طرح مدينة رفح الجديدة وقري الصيادين والتجمعات التنموية لأبناء سيناء    محافظ أسيوط يعلن ارتفاع نسبة توريد القمح إلى 12 ألف طن    الشرطة الأمريكية تعتقل 93 شخصا داخل حرم جامعة جنوب كاليفورنيا    دبلوماسي روسي: نقل صواريخ «أتاكمز» الأمريكية إلى أوكرانيا لا يمكن تبريره    دوري أبطال إفريقيا| الأهلي يرتدي زيه التقليدي أمام مازيمبي    بسمة مصطفى: فيلم "شقو" تربع على إيرادات عيد الفطر ب50 مليون جنيه    تحرك جديد في أسعار الذهب.. والأسواق تترقب بيانات التضخم الأمريكية    بين أوكرانيا وإسرائيل وغيرهم.. الكونجرس يتبنى حزمة مساعدات دسمة    دعم اوروبي 10 ملايين يورو لنفاذ مياه الشرب إلى المناطق المحرومة في إفريقيا وآسيا    مواعيد مباريات الجولة 20 من الدوري المصري.. عودة القطبين    ضبط 65 كيلو مخدرات بقيمة 4 ملايين جنيه بمحافظتين    بعد مقتل ربة منزل على يد زوجها فى ملوى فى لحظة غضب ..نصائح هامة يقدمها طبيب نفسى    رئيس البرلمان العربي يهنئ مصر بمناسبة ذكرى تحرير سيناء    بكلمات مؤثرة.. ريهام عبدالغفور توجه رسالة لوالدها الراحل في حفل تكريمه    في الذكرى ال42 لتحريرها.. مينا عطا يطرح فيديو كليب «سيناء»    الأردن يدين سماح الشرطة الإسرائيلية للمستوطنين باقتحام الأقصى    الدورة 15 لحوار بتسبيرج للمناخ بألمانيا.. وزيرة البيئة تعقب فى الجلسة الأفتتاحية عن مصداقية تمويل المناخ    ضمن الموجة ال22.. إزالة 5 حالات بناء مخالف في الإسكندرية    تشافي يبرّر البقاء مدربًا في برشلونة ثقة لابورتا ودعم اللاعبين أقنعاني بالبقاء    عودة ثنائي الإسماعيلي أمام الأهلي في الدوري    مصر تنافس على ذهبيتين وبرونزيتين في أول أيام بطولة أفريقيا للجودو    وزير التعليم العالي يهنئ رئيس الجمهورية والقوات المسلحة والشعب المصري بذكرى تحرير سيناء    إزالة إشغالات وحالات بناء مخالفة في دمياط الجديدة    مصادرة 569 كيلو لحوم ودواجن وأسماك مدخنة مجهولة المصدر بالغربية    التحقيق مع المتهم بالتحرش بابنته جنسيا في حدائق أكتوبر    إصابة سيدة وأبنائها في حادث انقلاب سيارة ملاكي بالدقهلية    بالصور .. بدء طباعة وتظريف امتحانات الترم الثاني 2024    وزير التنمية المحلية يتابع مع وفد البنك الدولى الموقف التنفيذي لبرنامج التنمية المحلية بصعيد مصر    بلجيكا: استدعاء السفير الإسرائيلي لإدانة قصف المناطق السكنية في غزة    "حماس": حال قيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس سنضم جناحنا العسكري للجيش الوطني    رد فعل غير متوقع من منة تيسير إذا تبدل ابنها مع أسرة آخرى.. فيديو    الصحة: فحص 6 ملايين و389 طفلًا ضمن مبادرة الكشف المبكر وعلاج ضعف وفقدان السمع    علماء يحذرون: الاحتباس الحراري السبب في انتشار مرضي الملاريا وحمى الضنك    كيفية الوقاية من ضربة الشمس في فصل الصيف    خبيرة فلك: مواليد اليوم 25 إبريل رمز للصمود    وزارة العمل