ليس من الإنصاف أن يتحمل الدكتور عادل عدوى وزير الصحة الحالى « أوزار» المنظومة الصحية فى مصر، فالمنظومة عانت سنوات طويلة، وفى عهد وزراء الصحة المتعاقبين من تحديات كثيرة، حتى أصيبت بحالة من الهبوط الحاد . ليس بسبب عدم وجود خطة أو إستراتيجية للنهوض بالقطاع الصحي، ولكن بسبب نقص التمويل، وقصور الميزانيات، التى لم تمكن المسئولين عن هذا القطاع الحيوي، من الارتقاء بالخدمة الطبية إلى الدرجة المقبولة والمناسبة!! « تحقيقات الأهرام» تفتح ملف المنظومة الصحية فى مصر.. وقد رصدت التحديات، ووضعت الحلول: للقصور أسباب عديدة لكى نرصد واقع المنظومة الصحية فى مصر، لابد من تحديد الأسباب التى أدت إلى ما تعانيه تلك المنظومة من انتكاسة حقيقية فى المجالات العلاجية والوقائية، ما انعكس سلبا على مستوى الصحة العامة، وتتضمن تلك الأسباب كما يقول الدكتور محمد على عز العرب استشارى الكبد ورئيس وحدة الأورام بالمعهد القومى للكبد والمستشار الطبى للمركز المصرى للحق فى الدواء سوء الإدارة الطبية، وعدم وجود رؤية محددة الملامح والأولويات وغياب الخطط واضحة الاستراتيجيات، والتى لا تتغير بتغير الوزراء، وقد كشفت جولات رئيس مجلس الوزراء أخيرا جزءا يسيرا جدا من درجة تدهور الوضع الصحى بها، أضف إلى ذلك سوء توزيع القوى البشرية، ففى مصر 250 ألف ممرض وممرضة، ومع ذلك هناك عجز واضح فى أقسام الرعاية المركزة بالمستشفيات، بينما يوجد تكدس فى مناح أخرى كمراكز رعاية الأمومة والطفولة، وكذلك سوء توزيع أطباء الريف، حيث يوجد نحو 10% من وحدات الرعاية الصحية الأولية البالغ عددها أكثر من 5 آلاف وحدة دون طبيب، خاصة فى الصعيد بسبب ضعف الحافز المادى وعدم وجود توصيف وظيفى واقعى لهم، فى المقابل تم توزيع أكثر من ألف طبيب أسرة فى الجهات الخارجية. والحال هذه، هناك حالة من التدنى فى التنمية البشرية للعاملين فى المجال الصحي، وعدم كفاية التدريب وإعادة التدريب مما أدى لزيادة الأخطاء البشرية، وكذلك تدنى مستوى الإنفاق على الصحة فى الموازنة العامة للدولة (3% حاليا) بينما تصل موازنة الصحة فى بعض الدول الإفريقية إلى 15% تقريبا ، ما أثر سلبا على توفير الأساسيات من التجهيزات الطبية والأدوية والمستلزمات الطبية والخدمات الوقائية، وأدى إلى تدهور مستوى العلاج بالمستشفيات العامة والمراكز الحكومية، ونقص واضح فى بعض التخصصات مثل جراحات المخ والأعصاب والتخدير والعلاج بالأشعة التداخلية فى معظم المحافظات، وخدمات الطوارئ، وانتشار الأخطاء الطبية وعدوى المستشفيات وقصور واضح فى تحديث الأجهزة الطبية، وعقود الصيانة اللازمة له، وتدهور واضح فى الجانب الوقائى والأبحاث الصحية ،لغياب سياسة صحية واضحة المعالم والمدة الزمنية وتدنى التوعية والتثقيف الصحي. والحل؟ د. عز العرب: لابد من التفعيل العملى للمجلس الأعلى للصحة، وإنشاء مجلس أعلى للتخصصات الطبية، وتفعيل الزيادة السنوية للانفاق على الصحة حسب الدستور لتصل إلى 15% من الموازنة خلال 5 سنوات، ما سينعكس إيجابيا على الخدمات الصحية المقدمة، ولابد من إعداد خطة عاجلة لإعادة هيكلة المستشفيات العامة ( أكثر من 400 مستشفي) وحصولها على درجة الاعتماد، ودعم مراكز الرعاية الصحية الأولية كمستوى أولى للخدمات الصحية للمواطنين، وربطها بنظام تحويل بالمستشفيات العامة كمستوى ثان، وصولا للمستوى الثالث وهو المستشفيات والمراكز التخصصية، وربط جميع مراكز الطوارئ وخدمة 137 لمعالجة الخلل الحادث حاليا، والتطبيق الفورى للجودة لمكافحة العدوي، وتنفيذ نظام التأمين الصحى الاجتماعى الشامل بدلا من العلاج على نفقة الدولة وقصر دوره على العلاج بالخارج، كما كان سابقا، والبدء بالمحافظات المحرومة خاصة الصعيد، ووضع سياسة عادلة لتوزيع القوى البشرية المدربة على جميع الوحدات وحسب الاحتياج الفعلي، وإعداد خطة عاجلة لتدريب العاملين فى القطاع الصحى داخليا وخارجيا، وزيادة فرص الابتعاث الخارجي، وزيادة مخصصات البحث العلمي، وإنشاء مصنع للمواد الخام الأولية، لتوفير أدوية بسعر مناسب للمريض المصرى. ومن حيث المبدأ تتكون المنظومة الصحية كما يقول الدكتور إبراهيم عبد النبى رئيس وحدة جراحات مناظيرالجهاز الهضمى بكلية طب عين شمس من التجهيزات الطبية، والعنصر بشرى بشقيه (الأطباء وطواقم التمريض)، والسبب الرئيسى فى تدهور تلك المنظومة فى رأيى هو نقص الميزانيات المخصصة لمستشفيات وزارة الصحة، ونظيرتها الجامعية، والمستشفيات التابعة للمؤسسات العلاجية، وكذلك مستشفيات التأمين الصحي، وقد أدى نقص التمويل إلى تدهور حالة الأجهزة المستخدمة فيها كالمناظير، وأجهزة الأشعة،وطاولات العمليات، إما لقدمها، أو لغياب الصيانة ، كما أن نقص التمويل يؤدى إلى شراء أدوية تقل فيها المادة الفعالة عن الأنواع الأصلية التى يتم تضنيع المادة الفعالة لها فى انجلترا كأدوية الحموضة وقرحة المعدة، بعكس الأدوية الرخيصة التى يتم تصنيع المادة الفعالة لها فى دولة أخرى كالهند، لرخص أسعارها بسبب قلة المادة الفعالة بها، مما يقلل فاعليتها فى علاج المرضي، ولا يمكن إلقاء اللوم على وزارة الصحة فهى «معذورة»، لأنها تتحرك فى ضوء الامكانات المالية المتاحة، والتى تأتى على حساب الخدمة الطبية، وتؤدى إلى انهيارها، وفى رأيى فإن علاج 100 مريض- مثلا- بكفاءة عالية، أفضل كثيرا من علاج 1000 مريض دون أن نضمن لهم الشفاء التام. تطوير العنصر البشرى ولا يمكن الحديث عن خدمة طبية متميزة، دون النظر إلى العنصر البشري، وهو أحد اركان المنظومة الصحية ، ويضم الأطباء والتمريض، والاثنان يعانيان مشكلات عديدة من أبرزها تدنى الأجور، ونقص التدريب، الذى يحتاج إلى مكان، ومدربين، وأجهزة « سيميلتور» للتدريب عليها، وهى أجهزة تشبه جسم المريض الطبيعي، لكنها صناعية، ويستلزم توفير كل ذلك بالطبع، تدبير مبالغ مالية للانفاق على التدريب، الأمر الذى لا يمكن تلبيته فى ظل تدنى الميزانية المخصصة للصحة. تدريب الأطباء أما أخطاء الأطباء، فترجع بنسبة كبيرة لعدم حصول الطبيب على التدريب الكافى الذى يؤهله للقيام بواجبه