أجابت دار الإفتاء المصرية قائلة: رخص الله سبحانه وتعالى للصائم المسافر أن يفطر متى كانت مسافة سفره لا تقل عن مرحلتين وتُقَدَّران بنحو ثلاثة وثمانين كيلومترًا ونصف الكيلومتر، بشرط أن لا يكون سفره هذا بغرض المعصية، وأناط الشرع رخصة الفطر بتحقق علة السفر فيه من دون نظر إلى ما يصاحب السفر عادة من المشقة. فصلح السفر أن يكون علة لأنه وصف ظاهر منضبط يصلح لتعليق الحكم به، والحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا، فإذا وُجد السفر وُجِدَت الرخصة، وإذا انتفى انتفت، أمَّا المشقة فهى حكمة غير منضبطة؛ لأنها مختلفة باختلاف الناس، فلا يصلح إناطة الحكم بها، ولذلك لم يترتب هذا الحكم عليها ولم يرتبط بها وجودًا وعدمًا، قال تعالي: «وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ» [البقرة: 185]، فمتى تحقق وصف السفر فى الصائم ولم يكن إنشاؤه بغرض المعصية جاز له الفطر؛ سواء اشتمل سفره على مشقة أم لا، وسواء اتكرر سفرُه هذا أم لا، حتى لو كانت مهنتُه تقتضى سفره المستمر فإن هذا لا يرفع عنه الرخصة الشرعية، وبين الله سبحانه مع ذلك أن الصوم خير له وأفضل مع وجود المُرَخِّص فى الفطر بقوله تعالي: (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ) [البقرة: 184]، والصوم خير له من الفطر فى هذه الحالة وأكثر ثوابًا ما دام لا يَشُقُّ عليه؛ لأن الصوم فى غير رمضان لا يساوى الصوم فى رمضان ولا يُدانيه وذلك لمن قدر عليه، فإذا ظن المسافر الضرر كُرِه له الصوم، وإن خاف الهلاك وجب الفطر. جئنا من مصر على الطائرة المصرية إلى كندا، وأفتى لنا أحد العلماء بالصوم مع أن الطائرة سوف تحلق لمدة إحدى عشرة ساعة تقريبًا، وركبنا من الساعة الواحدة ظهرًا، وأفطرنا على توقيت مصر، ولكن المشكلة أننا أفطرنا والشمس ما زالت ساطعة ولم تغرب إلا فى آخر الرحلة، أى بعد إحدى عشرة ساعة، وقد وعَدتُ أحد أفراد طاقم الطائرة أن أرد عليه من خلال فتواكم، فما رأيكم؟ الصائم يفطر فى الجو عندما تغيب الشمس عنده وفى النقطة التى هو فيها، ولا يفطر بتوقيت بلده أو البلد التى يمر عليها، بل عند غروب الشمس بكامل قرصها فى عينه هو. فإذا شق عليه ذلك فليفطر للمشقة الزائدة المركبة فى السفر، وليس لانتهاء اليوم. فلو أفطر حينئذ فإنه يكون عليه أن يقضى يومًا مكان ما أفطر، وما يقوله قادة الطائرات من الإفطار على ميقات البلد الأصلى أو البلد الحالى من دون مراعاة غياب الشمس أمامهم غير صحيح شرعًا. وهناك حالة تغيب فيها الشمس ثم تخرج مرة أخرى من جهة المغرب لسرعة الطائرة، وهنا يُفطِر الصائم ولا يلتفت لردها وعودتها.