كان لطرح ثمارها مذاق خاص، أثرت بنبتها الخصب مسامع الناس جميعا، وأزهرت قلوب الأمة باستنارة أبنائها، هى قرى تنتشر فى ربوع مصر، صعيدها ودلتاها، بل نادرا أن تجد محافظة إلا وبها قرية تغرد بهذه القيثارات الملائكية، وتزين جبهة الأمة وقلوبها، اليوم وبمناسبة حلول شهر القرآن نأخذكم إلى قرى ونجوع شنفت آذان المصريين، بل والعالم أجمع، بما أطربها، ورقت لها الافئدة، إنها أصوات غردت بآيات من الذكر الحكيم، مقرئون عانقت أصواتهم سحب السماء ،مجددون ورواد قادوا مدارس فقهية عظيمة سارت الدنيا على دربهم.. العدد كبير ومذهل والمساحة قليلة كى نغطى كل الأسماء والأصوات .. وتلك كانت بداية الرحلة وللحديث بقية: أنجبت محافظة الغربية العديد من حفظة القرآن الكريم، وقرائه المشهورين، الذين "ملأوا الدنيا" وشغلوا الناس بأصواتهم العذبة وتلاواتهم الفريدة، وقراءاتهم المتميزة"، وكان القرآن الكريم شغلهم الشاغل؛ فشبُّوا عليه، وشابوا، وجالسوا بالقرآن الملوك والرؤساء، واشتركوا جميعًا فى أنهم حفظوا القرآن الكريم أطفالًا فى "كتَّاب القرية"، وتخرجوا فى "المسجد والمعهد الأحمدى" بطنطا، ومن هؤلاء القرَّاء الأعلام: فضيلة الشيخ مصطفى إسماعيل (قارئ القصر الملكى)، ابن قرية "ميت غزال"، التى كانت تتبع مركز طنطا آنذاك، وتتبع مركز السنطة حاليًّا، وفضيلة الشيخ محمود خليل الحصرى، ابن قرية "شبرا النملة"، التابعة لمركز طنطا، وفضيلة الشيخ راغب مصطفى غلوش، ابن قرية "برما" التابعة لمركز طنطا، وفضيلة الشيخ محمد عبد العزيز حصان، ابن قرية "الفرستق" التابعة لمركز كفر الزيات وغيرهم كثيرون. ويحدثنا فضيلة الشيخ ماهر أبو زهرة (إمام وخطيب أوقاف الغربية، من قرية الأنبوطين بمركز السنطة) عن القارئ الشيخ مصطفى إسماعيل، وقريته، فيقول: شاءت إرادة الله أن تكون القرى الصغيرة فى ريف مصر، هى منجم "المواهب القرآنية" التى انطلقت فى سماء المدن الكبيرة، بل فى سماء عواصم الدول العظيمة، ومن هذه القرى قرية "ميت غزال"، التى وُلد بها فى 17 يونيو 1905، مصطفى محمد المرسى إبراهيم إسماعيل، لأسرة ميسورة الحال، تعمل مثل أقرانها فى زراعة الأرض، إلا أن والده وجده لأبيه أراد إرساله إلى "كُتَّاب القرية" فى سن الخامسة؛ ليحفظ القرآن الكريم، وكان لهما ما أرادا، حيث أتم "الشيخ الصغير" حفظ القرآن الكريم وهو ابن الثانية عشرة من عمره، وكان يتميز بصوت عذب، فأصبح معروفا فى قريته والقرى المجاورة، بل ذاع صيته فى محافظة الغربية، إلى أن جاء لقاؤه بفضيلة الشيخ القارئ محمد رفعت (عليهما رحمة الله تعالى) فى مدينة طنطا، عام 1922، فى أحد المآتم، فجلس ضيفًا على "دكة" الشيخ رفعت، والذى لم يكن يعرفه من قبل، فلما انتهى الشيخ رفعت من وصلته ترك مكانه لهذا القارئ الشاب ليقرأ، فانبهر