«المكتبة السياسية» إصدار شهرى عن الهيئة العامة للكتاب لا يلقى من الجمهور الذى يتوجه إليه متابعة كافية، هى تهدف إلى سد الثغرة التى أصابت الشباب خلال سنوات الركود، من تجريف عزله عن المشاركة الفعالة فى العمل السياسي، تحاول بالمعرفة والمتابعة السياسية ان تعيد إليهم دورهم الضرورى فى مواجهة هجمات الظلام والتخلف والسلبية. «مانفيستو جديد للعدالة الاجتماعية» (اصدار نوفمبر 2014) كتاب الباحث الاقتصادى والسياسى »إبراهيم نوار« يقدم فيه قراءة واعية لواحد من أهم كتب الاقتصاد السياسى التى ظهرت فى الغرب منذ عقود: كتاب بيكيتى (صدر فى باريس 2013 ترجمة هارفارد 2014) أكثر من 500 ألف نسخة، أحدث الكتاب هزة فى الأوساط الأكاديمية والسياسية والصحفية. كان المؤلف الشاب (أقل من 40 سنة) عميد كلية باريس للاقتصاد، قد أمضى أكثر من 15 سنة فى اعداد هذا الكتاب مع فريق بحثى أضاف ثروة كبيرة من الاحصاءات والدراسات التحليلية الملحقة بالكتاب والتى وضعها على الإنترنت. باسم «رأس مال» لا يشير إلى اشتراك فكرى بين المؤلف وبين كارل ماركس. فى نوبات الهجوم التى اثيرت ضد الكتاب اتهم المؤلف بالشيوعية وانه يعيد اخطار الفكر الماركسى فرد فى حديث صحفى معه: للأسف لم أقرأ كتاب «رأس المال» لماركس! يقول المفكر الحر الجديد إن القول بأن المسئولية الاجتماعية لرأس المال تنحصر فى تحقيق الحد الأقصى من الربح، هو اعلان صريح لفلسفة توحش الرأسمالية، وان فلاسفة ومنظرى الرأسمالية الأمريكية الذين ولدوا وتوحشوا فى عصر ريجان وتاتشر يقودون الرأسمالية إلى هاوية تهدد العالم كله. العالم الذى انقسم إلى 1% يملك كل شيء و99% تلهث خلفهم من جوع نسبى وبطالة مختلفة الدرجات. يدعو بكيتى إلى ديمقراطية اجتماعية وإلى تحرر نسبى من الخضوع الكامل لأحكام السوق وإلى مفهوم جديد لحجم ووظيفة الضرائب التى تفرضها الدول على الأغنياء. اقتصاديو العالم الرأسمالى انشغلوا فقط «بخلق الثروة» وكان على رأسهم ميلتون فريدمان منظر الرأسمالية المتوحشة. واتهم كل من يخالف أو أن يفكر فى اعتبارات اجتماعية أخرى بأنه من حزب «اعداء النجاح». إن النجاح وتضخم الثروات لا يعنى كل شيء، ارتفع معدل النمو فوق 5% ليتجاوز 7% فى حين أن الانقسام والتفاوت الاجتماعى كان يزداد حدة وهو ما عبر عن نفسه فى زيادة نسبة الفقراء ومحدودى الدخل من المواطنين. وقد رأينا ذلك بوضوح فى مصر قبل ثورة يناير 2011، فقد كانت أرقام الحكومة تعلن ارتفاع مستويات النمو فى حين كانت حقائق الحياة الفعلية تشير إلى تراجع مستويات المعيشة وتدهور نوعية الحياة للأغلبية العظمى من المواطنين اضافة إلى انهيار الخدمات العامة وعلى رأسها خدمات الصحة والتعليم.يقيم توماس بيكيتى فى كتابه »رأس المال فى القرن الواحد والعشرين« الدليل على عقم الثنائية »خلق الثروة« »وتوزيع الثروة« ويكشف لغز التناقض بين معدلات النمو وبين ظاهرة التفاوت الفاحش بين الفقر والتوحش المالي. السيدة ليليان بيتنكورت حفيدة صاحب العلامة التجارية «لوريبيلي» لمستحضرات التجميل بلغت ثروتها فى يوليو 2014نحو 38 مليار دولار (حسب قائمة فوربز)ليس هذا عداء للنجاح أو كراهية للأغنياء.. ولكن السيدة لم تعمل فى حياتها يوما واحدا، وهذا المال من استثمار فى مستحضرات تجميل. بينما حال الدنيا كما ترى وتعرف! فى الولاياتالمتحدة زاد متوسط الدخل الحقيقى لفئة ال1% الأكثر ثراء بنسبة تراكمية بلغت 112% فى سنوات التعافى الاقتصادى (2009 2011) التى أعقبت الأزمة الاقتصادية 2008 فى حين أن نسبة نمو الدخل الحقيقى لبقية فئات المجتمع ال99% سجلت »فتات« تقل نسبته عن نصف نقطة مئوية (0.4%) فقط! اعاد عالم الاقتصاد الفرنسى الشاب توماس بيكيتى الروح إلى قضية العدالة الاجتماعية، وطرح فى كتابه للمرة الأولى منهجا واضحا لفهم هذه الظاهرة، ليس بقصد ازاحته ولكن بقصد اصلاحه. عندما اتهموه بانه »كارل ماركس الحديث« دافع عن نفسه بمقال: «انقذوا الرأسمالية من الرأسماليين» ان اقتصاد «المعرفة» الحديث لم يعد يقبل تحليلات ماركسية جامدة. وقد حقق الاقتصاد الصينى أكبر طفرة رأسمالية تحت حكم سياسى يدين بالشيوعية. كما يذكرنا الكتاب بالرئيس الأمريكى روزفلت الذى فرض ضريبة تعدت ال91% على من يزيد دخلهم السنوى على 200 ألف دولار أى ما يعادل مليون دولار فى الوقت الحالي. ويشير الكتاب إلى مدى نفوذ المال القطرى فى فرنسا بأن يقول ساخرا ان الشعب الفرنسى سوف يكتشف فى 2025 أو 2030 انه يدفع ايجار شقته لأمير قطر. خاصة فى ضوء الصفقة الخاسرة التى اشترت فيها قطر أكبر البنوك الفرنسية. جمع الباحث المدقق إبراهيم نوار أغلب الكتابات التى كتبت مع أو ضد الكتاب، وقدم لنا كتابا مهما ومفيدا.. كما كان ممتعا لمن هم مثلى من غير المتخصصين، ولكنه دون شك أطلق الأمانى بأن يتقدم فريق من الاقتصاديين المتخصصين بدراسة خصائص وحاضر ومستقبل رأس المال العربى فى منطقتنا وبالذات فى عالم الخليج والنفط، وأنا أبحث عن مادة حول الكتاب عرفت أن الكاتب الاقتصادى المتميز الأستاذ وائل جمال يقوم بترجمة كاملة للكتاب الذى هز اقتصاد العالم ونحن بلاشك فى شوق لصدوره. لمزيد من مقالات علاء الديب