برغم مرور ما يقرب من أربعة أعوام على ثورة 25 يناير، وعامين على 30 يونيو، وهما ثورتان قادهما الشباب إلا أن العلاقة بين الدولة والشباب تمر بأزمات عديدة فى ظل اتساع الفجوة بينهما على خلفية صدور قانون التظاهر لا تزال الأمر الذى يضع تساؤلات حول مستقبل الحراك الشبابى وموقع الشباب فى المعادلة السياسية. مر الحراك الشبابي بمراحل متفاوتة منذ 25 يناير، فهناك شباب انخرطوا فى الأحزاب السياسية التى تأسست بعد الثورة وآخرون فضلوا التمسك بحركات الضغط بسبب تحفظهم على أداء تلك الأحزاب. وبرغم مشاركة غالبية الشباب المنتمى للتيارات المدنية فى الحراك ضد نظام الإخوان وتوحدوا هم وراء حركة "تمرد"، إلا أنهم عجزوا عن التوصل لرؤية موحدة لما بعد مرسي، وربما كانت هذه اللحظة هى بداية انقسام الحركة الشبابية الثورية التى بدت متوحدة منذ 25 يناير.
مع تصاعد المواجهة الأمنية بين الدولة وجماعة الإخوان طالت تلك المواجهة أيضا عددا كبيرا من شباب الثورتين بسبب خرقهم قانون التظاهر الذي يعتبره سياسيون وقانونيون غير دستوري وتكررت المطالبات بتعديله دون جدوى. وخلال تلك المواجهات اتسعت الفجوة بين الشباب أنفسهم من جهة بسبب اتهامات التخوين والأخونة والمزايدات وبين الدولة من جهة أخرى بسبب القبضة الأمنية وما يصفه الكثيرون بغلق المناخ العام مما أدى لإنهاك الحراك الشبابي . يقول عصام الشريف، منسق الجبهة الحرة للتغيير السلمى إن هناك أسبابا عدة أدت لإنهاك الحراك الشبابي وتفتيته أبرزها الزج بالشباب والطليعة الثورية فى السجون بسبب قانون التظاهر وفشل الشباب فى التوحد فى كيان منظم، وتفرغ الكثير منهم للتخوين والمزايدات، وصعود الثورة المضادة بما تمتلكه من إمكانات مادية و وسائل إعلام أسهمت فى تشويه الثورة وشبابها فى ظل افتقاد الشباب لنفس الإمكانات، وأخيرا الصراع الإيديولوجى الذى دفع بكل تيار للبحث عن مشروعه الخاص وتجاهل مطالب الشارع والمصالح الوطنية . ورغم أن الشباب مطالب بالاعتذار عن جميع أخطائهم ووقف الخطاب المتعالى على الشعب، والتوحد على مشروع لبناء مصر بدلا من استمرار تبنى شعار "يسقط" الذى أصبح مرفوضا لدى الشعب. إلا أنه يرى فى الوقت نفسه أن موقف الدولة من "25 يناير" لايزال غير واضح، قائلا: "هناك شعور لدى الشباب بأن الدولة تعترف ب25 يناير على مضض فهى تشيد بها فى التصريحات الرسمية والمحافل الدولية بينما تتصرف بعكس ذلك مع شبابها ومن شاركوا فيها وتعلى من قيمة "30 يونيو" على حساب "25 يناير" وهذا خطأ.؟" ويبدى الشريف تفاؤلا حذرا بقوله "النظام الحالى فشل فى عمل مصالحة حقيقية مع شباب الثورة ولكن الأمل مازال موجودا، وأناشد الرئيس بالعفو عن كل الشباب المحتجزين على خلفية قانون التظاهر بلا استثناء . فى ظل ذلك أصبح "التمكين" مطلبا ملحا لقطاع كبير من الشباب الذين يشعرون بأن جيلهم أصبح خارج المعادلة وأن تهميشه مازال مستمرا برغم مشاركته فى الثورتين، يقول عمر الجندي، عضو حزب المصريين الأحرار وتنسيقية 30 يونيو إن أداء الرئيس السيسي جيد فى مجمله، معربا عن قلقه من أن هناك بنودا من خارطة الطريق لم تتحقق كما كان مخططا لها مثل ميثاق الشرف الإعلامي وإجراء الانتخابات البرلمانية وتمكين الشباب، وأشار إلى وجود قطاع من شباب الأحزاب ما زال متمسكًا بالعمل السياسي المؤسسي ولكنه يفتقد وجود آلية للتمكين، مطالبا الدولة بفتح حوار حقيقي مع الشباب وتعيينهم بالمجالس المحلية حتى