أخي الصائم ها هو شهر رمضان قد انتصف، فقف مع نفسك واختبرها، واجلس معها جلسة محاسبة: ماذا تغير فيك، قف مع نفسك وسلها سؤالا: هل أنا تغيرت أم لا؟ هل أقلعت عن ذنوبي أم ما زلت عاكفًا مصرًّا عليها؟ هل تطهرت من ذنوبي أم لا؟ هل طهرت القلوب من الحقد والحسد؟ هل ما زال بعضنا يحقد على بعض؟ هل ما زال البعض يطعن في زميله وأخيه في العمل؟ هل ما زلنا نتقرب لرؤسائنا حتى ولو على حساب انتقاص زملائنا والطعن فيهم حال غيابهم؟ ما أحوجنا في رمضان شهر الرحمة والمغفرة أن نُقبِل على الله تعالى فاتحين صفحة جديدة، نادمين على ما بدر منا تقصيرًا وتفريطًا في جنب الله، رافعين أكف الضراعة إلى المولى عز وجل الذي ينادي كل ليلة في ثلث الليل الأخير "هل من داعٍ فأجيبنّه هل من مستغفر فأغفر له"؟
فيا أيها الأخ الذي كثُرتْ ذنوبه، وكاد أن يفقد الأمل في الرجوع والأوبة إلى مولاه، أيها المسرف على نفسه.. يا من ظننت ألا يُغفر لك من كثرة ذنوبك.. يا من وسوست لك نفسُك، وقالت لك: لا تصلِّ؛ لأنك كثير الذنوب.. يا من سَخِرَ منك الناس؛ كونك أسرفْتَ في المعاصي.. يا من ظننْتَ أن أبواب المغفرة أغلقتْ.. ها هو شهر المغفرة والرحمة قد أظلك، فهو شهر أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار.
فأقبل على مولاك راجيًا عفوه ومغفرته، وأحسن الظن بالله، واعلم أنه سبحانه عند حسن ظنك به؛ فالله عز وجل يفرح بالتائبين المعترفين بذنوبهم والنادمين على معاصيهم، المهم أن تصح عقيدتك في الله، ولا تشرك به شيئًا، فالله عز وجل هو القائل فيما بلغه عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء، ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة" (الحديث أخرجه الترمذي وحسنه الشيخ الألباني)، وقال صلى الله عليه وسلم: "كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون" (أخرجه الترمذي).
والله سبحانه هو القائل في قرآنه: {إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَّشَاءُ} [النساء: 48]، اعلم أخي الحبيب أن الله عز وجل واسع المغفرة، وقد فتح باب التوبة على مصراعيه أمام المخطئين المذنبين، فقال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لاَ تُنْصَرُونَ} [الزمر: 53-54].
ثم اعلم أخي التائب العائد إلى ربه أن ندمك على ما كان منك أول خطوة على طريق التوبة، روي عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما علم الله من عبد ندامة على ذنب إلا غفر له قبل أن يستغفر منه" (رواه الحاكم)، وكيفية التوبة النصوح أن تقلع عن الذنب إقلاعًا، وتكثر من الأعمال الصالحات، صلاة وذكرًا وصومًا وصدقة، وتؤدي الفرائض كلها، ودعك من وساوس الشيطان وألاعيبه، وتقرب إلى ربك بما استطعت من النوافل والطاعات.
والله سبحانه وتعالى رب رحيم، سمى نفسه التواب لكي يتوب على من أذنب من عباده، وسمى نفسه الغفار لكي يغفر ذنوب من أذنب من عباده، وسمى نفسه الرحمن الرحيم لكي يرحم بها خَلْقه، فتوكل على الله حسن توكله، وأحسن توبتك، والجأ إلى ربك سبحانه وتعالى، وثق في أن الله سبحانه سوف يقبل توبتك ويقيل عثرتك.
إن من يمر بمواسم الخير ولا يستفيد منها ويتعرض لها إنه حقا لمحروم، ذلك الذي أدرك رمضان ولم يغفر له إنه حقا لمحروم، فيا لها من فرصة للتوبة والأوبة والرجوع والندم على الخطأ وتصحيح الخطى والعودة إلى الله وبداية صفحة جديدة، فقد دعا أمين السماء جبريل قائلا: "رغم أنف امرئ أدرك والديه أو أحدهما ولم يدخلاه الجنة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم آمين، فقال جبريل عليه السلام : رغم أنف امرئ أدرك رمضان ولم يغفر له، فقال النبي الكريم: آمين، فقال جبريل: رغم أنف امرئ ذكرت عنده ولم يصل عليك، فقال النبي الكريم: آمين"، اللهم صلِّ على عبدك ونبيك محمد وآله وصحبه ومن تبعه بإحسان. لمزيد من مقالات د . جمال عبد الناصر