علي هامش مشاركته في الندوة التي أقامتها منظمة «سانت ايجيديو» الكاثوليكية ، في مدينة فلورنسا بإيطاليا، الأيام الماضية ، والتي دارت حول موضوع «الشرق والغرب... حوار وحضارة»، تحدث فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، عن الغرب غير الجاد في مواجهة تنظيم «داعش».. إلي أى حد ومدى تتفق رؤية الرجل الطيب بالفعل، مع واقع الحال علي الأرض، كما يتبدي من شهادات المؤرخين وتسريبات الاستخباريين؟ . الشاهد أنه لا يمكن أبداً فهم المشروع الداعشي وآليات عمله، وتوجهاته المستقبلية دون فهم واضح لما وراء نشوء وارتقاء هذا المشروع الجهنمي الكبير، والذي يعدو ولا شك أداة فاعلة وناجزة في تقسيم المنطقة العربية، بعد أن فشلت ظاهرة الربيع العربي في القيام بذلك الدور. في أواخر شهر فبراير الماضي تحدث الكاتب والمؤرخ الأمريكي «ويبستر تاربلى» قائلاً إن الولاياتالمتحدةالأمريكية لو شاءت لقطعت عن تنظيم «داعش» الإرهابي كل وسائل الاتصال علي الشبكة العنكبوتية غير أن الرجل صاحب المؤلف الشهير عن «الحادي عشر من سبتمبر» يري أن داعش ليس سوي تعبير عن «الإرهاب المصنع» في الولاياتالمتحدةالأمريكية، ويؤكد أن مدينة درنة الليبية تعد اليوم المصنع الذي يفرخ المقاتلين الجدد لداعش. لم يكن حديث «تاربلى» مجرد أوهام، ذلك أن هناك من الوثائق الجديدة التي ظهرت الأيام الماضية ما يؤكد قوله، فقد حصلت هيئة «جادجيكال ووتش» الرقابية الحكومية في واشنطن علي وثائق جديدة تابعة لوزارتي الدفاع والخارجية الأمريكيتين، تثبت ميلاد داعش علي يد الرئيس الأمريكي باراك أوباما والذي أصدر أوامر مباشرة بتأسيس التنظيم وتدريبه لإسقاط الرئيس السوري بشار الأسد. الوثائق تبين كيف أن أفراد التنظيم تلقوا تدريبات محترفة علي يد اعضاء تابعين لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية CIA بمواقع سرية بالأردن، وتضم الوثائق أول دليل رسمى علي علم الإدارة الأمريكية بشحنات الاسلحة المرسلة للمتطرفين عبر بنى غازي الليبية بينهم داعش وجبهة النصرة وغيرهما من التنظيمات المتطرفة منذ عام 2012 عبر ميناءى بانياس وبرج الإسلام السوريين. هل وجدت داعش لتمثل الذراع الإمبريالية الأمريكية الجديدة لتقسيم المنطقة العربية؟ بدا واضحاً أن فكرة الربيع العربي قد فشلت في إحداث المخطط الأكبر المتمثل في إعادة تقسيم المنطقة العربية للمرة الثانية، بعد سايكس بيكو الأولي، وعليه فقد جاءت داعش لتخدم هذا المخطط على ذلك النحو الذى نراه. لم تكن داعش هي التجربة الأولي لواشنطن في تحالفاتها السوداء مع جماعات الإسلام السياسى، والجماعات ذات الصبغة الإسلامية المقاتلة من أجل تحقيق استراتيجياتها التي تخدم فكرة هيمنتها الإمبراطورية، حول الكرة الأرضية. ففي أوائل الثمانينيات من القرن المنصرم رسم مستشار الأمن القومي الأمريكي وقتها «زيجينو بريجنسكي» ملامح مشروع الافغان العرب ودعم جماعات طالبان من أجل مواجهة الاتحاد السوفيتي في أفغانستان. واليوم نري من جديد تكراراً للسيناريو ذاته، الذي يسعي إلي تفكيك الشرق الأوسط عدا اسرائيل وتركيا وتحويله إلي كانتونات طائفية متناحرة، من خلال اللعب علي أوتار الحركات الأصولية الإسلامية المسلحة مثل تنظيم القاعدة، وداعش، وجبهة النصرة، وأنصار الشريعة، والحوثيين، وذلك أن ما يجمع بين كل هذه الحركات والأحزاب السياسية الإسلامية هو الوصول أو محاولة الوصول إلي السلطة باستعمال الدين، أي «الإسلام السياسي»، وذلك ما يتطابق مع الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة، وإعادة رسم خارطتها الجيو سياسية. غير أن واشنطن دائماً وأبداً تكرر أخطاءها التاريخية، تحضر الجني وتفتح له القمقم، لكنها تعجز لاحقاً عن صرفه، وخير دليل علي ذلك أحداث سبتمبر 2001. هل صنعت أمريكا من جديد وحشاً طائفياً غير مسبوق، سيقود ولاشك العالم برمته إلي الدخول في مرحلة من مراحل الصراعات التي شبهها البعض بالحرب العالمية الثالثة المجزأة علي أسس ومنطلقات دينية هذه المرة؟ الثابت أن الإدارة الأمريكية لا تتبني منهج الدخول بقوات برية في العراق، ولديها احباط تجاه الفساد المستشري داخل الحكومة العراقية، وليس لديها نهج بديل واضح.يؤكد هذا الحديث أن البنتاجون ليس لديه حتي الآن استراتيجيات بديلة لمكافحة داعش. بل إن التحالف الذي تقوده الولاياتالمتحدة لم يرفع من عدد غاراته الجوية في الآونة الأخيرة حتي بعد أن أعلنت داعش هيمنتها علي مدينة الرمادى.في هذا الإطار تعمل داعش بنجاح ودون أى عوائق في بناء سواتر وحوائط دفاعية ضد أي هجمات أو غارات محتملة من قوات الأمن العراقية في ظل عدم وجود تغيير في الغارات الجوية وتراجع القوات البرية. في الأسبوع الأخير من شهر مايو الماضي أقام معهد الأبحاث القومي الإسرائيلي مؤتمرا لمناقشة ظاهرة داعش.. ما هي الخلاصة ؟ «داعش لا تشكل خطراً كبيراً علي الدولة العبرية»... هل تعكس هذه النتيجة قراءة ما تفيد بأن من يعطى الأوامر لداعش يأمرها بتجنب اسرائيل؟ . لمزيد من مقالات إميل أمين