يمكن فرز كوادر شبابية سياسية. ويرى عبدالمنعم إمام، الأمين العام لحزب "العدل" أن وضع الشباب الآن لم يتغير عما كان فى عهد مبارك فهم مازالوا بعيدين عن كل الملفات، مؤكدا أن المستقبل سيكون دائما لصالح الشباب، مضيفا " المستقبل لنا شاء من شاء وأبي من أبي ليس فقط بحسابات السياسة ولكن بالأرقام لأن الشباب يشغل 70% من إجمالى سكان مصر وعلى الدولة أن تدرك أن استمرار تهميش الشباب ومحاصرتهم سيؤدى لمشكلة يصعب تدراكها ربما فى المستقبل القريب". من جانبه أشاد طارق الخولى، مؤسس حركة "شباب الجمهورية الثالثة" بأداء الدولة والرئيس السيسي في ملف الشباب، معتبرا أن سبب الأزمة التي تواجه الشباب يتمثل في الأحزاب السياسية وليس أداء الدولة. هاجم الخولى الأحزاب السياسية متهما إياها بالضعف وعدم المؤسسية والاعتماد على المال السياسي والشللية وإقصاء الشباب. ويظل مستقبل الحركات الشبابية الاحتجاجية غامضا فى ظل تمسكها بنفس الآليات التى نجحت خلالها من قبل فى الحشد والتعبئة للثورة إلا أن المزاج العام الحالى بات يرفضها، ويرى الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع السياسى بالجامعة الأمريكية أن كل حركات الاحتجاج والتغيير الاجتماعى لها عمر محدد أيا كان دورها التاريخى الذى تلعبه فى رفع الوعى وكسر حواجز الخوف لدى العامة، وبعد فترة يتغير المزاج العام من هذه الحركات وتبدأ فى الاندثار والتحلل حال إصرارها على البقاء بنفس الشكل وتبنى نفس الآليات. ويضيف صادق: "حركات الاحتجاج والتاريخ عموما لهم دورة معروفة ودائما ما تأكل الثورة أبناءها وهذا حدث فى الثورتين الفرنسية والروسية حيث تم إعدام والتنكيل بأبطال تلك الثورات فيما بعد. والحركات الشبابية لعبت دورا مهما ونجحت فى الحشد ضد نظامى مبارك ومرسي إلا أنها تجمدت باستمرار استخدام نفس الآليات. فالشارع لم يعد يقبل دعوات الاحتجاج والثورة لأنه ينشد الاستقرار فى الوقت الحالى وعلى تلك الحركات التحول لحزب سياسي يخاطب المزاج العام الجديد". يختلف عمرو على، منسق حركة "6 أبريل" مع هذا الرأى، مؤكدا أن 6 ابريل بجبهتيها كمثال للحركات الشبابية تعمل على تطوير الآليات منذ فترة أكثر من عام ونصف وأنها لن تتحول لحزب سياسي مهما بلغت التحديات، مضيفا " ندرك جيدا أن الثورات تأكل أبناءها ولكننا مؤمنون بقدرتنا على تجديد آلياتنا وتجاوز الصعوبات من أجل تحقيق أهدافنا ونجحنا فى تجاوز حملات التشويه التى أطلقتها الأنظمة المتعاقبة منذ اندلاع الثورة ضدنا .ونسعى لتحقيق أهداف الثورة فتلك مطالبنا وأهدافنا التى لن تتغير.فنحن لا نهدف للانقلاب على النظام وإنما نهدف إلى تغيير الممارسات عبر ممارسة دورنا كحركة ضغط سلمية" . ويؤكد د. حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية أن الحركات الشبابية تمر بلحظة أزمة حاليا نتيجة لانتشار الإحباط بين الشباب وعزوفه عن المشاركة السياسية بسبب الرؤية الأمنية لدوره وما قام به فى الثورتين، مؤكدا أن تضييق الخناق الأمنى على شباب الثورة عموما سيصعد من الأزمة ويزيد الفجوة بينهم وبين الدولة اتساعا بما يتناقض مع مصالح الوطن، مطالبا الدولة بتغيير سياساتها تجاه الشباب والعملية السياسية عموما، معتبرا أن الرؤية التى تحكم الدولة تسيطر عليها الاعتبارات الأمنية أكثر من الاعتبارات السياسية والاجتماعية، محذرا من خطورة ذلك على استقرار مصر والنظام، وإقصاء الشباب ودفعهم باتجاه الإخوان.