فيه، فكثرة المواقع الإلكترونية والقنوات الفضائية واحتياجها لمراسلين ومعدين وصحفيين فتح المجال لدخول شباب قليل الخبرة والتدريب، فالقناة أو الصحيفة لا تريد انفاق أموال على تجهيز وإعداد كوادرها فتكون النتيجة ضعف المستوى المهنى يقابله فى الجهة الأخرى محاولة هؤلاء الشباب تثبيت أقدامهم وسبيلهم هو فبركة الموضوعات والقصص الإخبارية، والاعتماد على مصادر ثانوية للإخبار، كمواقع التواصل الاجتماعى التى تقف عليها برامج «التوك شو» المسائية، وعدم إرهاق النفس بالتأكد من مصداقية المعلومة. مطلوب الجهات المسئولة عن الإعلام أن تدعو لمؤتمر للاتفاق على دليل مصطلحات وتوصيفات، فمَنْ يحاربون الجيش والشرطة فى سيناء هم مرتزقة حتى ولو كانوا يحملون الجنسية المصرية، فالذى يرفع السلاح ضد وطنه وأهله، ويتلقى مالا من دول وأجهزة مخابرات للتخريب، وزعزعة الاستقرار، من المرتزقة غير المستحقين للرأفة والرحمة، ولابد من الضرب على أيديهم بمطرقة من حديد. وقبل هذا وذاك فإن المنطقة الرمادية غير مقبولة، فإما أنك مع الوطن أو ضده، فموقف الميوعة ومسك العصا من المنتصف تعنى إيجاد أعذار وتبريرات للإرهاب ومموليه وداعميه. مطلوب أيضا السماح بوجود إعلامى أكبر لوسائل الإعلام المصرية فى سيناء، حتى لا تضطر للاستعانة بما تورده وكالات أنباء وفضائيات عربية وأجنبية غير معلوم بالضبط من يزودهم بمضمون ما تبثه. فالوجود الإعلامى سيكون ظهيرا للقوات المسلحة يفند أولا بأول ما تذيعه قنوات وصحف الإفك عما يجرى فى أرض الفيروز، وأن توضع الحقائق تبعا وفى لحظتها بين يدى الرأى العام، لسد الذرائع وغلق الباب أمام المشككين، والمرجفين، ومثبطى الهمم. لمزيد من مقالات محمد إبراهيم الدسوقي