هل علينا شهر الخيرات بأنواره وروحانياته التى ترتقى بالنفوس وتتجمل بالأفعال ، فتتسارع الأيدى لتقديم التبرعات من الزكاة والصدقات ،وفى ذلك فليتنافس المتنافسون،صدق قول الله عز وجل ،والخير فى وفى أمتى إلى يوم الدين كما قال رسولنا الكريم. ولقد امرنا ديننا الحنيف ان نكفل الايتام ونتكفل بالفقراء والمساكين ،ونبحث ونتحرى فى تقديم المعونة لمن يستحقها حتى تحقق الهدف منها ،وتتعالى فى شهر رمضان المبارك المناشدات لتقديم المساعدات لجهات بعينها وفى السنوات الاخيرة اتجهت هذه النداءات إلى تقديم التبرعات لفقراء الصعيد باعتبارهم من أولى المستحقين ،وبدورنا نضم صوتنا لهذه النداءات مطالبين بضرورة مساعدة غير القادرين من اهالى الصعيد،ولكن هناك سؤالا يطرح نفسه يجب مراعاته قبل تقديم التبرعات، وهو كيفية توجيه تبرعاتنا لتلبية احتياجات فقراء الصعيد ؟وماهو السبيل لتنمية الفرد والنهوض بالمجتمع المحيط به من خلال المساعدات المقدمة؟ يقول د. هشام هلال رئيس مجلس إدارة جمعية فدا إن مفهوم التنمية تغير كثيرا عن ذى قبل فبعد أن كان يأخذ بمبدأ المساعدة بتقديم المساعدات العينية والمادية للمجتمعات الفقيرة ،بدأ منذ عدة سنوات الاتجاه نحو مبدأ المساندة والتمكين بمعنى ان نساند المجتمعات الفقيرة بتقديم الدعم الفنى مثل اعداد التدريبات اللازمة على الحرف والصناعات البسيطة التى من خلالها يساعد المستحق نفسه واسرته من خلال تحوله إلى فرد منتج قادر على الكسب ،و بالنسبة للمجتمع فقد رأى خبراء التنمية ان المجتمعات فى حاجة ماسة إلى تطوير وانه لابد ان تهتم الدول ومؤسساتها بالحرف والصناعات البسيطة التى تمكن من النهوض بالمجتمعات الفقيرة ، وتجعلها عضوا فعالا فى خطط التنمية، ومن ناحية اخرى توفيروايجاد فرص عمل حقيقية تساهم فى القضاء على البطالة التى تعد آفة ومن ابرز مشاكل المجتمع و تظهر بوضوح فى محافظات الصعيد خاصة بين الشباب ،لذلك فأن حل مشاكل الفقر يتركز فى انشاء مجتمعات انتاجية تركز على المشروعات الصناعية الصغيرة والمتناهية الصغر مثل ما تم تطبيقه فى الدول الآسيوية وخاصة الهند . والمرأة فى الصعيد يقع على عاتقها عبء كبير فهى المسئولة عن تدبير احتياجات أسرتها من خلال الدخل المتدنى والذى لايتعدى الجنيهات المعدودة ،ولذلك لم يغفل المجتمع المدنى اهمية دورها فتقول امال عبيد المدير التنفيذى لجمعية المرأة الريفية والحضرية بقنا - ان الجمعية تعمل على رفع المستوى المعيشى للمرأة الفقيرة عامة والمرأة المعيلة خاصة، وذلك عن طريق منحهم قروضا صغيرة يبدءن بها مشروعاتهن الصغيرةوالتى يقمن بها فى المنازل ،بالاضافة الى تدريبهن على عمل دراسات جدوى لمشروعاتهن وطرق تسويق منتجاتهن حتى لاتتعرض المرأة لمخاطر السوق، وكما تسعى الى تمكينها اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا حتى يكون لها دور فاعل فى المجتمع وتنميته ،أى ان مساعدة المرأة الحقيقية فى توفير فرص عمل لها تتيح لها دخلا مناسبا يساعدها على مواجهة متطلبات الحياة . ومن ناحية أخرى يؤكد ياسر فهيم أمين عام جمعية الشبان المسلمين بقنا أن تقديم المساعدات العينية والمادية بشكل دورى للاسر الفقيرة لا يعنى التخلى عنها بدعمها الاجتماعى والاقتصادى الذى يمكنها من الاعتماد على نفسها ومشاركتها المشاركة الفاعلة فى تنمية مجتمعها، مشيرا الى ان الجمعية تتبنى اكثر من 120 اسرة فقيرة فى نطاقها و تتكفلها صحيا واقتصاديا واجتماعيا الا انها لا تنسى دورها التنموى فهى تقدم المساندة لابناء الاسر الفقيره بتوفير فرص عمل حقيقية تستطيع بعدها الاستغناء عن مساعدات الجمعية مضيفا ان هذه الاسر لديها الرغبة الحقيقية والصادقة فى التخلص من قبول هذه المساعدات العينية والمادية الشهرية بدفع ابنائها للعمل ،لذلك فان المساعدات يجب ان تستمر بشكل متواز مع اقامة المشروعات الصغيرة الى الوقت الذى تستطيع فيه هذه الاسر تحمل مسئوليتها بل وتكون