طبيبا، إذ لا يكفى حصول الطبيب على شهادات علمية كالماجستير والدكتوراه، بل يجب عليه اجتيار دورات وبرامج تدريبية فى التخصص الذى يعمل به، لكى يؤدى الخدمة الطبية بكفاءة، مطالبا بتكثيف المتابعة والإشراف على العيادات الطبية. حلول ممكنة يتفق معه الدكتور فهيم بسيونى أستاذ الجراحة بكلية طب قصر العيني- ، حيث يؤكد أن مستوى الخدمة يحكمه عنصران أساسيان، هما الإمكانات المتاحة، والعنصر البشري، ولاشك أن القصور فى هذين العنصرين يؤدى إلى تدهور مستوى الخدمة، ناهيك عن سوء توزيع الخدمات الطبية، فهناك مناطق لا توجد بها تخصصات بسيطة، كما أن العديد من المستشفيات لا توجد بها أجهزة طبية كالمناظير الجراحية، وأخرى لا يوجد بها طبيب تخدير. المشكلة الأخرى التى تلقى بظلالها على الخدمة الطبية تتمثل فى ضعف وقلة فرص التدريب، فالحصول على الماجسيتر أو الدكتوراه، لا يؤهل الطبيب لتقديم خدمة طبية ومتميزة، ما لم يحصل على التدريب الكافي، ومن آفات القطاع الصحى عدم وجود معايير للخدمة الطبية، كما فى لندن وغيرها من الدول المتقدمة ، حيث يستطيع المريض الحصول على الخدمة الطبية فى أى مستشفى بمعايير محددة، تضمن جودة الخدمة المقدمة للمريض، باستثناء تخصصات محددة، وهذه لها المنشآت الطبية التى تقدمها، مشيرا إلى غياب الرقابة والمتابعة، ونقص الأجهزة الطبية. سألناه: هل أنت راض عن مستوى المنظومة الصحية فى مصر؟ بسيوني: لا .. لست راضيا عن مستواها، والحقيقة أنا لا ألوم وزير الصحة الحالى الدكتور عادل العدوي، ولا الوزراء السابقين خلال الفترة الماضية، فتدهور المنظومة يرجع إلى سنوات طويلة من الإهمال، وغياب التخطيط، وقصور الميزانيات، وتراكم الأخطاء، ولا يستطيع أى وزير للصحة، مهما يكن أن ينهض بالمنظومة الصحية دون توفير التمويل المالى اللازم، لتنفيذ الخطط والاستراتيجيات قصيرة وبعيدة المدي، والحال كذلك فى التعليم والبحث العلمي، والنقل والمواصلات، وغيرها من القطاعات التى إن لم نوفر لها الميزانيات اللازمة لتطويرها فلا جدوى من أى خطط للتطوير. أخطاء متكررة نأتى إلى أخطاء الأطباء، وهنا يقول الدكتور فهيم بسيونى إن نحو 100 ألف شخص يلقون حتفهم سنوياً فى الولاياتالمتحدةالأمريكية بسبب الأخطاء الطبية، فالأخطاء واردة، والمشكلة الأكبر أننا لا نحاسب الطبيب على الخطأ، وإذا حسابناه، نحاسبه جنائياً، وهذا غير مقبول فى رأيي، ولا يحدث فى أى دولة متحضرة فى العالم، إذ لا يجوز معاملة الطبيب المخطئ ، ووضعه فى السجن كالبلطجى أو المجرم ، بل يجب وضع وسائل للعقاب ، فى إطار قانون خاص للأطباء، بحيث تتم مجاسبة الطبيب المخطئ بصرامة، كمنعه من مزاولة المهنة إذا تكررت أخطاؤه، ويمكن تغريمه ماليا، كعقاب له على الخطأ الذى يقترفه. الأمر لا يختلف كثيرا فى رأى الدكتور حمدى السيد أستاذ أمراض القلب ونقيب الأطباء السابق فمشكلة المنظومة الصحية فى رأيه يمكن حلها من خلال توفير الميزانيات اللازمة للنهوض بهذا القطاع الحيوي، مؤكدا أن منظومة الصحة تعانى مشكلة فى