تنظم فعاليات «سلامتك تهمنا» بمنشآت السويس    أحدهما بيلينجهام.. إصابة ثنائي ريال مدريد قبل مواجهة بايرن ميونخ    محافظ كفر الشيخ يتابع أعمال تطوير منظومة الإنارة العامة في الرياض وبلطيم    أمين الفتوى لزوجة: اطلقى لو زوجك لم يبطل مخدرات    حبس شاب لاستعراضه القوة وإطلاق أعيرة نارية بشبرا الخيمة    انعقاد النسخة الخامسة لمؤتمر المصريين بالخارج 4 أغسطس المقبل    أبورجيلة: فوجئت بتكريم النادي الأهلي.. ومتفائل بقدرة الزمالك على تخطي عقبة دريمز    7 مشروبات تساعد على التخلص من آلام القولون العصبي.. بينها الشمر والكمون    موعد مباراة الزمالك وشبيبة أمل سكيكدة الجزائري في نصف نهائي كأس الكؤوس لليد    محافظ الجيزة يهنئ الرئيس السيسي بالذكرى ال42 لعيد تحرير سيناء    منها طلب أجرة أكثر من المقررة.. 14 مخالفة مرورية لا يجوز فيها التصالح بالقانون (تفاصيل)    «التعليم» تستعرض تجربة تطوير التعليم بالمؤتمر الإقليمي للإنتاج المعرفي    الليلة.. أنغام وتامر حسني يحيان حفلا غنائيا بالعاصمة الإدارية    فن التهنئة: استقبال شم النسيم 2024 بعبارات تمزج بين الفرح والتواصل    عادل الغضبان يهنئ أبناء محافظة بورسعيد بالذكرى ال 42 لعيد تحرير سيناء    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس25-4-2024    أمر عجيب يحدث عندما تردد "لا إله إلا الله" في الصباح والمساء    افتتاح وتشغيل 21 سرير عناية جديد بمستشفي الكرنك في الأقصر تزامنا ذكرى تحرير سيناء    حدث ليلا.. تزايد احتجاجات الجامعات الأمريكية دعما لفلسطين    الفندق عاوز يقولكم حاجة.. أبرز لقطات الحلقة الثانية من مسلسل البيت بيتي الجزء الثاني    هل يجوز قضاء صلاة الفجر مع الظهر؟.. «الإفتاء» تحسم الجدل    أحمد موسى: مطار العريش أصبح قبلة للعالم وجاهز لاستقبال جميع الوفود    الزكاة على أموال وثائق التأمين.. الإفتاء توضح أحكامها ومتى تجب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصر.. من باريس!

أكتب لكم من باريس، دون أن أغادر مصر. فمصر كما سبقني الي القول كثيرون تعيش فينا كما نعيش فيها أو أكثر مما نعيش فيها.
لأننا نحملها في أفئدتنا سواء كنا مقيمين او كنا مسافرين. فليست مصر مكانا فحسب، ولكنها قبل كل شيء زمان. ليست مجرد طمي ورمل ونهر وبحر، وإنما هي قبل هذا وذاك بشر. بشر صنعوا مصر وصنعتهم مصر وهم يصنعونها. أثارت خيالهم، وفجرت مواهبهم، وجعلتهم جماعة متضامنة وثقافة مشتركة. التاريخ الذي تحولت به مصر من أرض الي وطن هو الذي تحول به المصري من كائن الي مواطن.
ولقد يبدو هذا الحديث عاطفيا دون مناسبة تثير العواطف. وقد يبدو غير متوقع ممن يكتب من باريس التي يفتح اسمها شهية القاريء لمعرفة ما يقدم فيها وما يدور. لكن باريس لن تكون هي موضوعي الأول، وإنما سأكتب هذه المقالة عن مصر كما أراها وأنا في باريس التي ستكون خلفية أنظر لها فأري ما أجده في مصر وأري ما أفتقده.
