حينما يأتى رمضان نجد بعض الصائمين يتركون أعمالهم بحجة أنهم صائمون، ويتكاسلون أو يبحثون عن مكان يختبئون فيه ليناموا بعيدا عن أعين الناس، حتى يقترب موعد الإفطار فيذهبون لبيوتهم على أنهم أنجزوا أعمالهم وأنهوا صيامهم وهكذا جعل بعض المسلمين - للأسف الشديد- شهر رمضان المعظم وقت كسل وتراخ بما يسهرونه من الليل وينامونه من النهار، ولو أنهم صاموا حق الصيام، وتحروا الوصول إلى مقاصد الصيام العظيمة لتحقق للأمة فى هذا الشهر من الكفاية الإنتاجية ما يكفيها باقى السنة، كما حدث مع المسلمين الأوائل، وأحداث التاريخ تشهد على ذلك. وقد دعا العلماء الى استثمار الوقت خلال شهر رمضان، باعتباره فرصة الى التقرب الى الله تعالى بزيادة الطاعات، وزيادة الانتاج واتقان العمل، محذرين فى الوقت نفسه من قضاء الشهر فى أمور لا طائل من ورائها، فلا يكون الصيام سبباً من أسباب التكاسل، فإن بناء الأوطان إنما يكون بالعمل وبذل المجهود، ولقد جئنا لبناء الأرض وإعمارها ومصر تحتاج إلى المزيد من العطاء والجهد ومضاعفة العمل فى هذا التوقيت. ويقول الدكتور نبيل السمالوطى استاذ علم الاجتماع بجامعة الازهر، إن بعض المسلمين يقعون خلال الشهر الكريم فى اخطاء كثيرة بحجة الصيام، من هذه الاخطاء التكاسل والخلود الى النوم والاسترخاء، والتقاعس عن اداء اعمالهم المعيشية والوظيفية، بل وصل الامر فى بعض الاحوال الى تعطيل مصالح الناس، مهما يلحق الضرر بالآخرين، وهذا كله ينافى أخلاق المسلم الصائم، فالاسلام أعلى من اهمية الوقت فى حياة الانسان، وحث على استثماره فيما ينفع به نفسه والآخرين فى الدنيا والاخرة، ويكفى الاستماع الى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الحديث «لا تزولُ قَدَمَا عبدٍ يومَ القيامةِ حتَّى يُسألَ عن أربعٍ: عَن عُمُرِه فيما أفناهُ، وعن جسدِهِ فيما أبلاهُ، وعن عِلمِهِ ماذا عَمِلَ فيهِ، وعن مالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وفيما أنفقَهُ، موضحا انه عند النظر الى معنى كلمات هذا الحديث، نجد ان جميعها مرتبط بتوظيف الوقت، فالعمر هو مجمل حياة الانسان فى هذه الحياة الدنيا والشباب مرحلة زمنية فى العمر، والعلم ايضا مرتبط بالوقت تحصيلا وتعليما، والمال يجمع عن طريق العمل الذى يشغل زمنا من الوقت. جهاد وعمل واشار الى ان المسلمين الأوائل قد فهموا أن شهر رمضان شهر جهاد وعمل وانتاج لا شهر نوم وخمول وكسل، وأنه لا تعارض بين العبادة والتهجد لله رب العالمين وبين الجهاد لتحقيق معانى الاستخلاف على هذه الأرض، ومن أبرز الانتصارات الكبرى للمسلمين فى شهر رمضان معركة بدر الكبرى وهى من أهم المعارك الإسلامية، وكان يخاطب النبى صلى الله عليه وسلم ربه» اللهم إن تهلك هذه العصابة، فلن تعبد فى الأرض» وفى رمضان فى السنة الثامنة للهجرة، كان الفتح الأعظم، فتح مكةالمكرمة، وتطهيرها من الرجس والأوثان والمشركين، وفى الثالث عشر فى عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه، كانت موقعة «البويب» على ضفاف نهر الفرات فى بلاد فارس، وارتفع فيها لواء الإسلام، بعد ما انتصر المسلمون على الفرس، وفى العصر الحديث فى رمضان السادس من أكتوبر 1973م ، هزم المصريون اليهود واستردوا شبه جزيرة سيناء، بعد أن بقيت تحت وطأة الاحتلال والاغتصاب الصهيونى بضع سنوات . الصيام والعمل وفى سياق متصل، طالب الدكتور عبدالغفار هلال الأستاذ بجامعة الأزهر، بضرورة ان نجعل من شهر رمضان فرصة لإتقان العمل لأن إتقان العمل دليل على التقوى، التى هى أسمى غايات وأهداف الصيام. وحول كيفية استثمار الوقت عامة وفى شهر رمضان على وجه الخصوص، قال: كان السلف الصالح يحرصون على زيادة أعمالهم الصالحة واستثمار أوقاتهم، واغتنام ساعات الليل والنهار، فعن ابن مسعود رضى الله عنه قال: ما ندمت على شيء ندمى على يوم غربت شمسه نقص فيه أجلى ولم يزد فيه عملى، موضحا ان شهر رمضان منحة ربانية لزيادة الأعمال الصالحة وتكفير الذنوب الماضية، ومن فقه الأولويات اغتنام شرف الزمان فى العبادة، فرمضان شهر القرآن وقد كان أمين الوحى جبريل يدارس الرسول صلى الله عليه وسلم القرآن فى رمضان كما هو ثابت فى صحيح السنة. وأشار الى انه كان من عمل الصحابة والسلف الصلح أن يزيدوا أورادهم القرآنية فى هذا الشهر، ورمضان شهر القيام فالمسلمون لا يجتمعون على القيام إلا فى هذا الشهر فليكن من أولويات الصائم الحرص على صلاة القيام رجاء حصول ثوابها، وايضا شهر الاعتكاف، مع ضرورة الحرص على الاشتغال بذكر الله طوال اليوم، وايضا كثرة المكث فى المسجد والإقلال من مخالطة الناس. السهر على الإنترنت ويقول الشيخ إبراهيم حافظ من علماء الأزهر: إن المسلمين هم الذين حولوا هذا الشهر إلى شهر كسل وتراخ بما يسهرونه من الليل أمام الإنترنت والتلفاز، وينامون نهاره، ولو أنهم صاموا حق الصيام، وتحرَّوا الوصول إلى مقاصد الصيام العظيمة لتحقق للأمة فى هذا الشهر من الكفاية الإنتاجية ما يكفيها باقى السنة، وتاريخ المسلمين الطويل شاهد على أن هذا الشهر هو شهر الإنتاج والعمل، وشهر الانتصارات الكبرى، حين تهب ريح الإيمان، ونسمات التقوى، وتتعالى صيحات الله أكبر فيتنزل النصر من الله تعالى.