الشيخ رفعت به وبقراءته، وأعجب بأدائه وصوته، فأرسل إليه يطلب منه أن يستمر فى التلاوة ولا يتوقف حتى يأذن له هو بذلك، مما زاد من ثقة الشيخ مصطفى إسماعيل بنفسه، فظل يقرأ مدة تزيد على الساعة ونصف الساعة وسط تجاوب الحاضرين وإعجابهم، إلى أن أذن له الشيخ رفعت بختم وصلته ففعل، فقبَّله وهنأه، ونصحه بأن يتلقى القراءات القرآنية على شيخ كبير من مشايخ المسجد الأحمدى.. وفى عام 1944 انطلق الشيخ مصطفى إسماعيل إلى القاهرة، بمساجدها العريقة، حيث الشهرة والمجد ينتظرانه، واستقر به المقام هناك، إلى أن استمع الملك فاروق لصوته فى الحفل === نقلته الإذاعة من مسجد الإمام الحسين، فأعجب به وأصدر أمرًا ملكيًّا بتكليفه ليكون قارئًا للقصر الملكى، وفى عام 1947 يقع الاختيار على الشيخ ليكون قارئ سورة الكهف بالجامع الأزهر، وينطلق بعدها إلى الشهرة والعالمية، ويصبح قارئ مصر الأول الذى يتهافت على سماع صوته الندى مستمعو الإذاعة المصرية ورواد المساجد الكبرى فى القاهرة. وفى عام 1965 يسافر الشيخ إلى العاصمة الفرنسية "باريس"، ليؤم المصلين هناك فى ليالى "رمضان"، ويعود بعدها ليجد وسام الجمهورية فى انتظاره، إذ منحه إياه الرئيس جمال عبد الناصر فى عيد العلم مع كل من طه حسين وفكرى أباظة ، ليصبح الشيخ مصطفى إسماعيل أول قارئ للقرآن ينال هذا التكريم ، ثم يسافر إلى ماليزيا وإندونيسيا والعراق ولندن وميونيخ وتركيا ويستقبله الرئيس التركى آنذاك "فخرى كورتورك" فى القصر الجمهورى، وأهداه مصحفا شريفا مكتوبا بماء الذهب ،وبعد أن أصبح السادات رئيسا لمصر ، اتخذ مصطفى إسماعيل قارئا خاصا له فى كل المناسبات التى تخص مؤسسة الرئاسة، وفى نوفمبر عام 1977، يصطحبه الرئيس السادات مدينة القدس ضمن وفد كبير؛ حتى يقرأ القرآن فى المسجد الأقصى، وكان قد زار "الأقصى" بصحبة الملك فاروق، عام 1947. ويضيف الشيخ ماهر أبو زهرة: ولما وجد الناس فى القرى ما بلغه شيخنا القارئ مصطفى إسماعيل من شهرة؛ بسبب حفظه وتلاوته القرآن الكريم، بصوت عذب جميل، أخذوا فى الاهتمام بتحفيظ أبنائهم القرآن الكريم، فانتشرت الكتاتيب فى قرى مركز السنطة، ومنها: ميت غزال (قرية شيخنا)، والأنبوطين، وكفر الشيخ مفتاح، وغيرها من القرى فى مركز السنطة ومحافظة الغربية، كما انتشرت المعاهد الأزهرية، وأصبح الناس يتبارون فى تعليم أبنائهم فى هذه المعاهد؛ لعل الله يخرج من بينهم مَنْ يرفع ذِكر قريته على القرى، كما فعل شيخنا الجليل مصطفى إسماعيل (عليه رحمة الله تعالى). ويقول فضيلة الشيخ محمد رضا بسطويسى، مدير عام إدارة الثقافة والإرشاد الدينى، بمديرية أوقاف الغربية، عن فضيلة القارئ الشيخ محمود خليل الحصرى، وقريته "شبرا النملة" التابعة لمركز طنطا، فيقول: وُلِدَ فضيلة الشيخ "الحصرى" يوم 17 