أما عن العواطف التي تلح علي في هذا الحديث فأنا لا أبريء نفسي منها، ولا أتكلف الوقار في حديثي عن مصر التي لا أظن أننا نسرف في اظهار حبنا لها. بل نحن نسرف في اخفاء هذا الحب وفي كتمانه رغم حضور الدواعي والحاحها.
لا أتحدث عن حب محفوظ كأنه الطعام المحفوظ، ولا عن عبارات تقال في المناسبات ولا تعني شيئا. بل أتحدث عن حب صحيح، حب عارف مثقف له أصوله وجذوره التي نتمثلها ونرجع اليها ونعمل بمقتضاها. نعم، نحن في أشد الحاجة الي أن نحب أنفسنا، أي نعرف قدرها، بعيدا عن المناسبات التي تبدو فيها العواطف الوطنية ألبسة زاهية نرتديها في المناسبة ونخلعها بعدها.
نحن في حاجة الي أن نعرف ماضينا العريق، لا باعتباره معلومات وتواريخ لم تعد تعني شيئا إلا لتلاميذ المدارس، ولكن باعتباره تجارب وخبرات حية وتعبيرا عن شخصيتنا ودروسا نستفيد منها. بهذا يتخلص الماضي من ملابسات الماضي ويتحرر من شروطه ليولد في الأجيال الجديدة ولادة جديدة يتفاعل فيها مع الواقع الجديد ويتحول الي حاضر، ثم يتحول بهذه القوانين ذاتها الي مستقبل. فليس المستقبل إلا البعيد او الغامض الذي نضيئه بخبرة الماضي والحاضر ونتوقع ما سوف يكون فيه مما تصدقه الأيام او تكذبه، فننتفع به في الحالين ونضيفه الي خبرتنا ونزيد به قدرتنا علي رؤية البعيد والتنبؤ بالمستقبل.
ونحن نشكو في هذه الأيام من أننا في نشاطنا الوطني كما نحن في نشاطنا الفردي نواجه ما يفرض نفسه علينا من المشاكل واحدة بعد أخري تداهمنا كل منها دون أن نتوقعها او نحسب حسابها او نستعد لمواجهتها. ثم لانكاد نخرج من مأزق حتي نجد أنفسنا في مأزق.
فنحن دائما غير مستعدين وغير متأهبين. نؤخذ علي غرة، ولهذا نخسر الجولة قبل أن تبدأ. وربما كان الذي نقع فيه من صنع أيدينا، وكانت جنايتنا علي أنفسنا أفدح من جناية غيرنا علينا. وذلك حين ننساق دون روية، ونندفع دون تفكير، فنقع في أخطاء مميتة لا يحتاج معها الخصوم الي صواب كثير أو ذكاء خارق او تضحية باهظة ليكسبوا معاركهم معنا. ولننظر فيما حل بنا خلال العقود الماضية من المشاكل والمصائب والأخطار.
الحروب التي خسرناها وكنا نستطيع أن نكسبها وكنا نستطيع أن نتجنبها. والأحلام والفرص التي أضعناها، ولو أتيح بعضها لغيرنا لحقق المعجزات . بل لقد فقدنا خلال العقود الماضية ما كنا حققناه قبلها. المدرسة الوطنية، والجامعة المصرية، وحتي عاصمتنا التي كانت تقارن بهذه المدينة التي أحدثكم منها. لننظر في هذه الكوارث التي تلاحقت وتكالبت علينا في العقود الماضية ولنسأل أنفسنا: من أين جاءت؟ من داخل بلادنا أم من خارجها؟ ولماذا لم نتوقعها؟ ولماذا لم نحاصرها نحن من البداية قبل أن تحاصرنا وتدفعنا او تكاد تدفعنا لليأس من الوصول الي حل او خلاص؟
الجواب حاضر واضح، وهو أننا نمارس حياتنا وكأنها يوم واحد نجهل ما قبله ونجهل ما بعده، فالأمس طقوس نؤديها وشعائر نكررها ولا نفكر فيها. والغد غيب مستور وقدر نازل لانستطيع له دفعا ولا نجد منه مهربا. وهكذا تنزل بنا الحوادث منقطعا بعضها عن بعض. لانعرف لها مقدمات، ولا نتوقع نتائج. وهكذا ننظر للزمن. الماضي ليس مقدمة للحاضر. والمستقبل ليس نتيجة منطقية لهذا وذاك. وهكذا نري التاريخ. فالتاريخ هو ما يحل بنا وينزل علينا وليس ما نصنعه نحن او نشارك في صنعه.
