صباح ومريم.. ليلى وجومر.. يارا وسحر.. سوسن ودليلة.. ابتهال ورشا.. نساء لم تراهن أو تتباعهن سيدات المجلس القومى للمرأة ومراكز أخرى معنية بحقوق المرأة، والذى يبدو أنهن أصبحن يتعاملن بمنطق «ربنا ما يقطع لنا عادة»، فتقريبا كل عام يتم ترديد جمل متشابهة من عينة، «الدراما التليفزيونية لا تعكس صورة المرأة، بل هى بعيدة كل البعد عن الواقع».. «الدراما تشوه الواقع ولا تقول حقائق ولا تقدم سوى المرأة العاهرة أو القاتلة»، بل أن واحدة من رواد العمل «النسوى» قررت وبشجاعة نادرة أن تختزل الدراما كلها فى مسلسل «يا أنا يا أنتى» لفيفى عبده وسمية الخشاب، وقالت إن هذا العمل جعلها تغلق التليفزيون تمامًا ولا تشاهد أى مسلسل آخر، وتساءلت كيف يجرؤ صناع الدراما على تقديم عمل مثل هذا المسلسل. قيادات المركز شددن على ضرورة التخلى عن الألفاظ الخارجة ومشاهد العنف.. ولكننا لا نعرف حقًا هل تشاهد القيادات دراما رمضان والأعمال المعروضة؟.. هل لمحت إحداهن طيفا لشخصيات مقهورة من النساء يعلن أسرهن ويتعرضن لقهر المجتمع الذكورى.. أعتقد لا فليس كل ما يعرض على الشاشات هو فيفى عبده وسمية الخشاب.. وبنظرة متأنية فى دراما رمضان 2015 نجد أن هناك العديد من النماذج النسائية التى فرضت نفسها بقوة على الشاشات، فهناك المرأة التى تعمل سائسا، وسيدة الأعمال، والمرأة التى تعانى من سطوة التقاليد وقهر الزوج، والمرأة التى تعشق آخر من ديانة مختلفة، وأستاذة الجامعة والأرملة والمطلقة، والصحفية إضافة إلى نماذج شديدة الخصوصية فى مسلسل «العهد» لنساء صاحبات سطوة ويحكمن الكفور، فى إشارة واضحة لعصر كان أكثر تحضرًا تحكمه النساء.
صباح.. الخوف من الاستغلال
فى مسلسل «بين السرايات»، ذلك الحى الذى يضم نماذج مختلفة ومتنوعة لبشر من لحم ودم _لم تراهن نساء المجلس القومى للمرأة_ نجد واحدة من بطلات العمل صباح _ تجسدها باحترافية _الفنانة سيمون تلك المرأة التى تمتهن مهنة زوجها وتعمل سائسا للسيارات فى محيط جامعة القاهرة.. صباح التى تعول أسرتها المكونة من الإبن وشقيقتها، تلجأ إلى إخفاء خبر وفاة زوجها عن أهل الحارة التى تسكن فيها وتقوم بدفنه بمفردها، وتكذب على الجميع وتخبرهم بأن زوجها فى السجن وسيفرج عنه قريبًا «إن شاء الله» جملتها التى ترددها على مسامع الكل يوميا، لجأت صباح لتلك الحيلة خوفا من طمع الرجال فيها ومحاولة استغلالها بوصفها أرملة تعيش بمفردها، خصوصا أن المعلم رضا صاحب واحدة من أكبر المكتبات فى حى «بين السرايات» لا يتوقف عن المحاولة معها _ راجع مشاهدهما معا وهو يحاول التودد إليها وإقناعها أنها بإشارة منها سيكون إلى جوارها في كل ما تريد، وعندما يشك فى روايتها لا يتردد فى أن يذهب إلى منزلها _ صباح التى تشعر بحصار المعلم تحاول دائمًا أن تتماسك أمامه لتظهر أنها قوية، وأنه لن يستطيع السيطرة عليها أو التحرش بها، إلى أن يفضح المعلم سر صباح ويعرف أن زوجها زينهم قد توفى، ولكنها لا تتوقف عن المعاقرة ما بين ركن السيارات ومساعدة الطلبة فى الوصول إلى المكتبات وتصوير أوراقهم، ومذاكرتهم الدراسية. نموذج صباح هو نموذج حى من لحم ودم لآلاف النساء اللاتى يتحملن عبأ إعالة أسرهن، وأيضا نظرة المجتمع، ومحاولات التحرش بهن، وفى المسلسل نفسه سنجد نموذجا آخر لامرأة معيلة تجسدها سلوى عثمان وهى تعمل عاملة فى حمامات الجامعة، ويحفل هذا العمل تحديدًا بالعديد من النماذج النسائية البسيطة والتى تشكل ملامح المجتمع.. لا توجد بينهن راقصة أو من تتعرى.
