لم يكن لحملة "تمرد" أن تنجح فى تجاوز الأهداف التى أعلنتها فى 28 أبريل 2013، بجمع 15 مليون توقيع لسحب الثقة من الرئيس الإخوانى محمد مرسى، والاحتشاد بالميادين فى 30 يونيو، والمطالبة بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، فى غضون نحو شهرين فقط، دون توافر جملة من المعطيات الموضوعية والذاتية، التى أسهم تفاعلها فى انتقال الحملة إلى حالة شعبية غير مسبوقة، لعب فيها المواطن الفرد دور البطولة الأساسية، سواء فى البيوت أو أماكن العمل أو الشوارع أو الميادين. عوامل رئيسية كانت المحرك والدافع لتحرك كل قوى الشعب والتفافها حول فكرة الحركة، كان أهمها تزايد الرؤية التشاؤمية لدى المصريين تجاه المستقبل بسبب غياب التوافق المجتمعى والصراع السياسى بين القوى الإسلامية والمدنية والأحداث الدامية فى الشارع والسيولة الأمنية وتردى الأوضاع الاقتصادية، وكذلك انزعاج المصريين من حالة ازدواج السلطة، التى فرضتها أولوية انتماء الرئيس لتنظيم الإخوان الدولى، بكل ما تحمله من غموض أحاط بمركز الحكم، واصطدم بطبيعة الشخصية المصرية، وسط شعور متنام بأن حكم مكتب الإرشاد بات يهدد الأمن القومى المصرى، وروح مصر وهوية المجتمع. كما أن فشل أطروحة الإسلام السياسى فى الإجابة على أسئلة الواقع الاقتصادى والاجتماعى، مع أول اختبار لها بالحكم، فى ظل الإدارة السياسية الفاشلة للجماعة، التى أدى انقلابها السريع على مبادئ الثورة، وقيم الديمقراطية، عبر انفرادها بالسلطة، والسعى المحموم لأخونة مؤسسات الدولة، وتكريس الاستبداد، وترويض المعارضة بالقوة ورفض تقديم أى تنازلات سياسية لرفقاء الثورة من أجل تحقيق توافق سياسى، إلى سقوط شرعيتها الأخلاقية، وإهدار جوهر الشرعية الديمقراطية التى أتت بها إلى السلطة، وكان لإعلان 21 نوفمبر الدستورى، الذى حصن فيه مندوب الجماعة فى قصر الاتحادية قراراته من الطعن أمام القضاء والجمعية التأسيسية لكتابة الدستور ومجلس الشورى، له عظيم الأثر فى نفوس الشعب وأدى إلى دخول شرائح جديدة من النخبة فى خندق المتمردين. جرى تدشين حملة تمرد بكل ما ينطوى عليه الاسم من تحريض على العصيان ضد الحكم، فى سياق تنامى المعارضة لنظام الإخوان، سواء على المستوى الرأسى الذى مثلته جبهة الإنقاذ الوطنى التى نجحت فى تمهيد الأرض سياسيا أمام الحملة على مدى أكثر من خمسة أشهر، أو من الاحتجاج ضد الإعلان الدستورى الدستورى فى نوفمبر 2012 بمشاركة فاعلة للكتلة الثورية غير المنظمة، مرورا بخرق حظر التجوال فى مدن القناة، ووصولا إلى جمع توكيلات لوزير الدفاع آنذاك الفريق عبدالفتاح السيسى لإدارة شئون البلاد. وتزامن الإعلان عن الحملة، مع لحظة ملل وإرهاق سياسى فى دراما الصراع الذى تقوده جبهة الإنقاذ مع نظام الإخوان، تسرب خلالها شعور لدى قطاع واسع من الشعب، بأن الجبهة التى تتبنى خطابا إصلاحيا منخفض السقف، لن تستطيع أن تفعل أكثر من تحسين شروط الواقع السياسى، لكنها لن تتمكن من تغيير ميزان القوى. كما أن هناك عوامل أخرى نقلت الحملة من مربع المكاتب والمطالبات إلى الحالة الجماهيرية، نجح خلالها مؤسسو الحملة فى قراءة المزاج الشعبى السائد وقتها، فقد طرحت الحملة، نفسها ورغم خروج مؤسسيها من قلب حركة كفاية التى بدأت دق المسمار الأخير فى نعش نظام مبارك، بشكل مستقل عن كل الحركات والأحزاب والكيانات المعارضة لنظام الإخوان، متحررة من أى ارتباطات سلبية، فى اللاشعور السياسى عند المصريين، وكذلك لم تكن قيادات الحملة الشابة، والتى حملت على عاتقها تسويق تمرد، للرأى العام، من الوجوه الثورية المستهلكة إعلاميا، فضلا عن نجاحها فى تبنى خطاب إعلامى عقلانى وحاسم وغير صادم للذوق العام، تجنب الاستعراض أو الصراخ أو المياعة السياسية. كما أن الحملة لم تطرح نفسها، بديلا للإخوان، ولم تطالب بإخراجهم من المعادلة، فنأت بنفسها عن شبهة اتهامها بالمراهقة السياسية، أو بالطمع فى الحكم، ونقلت عبر وسيلة احتجاجية سلمية وبطريقة مبتكرة للتعبئة الجماهيرية، المعركة، مع نظام الإخوان على مدى شهرين وحتى قبل 30 يونيو، إلى نطاق مكانى غير محدود، متجنبة بذلك الصدام الدموى السائد مع القوى الإسلامية المؤيدة للإخوان، أو مزيدا من إنهاك الشارع عبر الاحتلال الجسدى المعتاد للميادين، تمهيدا للحظة ذروة فى 30 يونيو، تخرج فيها الجماهير غير المتعبة للمطالبة بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، بعد تخطى حاجز التوقيعات المستهدف الذى وصل فى نهاية الحملة إلى أكثر من 22 مليون توقيع.