تعتزم الحكومة تقديم مشروع قانون لمجلس الدولة يستهدف تحصين مجلس النواب لمواجهة إمكانية الحل وتحصين جميع قراراته لمدة خمس سنوات، مدة الولاية القانونية للمجلس. وقد تكون هناك غاية سياسية من وراء تلك المساعى الحكومية وطى صفحة الاستحقاق الثالث والأخير، إلا أنها ليست لها حجية قانونية، حال تقديم دعاوى رسمية أمامها، تجب معها أى فتاوى ودية قدمت للحكومة. فمن جانبه، أكد المستشار محمد حامد الجمل رئيس مجلس الدولة الأسبق والفقيه الدستورى أنه من المفروض للحكم على أى شيء أن يكون فرعا من تصوره وحسب نصوص الدستور، وفقًا لقانون مجلس النواب والمحكمة الدستورية العليا، فان الرقابة على دستورية القوانين لاحقة على نفاذها، ولا يوجد استثناء من ذلك بنص الدستور، ومن ثم فحسب توصيفه القانونى لا يجوز الحظر أو الطعن بعدم دستورية أى قانون أو النص على أن الرقابة الدستورية لقانون ما تكون على أحكامه قبل نفاذ هذا القانون، وكذلك فإنه يساوى هذا الحظر دستوريا النص على عدم ترتيب آثار بعدم دستورية أى أحكام فى أى قانون بعد الحكم بالفعل بذلك. وما تسعى إليه الحكومة مساو لما فعله الرئيس المعزول محمد مرسى بإصدار قانون بتحصين قراراته، بالإضافة لمجلس الشورى من الحل، وهو ما كان سببًا فى الثورة عليه، وإزاحة الرئيس المعزول وجماعته عن الحكم. وتابع الجمل قائلا: ليس هناك سبيل لاستقرار الانتخابات، إلا أن تتم بناء على أحكام دستورية، واتساق القوانين المنظمة لهذه الانتخابات مع تلك الأحكام، لتجنب أى عوار دستوري. ورافضًا بذلك النص المقترح والمقدم من مجلس الوزراء لحماية البرلمان من الحل وبتأجيل تنفيذ أى حكم محتمل يصدر من المحكمة الدستورية العليا ببطلان قوانين الانتخابات والانتخابات التالية أى بعد انقضاء فترة السنوات الخمس المحددة لمجلس النواب، وهو ما يعد سابقة خطيرة وإجراء يشوبه البطلان والعوار الدستوري. فمثل هذه الاقتراحات تعد انتهاكا صارخا للدستور. بينما حذر المستشار أحمد الخطيب الخبير القانوني، من إمكانية الالتفاف حول الدستور وقرارات المحكمة الدستورية، أو التحايل عليها تحت أى مسمي، واصفا تلك المساعى بال « التخريب القانونى «، ووضع نص يقضى باستمرار البرلمان رغم حله، بالإضافة لتحذير آخر يوجهه الخطيب للحكومة بقوله: إن تلك الخطوة غير المسئولة تنطوى على إهدار لمشروعية البرلمان القادم، المقتضى بعدم دستورية القوانين التى انتخب على أساسها، وتظل شرعيته وما يصدره من قوانين فى مرمى نيران الاتهامات يشبهة البطلان، معربا عن أسفه على أن هذا سيضر بالاستقرار السياسى ويضعف الثقة فى مؤسسات الدولة أمام الداخل والخارج، وأن مثل ذلك النص المقترح يخضع بذاته أيضا لرقابة المحكمة الدستورية العليا، فهو ليس فوق مستوى رقابتها، وإنما لها أن تقضى بعدم دستوريته هو والقوانين التى يسعى لحمايتها وتأمينها. وثمة مخرج لهذا المأزق يطرحه أيضا الخبير القانونى حيث يرى المخرج الوحيد لصدور قانون غير معيب ويحفظ شرعية البرلمان القادم بعيدا عن شبح الحل، هو التأنى فى إصدار القانون وطرحه للحوار المجتمعى سياسيًا وقانونيًا، لتفادى مطاعن البطلان وعدم الدستورية. وبهذا لن تضار العملية السياسية، بل يصبغ عليه المُشروع حماية تشريعية وثقة سياسية. وفقًا لرؤية الخطيب، حال صدور ذلك المقترح الذى قدمته الحكومة لمجلس الدولة، فانه من الممكن الطعن على ذلك القانون