الإدارة، والتدريب، ونقص التمويل اللازم لشراء الأجهزة الطبية، وصيانتها، وتوفير العلاج للمرضي، وكلها مشكلات من السهل حلها إذا تم توفير الميزانية اللازمة لذلك. أما مشكلة تدريب الأطباء فقد سبق أن اتخذت وزارة الصحة فى عهود سابقة وسائل لحلها، ففى عهد الدكتورين إسماعيل سلام وحاتم الجبلى وزيرى الصحة السابقين تم إلحاق الأطباء ببرامج تدريبية فى لندنوالولاياتالمتحدةالأمريكية، لكن تصطدم هذه البرامج حاليا بنقص الميزانيات، وعدم وجود التمويل اللازم، مما أدى إلى تراجع مستوى الخدمة، نحن فى النهاية نريد إدارة جيدة، وخططا طموحا، وموارد كافية، إذا كنا جادين فى النهوض بمستوى الخدمة الصحية. معامل التحاليل تكمن مشكلة المعامل فى القانون رقم 367 لسنة 1954 الذى صدر منذ 61 عاما ، وقتها كانت مهنة التحاليل محدودة، ومازال هذا القانون ساريا، وهنا يقول الدكتور محمود عبد العظيم « ماجستير تحاليل طبية» ومنسق رابطة أطباء الباثولوجيا الإكلينيكية الكيميائية، إن القانون الحالى يسمح لخريجى خمس كليات العمل فى مجال التحاليل الطبية، وهم خريجو الطب البشرى ، والبيطري، والزراعة، والصيدلة، والعلوم، ومن حق خريج كلية الزراعة بعد حصوله على دبلوم أن يعمل فى مجال التحاليل، لمجرد دراسته مادة الكيمياء، وكيمياء النبات بالتحديد، لكن القانون يمنحه الحق فى العمل فى مجال التحاليل الكيميائية أو تحاليل البكتيريا والفيروسات ، لكننا نجدهم يقومون بإجراء التحاليل فى تخصصات دقيقه لم يمنحها لهم القانون، ولم يتخصصوا فيها، ما ينتج عنه كوارث طبية .. فالتحاليل تضم 4 أفرع كبري، تتعلق بأمراض الدم، والكيمياء، والبكتيريا والفيروسات، والمناعة، وهذه أصبحت «سداحا مداحا» لخريجى لخريجى العلوم والزراعة. يحدث ذلك، على الرغم من صدور قرار وزارة الصحة فى 14 أبريل 2015، لمخاطبة إدارات العلاج الحر فى مختلف مديريات الصحة بالمحافظات، بإلزام المعامل بإشهار المؤهل الجامعى وما بعد الجامعى على التقارير والدعايات، واللوحات الإعلانية للمعامل، بعد أن استفحلت ظاهرة فنيى المعامل، مما يستلزم تعديل القانون بشكل عاجل، لمواجهة دخلاء المهنة. أما معامل التحليل الطبية فتعاني- كما يقول الدكتور حسام عبد الرحمن «دكتوراه التحاليل الطبية» فوضى عارمة، فمستوى مكافحة العدوى بالمعامل الخاصة لا يكاد يبلغ 10 % ، مما يهدد بانتشار الأمراض والتى تكلف الدولة أموالا طائلة ، ويؤثر سلبيا على الاقتصاد القومي، فنحو 72% يحتاجون لإجراء تحاليل بشكل متكرر أو متوسط، بينما ذكر40% من المبحوثين فى الدراسة التى أجريتها أخيرا أن الأسعار مرهقة، بينما اعترف نحو 36% بوجود معاناة فى تحديد جهة ذات جودة واسعار مناسبة، وقد أعرب نحو 76% من المواطنين عن تضررهم من أسعار التحاليل الطبية، وهو ما يمكن تفسيره بالتنافس غير المبرر للقطاع الخاص لتحقيق أرباح على حساب المواطنين وقصور الدور الحكومي، بينما اعترف نحو 48 % من أفراد العينة بأنهم يبقى لديهم مقدار من الشك فى نتيجة التحليل. [email protected]