مريم سيدة الأعمال.. ومريم المدمنة
ما بين الاثنتين فرق شاسع، فمريم التى تجسدها اللبنانية هيفاء وهبى، فى مسلسلها «مريم» تأليف أيمن سلامة، وإخراج محمد على، وتعمل سيدة أعمال وتدخل فى صراع من أجل «البيزنس» واستقرار شركتها وصراع آخر مع طليقها، وفى نفس الوقت هى أم لطفلة مريضة بالسرطان، تركيبة درامية لامرأة قوية وتكافح، على عكس مريم بطلة «تحت السيطرة» تجسدها نيللى كريم، والعمل تأليف مريم ناعوم، وإخراج تامر محسن، هو لامرأة تنتمى للطبقة فوق المتوسطة، تعانى بشكل أو بآخر من مأزق وجودى، يتعلق بهويتها وإحساسها بحياتها، كما أنه ونتيجة لخوفها المرضى، تقع فريسة للإدمان، وتفقد فيها حبيبها الأول، وتقلع عن التعاطى بعد رحلة «فقد الكثير»، مريم التى تملك رفاهية الهروب إلى دبى فى محاولة للفرار من واقعها المحبط، تتعرف بحاتم، رجل يبدو للكثيرات مثاليا وترتبط به بعد قصة حب، ولكن مع قراره بالعودة إلى القاهرة تعود مريم إلى كل مخاوفها، ويصبح ماضيها الذى كان وراءها، مرابضا أمامها ويحاصرها خصوصا بعد أن يكتشف زوجها ما كانت تخفيه، مريم التى «تخاف من الحاجة وعكسها» كما ورد على لسانها في بعض الجمل الحوارية بالعمل، تجد نفسها حاملا فى طفل بعد عودتها للإدمان، وهى الشخصية التى تجسدها نيللى كريم بأداء متميز ومن خلال عمل فنى متكامل، وبالتأكيد تلك الحالة التى يقدمها المسلسل ليست فريدة أو شاذة بل هناك واقع حياتى يعكسه ذلك العمل، حيث نجد بنفس العمل نموذجا لفتاة أخرى لم تبلغ ال16 عاما «هانيا» تجسدها جميلة عادل عوض، تدخل نفس الطريق، وتتحول إلى مدمنة، رغم أنه يبدو للكثيرين أن حياتها مرفهة وتعيش فى حى راق ووالدها يعمل فى الخارج.. ولكن هانيا ضحية البحث عن نفسها وضحية أم تعسة تعيش حياتها مع إيقاف التنفيذ، أم دائما فى حالة انتظار للزوج المسافر والذى لا يشغله سوى جمع الأموال وقد يكون ذلك نموذج لحالة تقليدية، لكن غير النمطى فى هذا العمل، هو نموذج الأم الذى تجسده جيهان فاضل.. امرأة تعيش حياتها «ما بين البين».. يبدو أنها تملك كل شىء ولكن الحقيقة أنها تعسة وتعيش حالة خواء نفسى انعكست بشكل أو بآخر على ابنتها. وبنفس العمل نجد نموذج مايا ابنة خالة مريم مهندسة الديكور الشاطرة والمتحققة ماديا ولكنها وكما يقول التعبير الدارج فاتها قطار الزواج وكل حلمها أن يكون لديها طفل _ «ألا تمثل تلك النماذج لسيدات المجلس القومى للمرأة شيئا؟» _ فهناك الآلاف من الفتيات المتحققات، صاحبات الذكاء واللاتى يخشى الرجال الاقتراب منهن، لذلك لا تتردد مايا فى أن تعرض الزواج على هشام صديق زوج ابنه خالتها فقط لتلحق بفرصتها الأخيرة وتنجب.