عند بدء العمل فيه من قبل أى مواطن له مصلحه، إذ يتم رفع الدعوى أمام القضاء الإداري، والدفع بعدم دستورية تلك المادة وإحالة الأمر إلى المحكمة الدستورية، والتى يكون لها الحق فى إصدار حكمها بصحة أو بطلان تلك النصوص القانونية، ويكون حكمها واجب النفاذ. ويتفق الدكتور شوقى السيد الفقيه الدستورى مع ما سبق من آراء بل ويشدد تحذيره للجهة التى طرحت مثل هذا المشروع لكونها أخطأت قانونيا وسياسيا ولن تجنى سوى الإثارة والبلبلة السياسية، كما أنه لابد أن تحدد المحكمة الدستورية أولا موعد سريان الحكم، موضحا أن هناك عدم دقة لأنه لابد أن يضاف لقانون المحكمة الدستورية نص يخول المحكمة الدستورية العليا وأن تحدد موعدا لبدء سريان حكمها أو تنفيذه ببطلان المجلس، ومضيفا انه لابد من وجود شروط لكى يتحقق الهدف من هذا النص، مثل عدم إثارة الاضطراب السياسى والأمنى . وأشار السيد إلى سوابق قانونية مثل قانون الضرائب حيث حكم فيها بعدم دستورية قانون الضرائب. بينما يخالف هذا التوجه العام المستشار بهاء الدين أبو شقة سكرتير عام حزب الوفد والفقيه الدستورى بقوله: الأصل فى الحكم الصادر من المحكمة الدستورية كونه حكما كاشفا، وليس منشئا، بمعنى أن الحكم الذى يصدر بعدم دستورية نص قانونى أو قانون يعتبر هو والعدم سواء لأنه لم يوجد أصلا. فالأصل وفقا للمادة 25 لقانون المحكمة الدستورية، أن المحكمة الدستورية تأخذ بالرقابة اللاحقة وليس بالرقابة السابقة، موضحا انه ترتب على هذا المبدأ أن هناك أربعة مجالس نيابية قضى بحلها منذ عام 1984 حتى 2012، وذلك بسبب عدم دستورية النصوص التى جرى على أساسها الانتخابات، كما قضى أيضا بعد دستورية بعض المواد بقانون الانتخاب، وتقسيم الدوائر وترتب عليها وقف إجراءات العملية الانتخابية. ويضيف أبو شقة أنه بناء على ذلك فقد نادت بعض الأصوات بأن نكون أمام رقابة سابقة بالنسبة للقوانين المتعلقة بالعملية الانتخابية حتى نتلاشى حل المجلس النيابى إذا صدر حكم وقرار بعدم دستورية النصوص التى جرى على أساسها انتخابه، إلا أن هذا الرأى قوبل بشبهة عدم الدستورية، موضحا أنه تحقيقا للغاية من استمرار المجلس النيابى بعد انتخابه فقد روئى أن الحكم بعدم الدستورية لا يسرى إلا بعد انتهاء مدة المجلس المنتخب أى يسرى على المجلس الجديد، مؤكدا أن السبب فى ذلك هو سابقة للمحكمة الدستورية فى حكم سنة 1998 بالنسبة لقانون الضرائب، حيث صدر حكم وأخذت المحكمة الدستورية بالأثر الفورى للقانون بعدم انسحابه على الماضي. وتوقع أبو شقة أن يكون هذا الرأى هو الأقرب لتحقيق المواءمة بين قانون المحكمة الدستورية الذى يأخذ بالرقابة اللاحقة وبين ما هو متطلب فى أن نكون أمام مجلس نيابى مستقر غير مهدد بالحل لعيب دستورى فى نصوص قانون الانتخاب. وتابع قائلا: إن النص القانونى المقترح من قبل الحكومة هو عبارة عن تحصين لمجلس النواب من الحل، بمعنى أن يحدث المواءمة بين أمرين: الأول، الحفاظ على دور المحكمة الدستورية فى الرقابة اللاحقة دون الرقابة السابقة على القانون، والثاني، يحصن المجلس النيابى فى أن يستكمل مدته حتى لو صدر حكم بعدم دستورية نصوص قانون الانتخاب ويستمر فى انقضاء مدة الخمس السنوات، موضحا انه يسرى نص المحكمة على المجلس اللاحق، وذلك حفاظًا على استقرار مجلس النواب وعدم حله إذا ما صدر حكم بعدم دستورية نصوص الانتخاب التى جرى على أساسها.