قادرة على مساعدة الاخرين كما تم معها من قبل. ويشير ياسر احمد سليمان رئيس مجلس ادارة جمعية عيون الرحمة - إلى أن الجمعية تقدم مساعدات عينية ومالية لاسر الفقراء الا انها تتطلع الى ايجاد فرص عمل لابنائها للاعتماد عليهم فى الانفاق على اسرهم بجانب دراستهم فى المدرسة او الجامعة ويرى سليمان ان المساعدات العينية والمادية لم تعد ذات جدوى، فالافضل هو تقديم مشروعات صغيرة او تعليم حرفة لتنهض الاسر الفقيرة بحالها. الصدقات ليست شنطة رمضان ويؤكد أحمد محمد – أحد المتطوعين- أن الأعمال الخيرية تتزايد فى شهر رمضان المعظم فكلما أقبل علينا تبادر إلى اذهان كل منا المبادرة والمسارعة الى فعل الخيرات ،ولقد تم اختزال تلك الافعال فى عمل ما يسمى بشنطة رمضان أو"كولديرمياه" فى احد المساجد أو الأماكن العامة كنوع من أنواع الصدقة الجارية،ويقول من خلال جولتنا بقرى الصعيد تعرفناعلى احوال الاسر الفقيرة، فوجدنا ان هذه الفئة المحرومة تعيش على أدنى مقومات الحياة وتتمنى أن تكون كل شهور السنة رمضان حتى يتذكرهم الناس ويتصدقوا عليهم وينفقوا عليهم من اموال الزكاة ،واحلام هذه الفئات تتراوح مابين مسكن يؤويهم أو سقف منزل أو بوتاجاز أو سرير أو مياه شرب نقية أو صرف صحى او دخل ثابت يفى بمتطلباتهم الاساسية للمعيشة ،وهذه الاحتياجات تعتبربالنسبة لهذه الاسرغاية عظمى يتمنى كل منهم ادراكها،وعلى الرغم من حرمانهم منها إلا انهم راضون بقضاء الله،وفى حين ان اغلبنا يعيش حياة رغدة وقد لايستطيع الاستغناء عن مكيف الهواء حتى فى السيارة فما هو شعورك ايها المتبرع الرمضانى بأخيك الفقير الذى يقتات الفتات ويعانى من قسوة العيش. فلا يجب ان يقتصر دورنا على اطعام الفقراء ولكن علينا ان نساعدهم فى محاولة الوصول الى درجة من درجات الحياة الكريمة وتحويلهم من أسر مستهلكة إلى اسر منتجة بنفس مبالغ الإنفاق،وعلينا ان نقدم الصدقات النقدية والعينية المتمثلة فى شنطة الأغذية أو ما يشابهها طوال العام وعلى نطاق آخر فإننا نطالب القائمين على الاعمال الخيرية بدعم اعمال البنية الاساسية لقرى الفقراء بنحو 70% من حجم أعمالهم لإحداث تنمية متكاملة للفرد وللمجتمع المحيط به. الفقر فى الصعيد مختلف وتقول زينب رمضان – رئيس الجمعية الرضوانية الخيرية والتى تمارس نشاطها الاجتماعى منذ عام 2002 - انها تقدم خدماتهامن خلال الجهود الذاتية، ومن خلال التعامل مع الاسر الفقيرة ولقد لمست ان الفقر فى قرى الصعيد يختلف عن الفقر فى القاهرة الكبرى ،فالحياة تصل الى حد الكفاف والمساكن لاتتعدى كونها عششا من طين لبن لايوجد بها قطع اثاث وان وجد فهى حصيرة أوسرير من جريد والمشكلة ان حجم المساعدات والتبرعات التى يتم جمعها من اهالى الصعيد لاتقارن بتبرعات اهالى القاهرة فهى قليلة ولاتغطى 50%من حجم احتياجات الفقراء ،كما ان بعض الجمعيات الاهلية التى تجمع التبرعات تحت شعار مساعدة فقراء الصعيد خاصة فى شهر رمضان لاتقوم بإيصال هذه المساعدات الى مستحقيها الحقيقيين لان هذه الجمعيات ليس لها دراية بطبيعة الحياة فى الصعيد او احتياجاتهم ،والى جانب الفقر تعانى اغلب هذه الفئات من المرض وعدم القدرة على تحمل اعبائه ولقد زادت فى السنوات الاخيرة اعداد المصابين بالامراض المزمنة مثل الفشل الكلوى نتيجة تلوث مياه الشرب وعدم توفرالصرف الصحى،وامراض الكبد (فيروسc ) وأمراض القلب ،ولذلك فإن قرى الصعيد تحتاج إلى إعادة النظر فى حجم ونوعية الخدمات التى يحتاجها الفرد والمكان حتى نحقق التنمية المنشودة ،فيجب ان تتضافر جهود الحكومة مع مشاركة المجتمع المدنى ومساعدات المتبرعين فى الاهتمام بالارتقاءو تنمية المجتمعات المحلية والتركيز على التوعية الدينية والثقافية والعلمية رفع مستوى الأهالى اجتماعيا واقتصاديا ومساعدة غير القادرين خاصة المراة المعيلة وكفالة الايتام،كما يجب التوسع فى انشاء المراكز الصحية وتقديم خدمات طبية متميزة بأسعار رمزية.