سبتمبر عام 1917، بقرية "شبرا النملة" التى تبعد عن مدينة طنطا نحو 5 كيلومترات، وهى قرية تنتشر بها الكتاتيب والمعاهد الأزهرية، ويحرص أهلها على تحفيظ أبنائهم القرآن الكريم، منذ الصغر، خاصة فى المسجد والمعهد الدينى اللذين يحملان اسم شيخنا الجليل "محمود خليل الحصرى". ويضيف: نذر والد شيخنا ابنه لخدمة القرآن الكريم، فكان يرسله يوميًّا إلى المسجد الأحمدى بطنطا؛ ليحفظ القرآن ويتعلم التجويد على يد كبار الشيوخ هناك، حتى أتم حفظه وتجويده وهو ابن ثمانى سنوات، وفى الثانية عشرة انضم إلى المعهد الأحمدى فى طنطا، ثم تعلم القراءات العشر بعد ذلك فى الأزهر، وتفرغ لدراسة علوم القرآن لما كان لديه من صوت متميز وأداء حسن، وفى عام 1944 تقدم إلى امتحان الإذاعة وكان ترتيبه الأول على المتقدمين، وفى عام 1950 عين قارئًا للمسجد الأحمدى بطنطا، ثم عين عام 1955 قارئًا لمسجد الحسين، وكان أول من سجل المصحف الصوتى المرتل برواية حفص عن عاصم، عام 1961، وهو أول من نادى بإنشاء نقابة لقراء القرآن الكريم، ترعى مصالحهم وتضمن لهم سبل العيش الكريم، ونادى بضرورة إنشاء مكاتب لتحفيظ القرآن فى جميع المدن والقرى. ويشير الشيخ محمد رضا إلى أن فضيلة الشيخ "الحصرى" قرأ القرآن فى جميع عواصم العالم، حيث قرأ القرآن الكريم بالقصر الملكى فى لندن، وفى مقر الأممالمتحدة فى نيويورك، وقاعة الكونجرس الأمريكى. وفى عام 1960، تم ارساله إلى الهند وباكستان، وقرأ القرآن الكريم فى المؤتمر الإسلامى الأول بالهند فى حضور الرئيس جمال عبد الناصر، والرئيس الهندى "جواهر لال نهرو"، وزعيم المسلمين بالهند، كما ذهب إلى الجاليات المسلمة فى أمريكا الشمالية والجنوبية عام 1970، وسافر إلى جميع البلاد العربية والإسلامية، وكذلك روسيا والصين وسويسرا وكندا، وغيرها من بلدان العالم، وكان يستقبله هناك الملوك والرؤساء، ومنهم الرئيس الأمريكى الأسبق جيمى كارتر. وفى عام 1961 عُيِّن بالقرار الجمهورى شيخ عموم المقارئ المصرية، كما حصل عام 1967 على وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى فى عيد العلم. ويختم مدير إدارة الثقافة والإرشاد الدينى بمديرية أوقاف الغربية، بقوله: يوجد العديد من قرى محافظة الغربية التى تشتهر بحرص أهلها على تحفيظ أبنائها القرآن الكريم، وإلحاقهم بالمعاهد الأزهرية، حتى يكونوا من أهل الله وخاصته، من حفظة القرآن الكريم، ومن هذه القرى: "نواج" و"برما" بمركز طنطا، و"الدواخلية" و"صفط تراب" بمركز المحلة الكبرى، و"الشين" و"سجين" و"إبشواى الملق" بمركز قطور، و"الدلجون" و"الفرستق" بكفر الزيات، بالإضافة إلى العديد من قرى مراكز: السنطة وزفتى وبسيون وسمنود، مما يؤكد اهتمام أبناء الغربية بالقرآن الكريم، والقيام على خدمته.