الحب والدين
كثيرة هى قصص الحب التى تفشل فى مجتمعنا نتيجة لاختلاف الدين، من هنا تأتى جرأة مسلسل «حارة اليهود» والذى يناقش ويرصد فكرة التسامح وقبول الآخر من خلال قصة حب فى نهاية الأربعينيات بين ليلى اليهودية، وعلى الضابط المسلم، حيث كان المجتمع وقتها أكثر تسامحا وقبولا للآخر. قصة ليلى وعلى هى أقرب لقصص العشاق، المستحيل فيها يفوق إمكانات تحققها فى الواقع. غير التقليدى فى قصة حب ليلى» وعلى، هو أن الأسرة تتقبل العلاقة بسماحة_ راجع مشاهدهما معا وهى تنتظر عودته من المعسكر أكثر من مرة، ومشهد عودتها معه إلى الحارة وهى متأبطة ذراعه، فهى تتعامل وكأن ما بينها وبين على من حقهما ومعلن، وتشهد علاقة ليلى وعلى العديد من التحولات، خاصة بعدما تقرر ليلى الزواج بابن واحد من أثرياء اليهود فى محاولة لإنقاذ والدها من الإفلاس بعد احتراق محله، وفى آخر لحظة ترفض ليلى التوقيع على عقد الزواج بعدما تشاهد على الذى عاد من الأسر في اللحظة نفسها. بعد رحلة عذاب وما بين اعتباره أن ليلى خانته ومحاولات ليلى للتكفير عما حدث منها تتصاعد الأحداث.. وبغض النظر عن الحديث عن الأخطاء التاريخية بالعمل، فإن المسلسل وتحديدا الخط الدرامى المتمثل فى قصة الحب بين على وليلى يحمل سحرا يزيده أداء منة الواثق.
جومر ويارا.. وسوسن وسحر
للنساء فى مسلسل «العهد الكلام المباح»، سحر خاص فالعمل الذى تدور أحداثه فى اللازمان واللامكان، ويحفل بأجواء أسطورية.. يرى البعض أنها مأخوذة من المسلسل الأمريكى المشهور «صراع العروش»، وبفرض أن ذلك صحيح، فيبقى أن من لم يشاهد المسلسل الأصلى يتعامل مع «العهد» كعمل فنى يحلق فى منطقة مختلفة عن باقى الأعمال المعروضة، وتدور صراعات أبطاله حول المثلث المعروف «السلطة والحب والجنس»، ولكن يبدو أن للنساء الصوت الأعلى فهن اللاتى يحكمن الكفور المتصارعة.. «كفر النسوان»، «كفر نطاط الحيط»، «كفر القلعة». تتألق نجمات العمل فى تقديم أدوار مميزة ومختلفة بدءًا من شيرين رضا، فى دور جومر، وهنا شيحا، فى دور سجاج، وصبا مبارك، فى دور ريا، وكندة علوش، فى دور سوسن «كبيرة الحشاشين»، أما سحر والتى تجسدها غادة عادل، فالمغرى دراميا فى دورها هو تقديم دور سحر تلك الفتاة صاحبة الملكات والقدرة على علاج المرضى، إلا أن الظروف والتحولات الدرامية تضطرها لتقوم بدور كبير الكفر والذى تحكم والدته من خلاله، فتقضى حياتها بالنهار كرجل وفى المساء تنطلق كامرأة تبحث عن الحب، أجمل ما فى الشخصيات التى يقدمها مسلسل «العهد» للمؤلف محمد أمين راضى، والمخرج خالد مرعى، هو تلك الشخصيات غير النمطية التى تقود الرجال أحيانا أو يقفون ندا لهم، إضافة إلى العناصر الفنية المميزة فى العمل من ديكور وإضاءة وتصوير وملابس وموسيقى.
دليلة.. و«أوضة الفيران»
رغم أنها التجربة الدرامية الأولى للفنانة شيرين عبد الوهاب، من خلال مسلسلها «طريقى»، الذى تدور أحداثه فى إطار اجتماعى غنائى، ورغم عدم تفاؤل البعض خصوصا أن شيرين تملك تجربة سيئة فى السينما بفيلم «ميدو مشاكل»، إلا أن المسلسل والذى يتفاوت فيه أداء شيرين من حلقة لأخرى، يقدم حالة من القهر الإنسانى لفتاة كل حلم حياتها أن تغنى وتصبح مطربة كبيرة ذائعة الصيت، ولكنها تعانى من سطوة وتسلط الأم، تجسدها القديرة سوسن بدر، والتى ترى أن دخولها مجال الغناء سيجلب العار للعائلة، ولا تتردد فى أن تحبسها فى غرفة صغيرة تطلق عليها «أوضة الفيران»، وهى الحجرة التى تهرب منها دليلة إلى زيجة تتوسم فيها الهروب من والدتها وسطوتها لتقع فى حجرة فيران أكبر وأكثر كابوسية مع زوج أكبر فى السن وأكثر قسوة وتسلطا لا يتردد فى ضربها بالكرباج.