نحن كما تقول بعض الفرق الدينية ريش في مهب الرياح التي تعلو بنا وتهبط فلا نقاوم ولا نعترض ولانريد ولانختار. باختصار، نحن بهذا الواقع الراهن وبهذه الثقافة الموروثة لسنا أحرارا. لانصنع حاضرنا ولا نتحكم في مستقبلنا. نعيش حياتنا يوما بيوم، ونواجه مشاكلنا مشكلة بعد مشكلة مفتقرين للرؤية الكاشفة التي تمكننا من فهم ما حدث، وتساعدنا علي تصور ما يمكن أن يحدث لنحقق به ما نريد ونتجنب ما لا نريد، وذلك ضمن خطة مرسومة محسوبة نوفر لها ما لابد أن يتوفر من الامكانات والأدوات والكفاءات ونجعلها خطوات ومراحل يقوم فيها كل مشروع علي المشروع الذي سبقه ويؤدي الي المشروع الذي يليه. وبهذا تتكامل الخطة وتتحقق المطالب.
لكن الرؤية الكاشفة لاتتحقق بالعين المجردة، وإنما تتحقق بالوعي. وعينا بالواقع، ووعينا بأنفسنا. والبداية من وعينا بأنفسنا. لأننا حين نعرف أنفسنا نعرف كل ما مر بنا وأصبح خبرة وقدرة علي التمييز بين الصواب والخطأ وبين الحقائق والأوهام.
يجب أن نعرف أنفسنا لكي نعرف ما نريد وما نشتهي، ولكن نميز ونختار. وهذه هي الحرية التي لا نمتلكها إلا اذا امتلكنا أنفسنا. فنحن نمتلك أنفسنا حين نعرفها. وحين نعرف أنفسنا نصبح أحرارا. ومن هنا كانت «أعرف نفسك». هي الكلمة الأولي في الفلسفة، وكانت «عودة الوعي» هي صحوة توفيق الحكيم علي ما صرنا اليه، وهي وصيته الأخيرة التي لم نعمل بها حتي الآن. والا فمن نحن؟ أمة كما كنا نري أنفسنا في زمن النهضة؟ أم جزء من أمة كما أصبحنا نقول في زمن التراجع والانكسار؟
في زمن النهضة كنا أمة مكتملة بشهادة الجغرافيا وشهادة التاريخ. وبهذا الوعي خرجنا من عصور الظلام، وتحررنا من الغزاة الأجانب الأتراك والبريطانيين، وانتزعنا الدستور، وأنشأنا ثقافة جديدة، واتصلنا بالعالم، ودخلنا العصور الحديثة.
نهضتنا الحديثة ارتبطت بوعينا الوطني حين فتحنا عيوننا علي الواقع عرفنا أننا أمة. وحين عرفنا أنفسنا عرفنا الحرية. فما الذي حدث بعد ذلك؟
حدث أننا صرنا نصف أمة، او ربع أمة، او جزءا من أمة كما تقول دساتيرنا الأخيرة. عندئذ خرجنا من زمن النهضة، وفقدنا الحرية، والديمقراطية، وعدنا الي العصور الوسطي من جديد!
لمزيد من مقالات أحمد عبد المعطي حجازي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.