قالها الرئيس السيسي مداعبا لرئيس وزرائه ابراهيم محلب: إنت قولت لى إنك هتبقى زي البلدوزر.. فين البلدوزر ده»،..و«البلدوزر» هو الاسم الذى أطلقه المهندس محلب على نفسه لأن مهمته أن ينحت فى الصخر ليوسع الطريق لعبور مصر من النفق المظلم، وتحطيم وتكسير صخور الروتين والإهمال والمحسوبية فى أجواء معركته ضد الإرهاب، وفى بعض المواجهات ظهر البلدوزر ضعيفا وبأسلحة من ورق، لأنه ببساطة يواجه ثقافة عميقة نشارك فيها جميعا عشش فيها الجمود والكسل وماتت فيها قيمة العمل، ورغم آليات تحطيم الصخور التى يجيدها البلدوزر فإن مردود سياسته ظل أقل من المأمول ومن حجم الجهد الذي يبذله، وهو الرجل الذى اختاره الرئيس لتمهيد الطريق لكفاءته العالية فى أصعب المهام وأحلك الظروف. والسؤال: هل هناك صخور فى طريقه أصلب مما نتوقع أم أن الأحداث أثبتت أن الغاطس من بعض صخور الفساد أخطر من الظاهر، وأن إزاحتها يحتاج الى خبث وذكاء "تخطيط" وتنظير أكثر من حاجتها الى قوة وعافية ؟ ورغم إشفاقى على المهندس محلب وثقتى بأنه برىء من الصدأ الذى طال ثقافتنا العميقة، وأنه يستمد سلامته من حرصه على أن يكون وسط المواطنين لحظة انفجار أى مشكلة، وأن فلسفته كما قال لى: تعويض فارق الإمكانات بالمتابعة والمجهود، لكن لى ثلاث ملاحظات أتمنى لو حققها البلدوزر حتى يواصل فتح صخور الطريق كما وعد الرئيس منذ بداية تكليفه : عدم اليأس من أسلوب الاقتحام المباشر للمشكلة.. مهما كانت محاولات العرقلة، وقد أثبتت الزيارة المفاجئة التى قام بها الى معهد تيودور بلهارس واكتشافه سوء أحوال الموظفين، والفوضى العلاجية والإدارية التى يعانى منها هذا الصرح العملاق، ووجد الممرضة مثل الملايين غيرها التى تركت عملها ل«تأكل عيش» إضافى من بيع بضاعة على البوابة، ولكن يجب ألا تنته المسألة عند استقالة مديرة المعهد ولابد أن تكون فرصة لتطوير المنظومة البحثية فى مجال مكافحة أمراض الكبد المزمنة، ومراجعة جميع الخدمات الطبية والعلاجية والكارثة الصحية التى تقدم للمواطنين فى المستشفيات الحكومية.. أما زيارته لمعهد القلب القومى بامبابة، فلم تكشف الإهمال قدر كشفها عن نقص الامكانات والميزانية الهزيلة فى مواجهة حجم المأساة التى أصابت قلوب المصريين، لدرجة أن إدارة هذا الصرح القومى لاتستطيع عمل اعلانات بوسائل الاعلام لطلب التبرعات من الجمعيات الاهلية والمؤسسات الخيرية، فمشكلة معهد القلب أنه يستقبل 300 ألف مريض سنويا، ونحو الف مريض يوميا بالعيادات الخارجية التي لاتتسع حتي لربع هذا العدد.. منهم 200 مريض يدخلون لغرفة العمليات مباشرة والباقون يتلقون العلاج، ويحتاج معظم المرضي الي قساطر ودعامات، وهي غالبا غير متوافرة ودائما هناك قوائم انتظار تصل الي أشهر عديدة، كما يعانى المعهد نقص التبرعات و تكدس أهالى المرضى، واضطرارهم للمبيت فى الشارع بعد رحلة طويلة من المعاناة فى مستشفيات الأقاليم واستغلال ونهب العيادات الخاصة، وإذا كان رئيس الوزراء قد هاله سوء الخدمة الطبية رغم العمليات "الاستشهادية" التى تقوم بها إدارة المعهد بإمكاناتهم المتواضعة لرعاية المرضى والأهالى، فلابد أن يعتبر هذا مؤشرا للأداء الطبى الكارثى فى المستشفيات الريفية البعيدة عن القاهرة. أما الرجاء الثانى هو أن ينقل المهندس محلب عدوى المواجهة المباشرة مع المشكلة والإحساس بقيمة العمل وقبول الحقائق من الإعلام المخلص إلى مرؤوسيه فى الجهاز التنفيذى، وعدم اكتفائهم بالعلاج السماعى، وإعطاء رئيس الوزراء الفرصة لالتقاط الأنفاس بمكتبه لوضع الاستراتيجيات وتأملها، ومن يقارن بين خريطة المسار الجديد لطريق «شبرا بنها الحر» المقترح وبين الخريطة القديمة التى كان فيها الطريق مستقيما كالسيف والتى وضعت عام 2009 ، يكتشف أن الخرائط الجديدة تجسد الفخ الذى وقع فيه وزير النقل، الذى أدى استماعه الى تقارير المعاونين الى وجود ثلاث خرائط، يلتف فيها الطريق بطريقة ثعبانية حول أراضى أصحاب النفوذ والحظوة، والنتيجة انتصار منطق المصالح والمجاملات على حساب المصلحة العامة مما كلف الدولة نحو مليار جنيه زيادة بسبب الالتفافات الجديدة التى أضافت نحو 100 فدان يستحق أصحابها تعويضات وانشاءات، وبات أسرع الحلول المطلوبة الآن أن يعهد برفع المساحات وتنفيذ الطريق الى الهيئة الهندسية للقوات المسلحة،لأنها القادرة على التنفيذ بأقل تكلفة بدون التفافات حول صخور المحسوبية وخلال الأشهر الستة التى طلبها الرئيس.. وهنا يأتى الرجاء الثالث بضرورة القضاء على ظاهرة "الالتفاف" حول المشكلات المزمنة بحلول «فهلوية»، وهو ما فسره الدكتور مصطفى حجازى المستشار السياسى للرئيس السابق عدلى منصور بالاعتماد فى حل المشكلة على من هم سببها أو المستفيدين من استمرارها، سواء كان مديرا لمصلحة أو لمصنع أو عامل، وقد تعاملنا بهذا المنطق من قبل ثورة يونيو ومازلنا نعانى نتائجه، حتى صار الالتفاف والتحايل أسلوب حياة، ففي التعليم تحايلنا على حل مشكلة شرط المجموع الأعلى لدخول كليات القمة بالتوسع في «سناتر التحفيظ» الخاصة، ونرفض دفع جنيهات زيادة فى مصاريف التعليم المجانى وندفع الآلاف شهريا للصوص الدروس الخصوصية، وفى الصحة تنازلت الدولة عن حل مشكلة زيادة عدد المرضى وتدهور أحوال المستشفيات العامة وإهمال حق الطبيب فى بدل عدوى يساوى البدل الذى يتقاضاه القاضى، فتاهت كرامة المواطن بين علاج المساجد والكنائس والمستوصفات وجشع العلاج الاستثمارى.. ومازالت تنتشر فى كل مفاصل الدولة جماعات ثعبانية على شاكلة طريق شبرا بنها الجديد تتكسب من الالتفاف والتحايل بالحلول الفهلوية البديلة وتثير اليأس والعواصف فى وجه «البلدوزر» لحرصها الشديد على عدم الاقتراب من جوهر أى مشكلة! لمزيد من مقالات أنور عبد اللطيف