مشاهد متكررة كلها إذلال، لكنها ليست جديدة علينا، هذه المشاهد تتلخص في كلمتين" المتهم الحافي" .. حيث يُطلب من بعض المتهمين عند دخولهم علي بعض ضابط الشرطة أن يخلعوا أحذيتهم.. هذه المشاهد ليست من فيلم "حين مسيرة "، لكنها موجودة في بعض أقسام الشرطة ويمارسه بعض الضباط غير الأسوياء بهدف إذلال بعض المهتمين خاصة المسجلين، فالشاب، أو الفتاة، بمجرد وقوفه علي باب الضابط المسئول في قسم الشرطة يخلع حذاءه للدخول إلي هذا الضابط. ولكن هذا كله يتنافي مع ما حثت عليه الأديان السماوية والمواثيق الدولية وحقوق الإنسان التي حافظت علي آدمية البشر ..فآدمية الإنسان شيء، وعقابه شيء آخر. ويبقي سؤال ما هو وجه الاستفادة إذا دخل المتهم، سواء كان بريئا أو مذنبا، حافيا أمام بعض الضباط ، وما علاقته بالجرم الذي ارتكبه؟ فالمكان الوحيد الذي يدخله الإنسان حافي القدمين هو المسجد عندما يقف بين يدي ربه ليؤدي فريضة الصلاة. ويعلق علي ذلك المستشار خالد الشباسي رئيس محكمة جنايات الجيزة قائلا: إن آدمية الإنسان شيء، وعقابه شيء آخر، فليس هناك مبرر أن تنتهك آدمية إنسان تحت أي مبرر تجرد من إنسانيته أو حقوق اللاصقة أو كرامته التي كفلها له الدستور والقانون، والتي نصت عليها أيضا المواثيق الدولية، بالإضافة إلي أن الأديان السماوية حثت علي آدمية الإنسان ، وما يحدث من تجاوزات داخل بعض أقسام الشرطة من دخول بعض المتهمين وهم خالعين أحذيتهم علي بعض الضبابط ، إنما هي تصرفات فردية من أشخاص غير أسوياء ، وهي تجاوزات يعاقب عليها القانون، وهو ما حدث في حكم محكمة جنايات الجيزة، التي قضب بمعاقبة أمين شرطة بالحبس لهتكه عرض فتاة معاقة ذهنيا كانت محبوسة في قسم الشرطة الذي يعمل به، كما أن الحكم ألزم وزارة الداخلية بضروة مراجعة العمل الإداري داخل أقسام البوليس وتلاشي السلبيات ومايؤدي إليها. وتساءل ما هو وجه الاستفادة إذا دخل المتهم، سواء كان بريءا أو مذنبا، حافيا أمام بعض الضباط ، وما علاقته بالجرم الذي ارتكبه؟ فالدستور والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان الموقعة عليها مصر جميعها تنص علي المعاملة الآدمية واللائقة للإنسان مهما كان الجرم الذي ارتكبه. فعندما يمثل متهم أمام المحكمة فتراعي إنسانيته، و تأمر بنزع القيود الحديدية من يده وتتركه يتكلم ودفاعه بحرية تامة. وإذا كان له شكوي من شيء معين تنظر فيها المحكمة. ويقترح المستشار الشباسي تعميم المراقبة الإلكترونية بالكاميرات داخل جميع أقسام الشرطة، علي أن يتم ربطها مركزيا بمكتب مدير الأمن والنيابة التابع لها هذه الأقسام ، وهذا سيكون ضامنا لمنع التجاوزات داخل الأقسام، وفي الوقت ذاته يحمي رجال الشرطة من بعض المتهمين الذين يحاولون إلقاء تهم علي رجال الشرطة دون وجه حق، مثلما حدث مع واقعة سيدة المطار الشهيرة، فلولا الكاميرات ما صدق أحد واقعة التعدي علي الضابط . أما ناصر أمين مدير مكتب الشكاوي بالمجلس القومي لحقوق الإنسان فيقول: إن هذه التصرفات من جانب بعض الأشخاص غير الأسوياء غير مقبولة وغير قانونية، كما أنه بمثابة انتهاك لكرامة المواطن المصري والمساس بإنسانية وآدميته، ولابد من إيقافة فورا، وعلي وزارة الداخلية محاسبة الضباط الذين يرتكبون مثل هذه الأفعال غير المقبولة شكلا ومضمونا، خاصة أن هناك بعض رجال الشرطة يشرعون قانون لأنفسهم مبنيا علي مثل هذه التصرفات الفردية، لكن ليس هناك ما يسمي بقانوننا وقانونهم، فهناك قانون واحد يطبق علي جميع المواطنين، وعلي الجميع احترامه. بينما يقول الدكتور وائل أبو هندي، أستاذ الطب النفسي بجامعة الزقازيق إن ما يحدث من قبل بعض عناصر الشرطة من دخول بعض المتهمين حافيي القدمين الغرض منه إجبار المتهمين علي احترامهم، بالإضافة إلي تعمد إهانتهم وإذلالهم، وهذا أمر غريب لأنه غير قانوني، لكن رغم رفضنا لمثل التصرفات لكنها كانت تحدث قديما في المناطق الريفية، التي كانت تجبر فيها المرأة علي خلع حذائها قبل أن تمر علي مجموعة من الرجال، وذلك لكي تمر من أمامهم حافية القدمين كنوع من الاحترام لهم، حيث كان ينظر لها نظرة دونية . أما الدكتور عاصم الدسوقي أستاذ التاريخ الحديث بآداب حلوان، وعميدها الأسبق فيقول: إن كل تلك الأفعال والتجاوزات التي ترتكب من قبل عناصر الشرطة سائدة علي مر العصور، وليست في مصر، بل إنها سائدة في كل بلاد العالم، ومن بينها الدول المتقدمة، وأبرز مثال ما نراه من صور وأحداث، من خلال وسائل الإعلام عن كيفية تعامل الشرطة الأمريكية بقوة وعنف تجاه المحتجين والمتظاهرين. فأينما توجد الخصومة أو العداوة فلا نتحدث عن الأخلاق. وليست كل تجاوزات الشرطة "فعل" بل إنها في كثير من الأحيان تكون بمثابة "رد فعل". فإذا كان المتهم تعرض للضرب أو الإهانة فلابد وأنه ارتكب ما استدعي ذلك، ولا شك أن هذا ضد الآدمية، ولكن الأمر مثله مثل الأب الذي يضرب ابنه ليربيه، أو ضرب الأطفال في المدارس، كلها تصرفات غير آدمية ولكن قد يتم اللجوء لها لتعليم الطلاب.