يتقدمهم الصيفى والبهتيمى والباسوسى وجبريل: هنا القليوبية «موطن» مشاهير قراء الإذاعة القليوبية نور أبو سريع: كان الشيخ محمد الصيفى وهو أحد أبناء قرية البرادعة وذائع الصيت فى حفظ القرآن وتلاوته، قد سمع أن هناك فى بهتيم قارئا شابا عذب الصوت يتلو القرآن بحلاوة متفردة، فذهب إليه ليستمع ويرى حقيقة ما وصل لديه من أخبار يتناقلها الناس عن هذا الصوت القرآنى الواعد، فلما جلس واستمع الى تلاوة الشيخ كامل دون علمه فأعجب به وطلب منه أن ينزل ضيفا عليه فى القاهرة فاصطحبه ونزل ضيفا عليه فى بيته بحى العباسية فمهد له الطريق ليلتقى بجمهور القاهرة وجعل بطانة له فى المحافل الدينية وقدمه للناس على أنه اكتشافه وبعد فترة وجيزة بدأ جمهور القاهرة يتعرف عليه فأصبح يدعى بمفرده لإحياء الحفلات ، وظل الشيخ محمد الصيفى يشجعه ممازاد من ثقته حتى ذاع صيته فى أحياء وضواحى القاهرة, وأصبح قارئا له مدرسة وأسلوب فى الأداء ثم استقل بحياته بعد أن أنشأ بيتا بشارع نجيب بحى العباسية شاكرا للشيخ الصيفى حسن ضيافته حتى استطاع أن يثبت جدارته وأهليته لقراءة القرآن وسط كوكبة من مشاهير القراء بالقاهرة. والمفارقة والتى لا يعلمها كثيرون أن الشيخ كامل يوسف لم يلتحق بأى معهد من معاهد القرآن الكريم أو تعليم القراءات بل لم يدخل أى مدرسة لتعليم العلوم العادية ولكن بالممارسة والخبرة والاستماع الجيد الى القراء مثل المشايخ محمد رفعت ومحمد سلامة والصيفى وعلى حزين تعلم احكام التلاوة ليلتحق بالاذاعة عام 1953 م، وكان الشيخ كامل البهتيمى محبوبا من كل أعضاء مجلس قيادة الثورة وكان الرئيس عبد الناصر, يحبه حبا شديدا ويطلبه لرئاسة الجمهورية لإحياء معظم الحفلات التى تقام بمقر الرئاسة. ولم يكن الصيفى ومن بعده البهتيمى هما فقط اللذان أشتهرت بهما محافظة القليوبية كونها واحدة من المحافظات القليلة التى صدرت «قيثارة سماوية» تلو الأخرى من قيثارتها إلى إذاعة القرآن الكريم ليستمع إليها المصريون فى كل نواحى البلاد والمسلمون من كل أرجاء الدنيا، فهناك أيضاً عبد العظيم زاهر ابن قرية مجول، من قرّاء القرآن المصريين، حفظ القران الكريم مبكرا وعمره لم يتجاوز الثامنة، واختير قارئا بمسجد محمد على قبل الثورة، وانتقل بعدها لمسجد صلاح الدين ،تم منحه وسام الجمهورية من الطبقة الأولى فى مصر فى احتفال ليلة القدر سنة 1991 بعد وفاته والتى كانت فى يناير 1971، وهناك سلامة والباسوسى وناصف والشبراوى وغيرهم جعلوا من القليوبية محطة لاكتشاف أصوات من السماء. ويأتى الشيخ محمد محمد السيد حسنين جبريل الذى ولد فى قرية طحوريا فى مركز شبين القناطر (محافظة القليوبية) وتمكن من حفظ القرآن كاملا وعمره لا يتجاوز تسع سنوات، وفاز بعدة مسابقات فى تجويد الذكر الحكيم داخل و خارج مصر خلال مرات عدة.