عاد إلى مكتبه الكبير ليلا حتى يطمئن عليها ، هاتفه ساعى المكتب أن اللصوص اقتحموا مكتبه وسرقوا اللاب توب وجهاز التليفزيون وبعض الأغراض الأخرى ، دخل مهرولا لغرفته وتجاهل نداء الساعى يا سيادة المستشار مش هانبلغ القسم ، كأنه لا يرى ولا يسمع جلس على كرسيه المفضل وفتح أدراج مكتبه كان يبحث بلهفة ، ظن الساعى أنه يبحث عن ملف من ملفات العملاء حاول أن يطمئنه ، يا سيادة المستشار الملفات كلها موجودة ، نظر إليه بغضب ، فهم الساعى نظرته وخرج تاركا المستشار الكبير يبحث فى أوراقه عنها ، فجاءة هدأت رعشة يديه وأستقرت عيونه الحائرة وجدها تلك الورقة الصفراء المستقرة فى درج مكتبه منذ سنوات ، فتحها برفق وكأنه يخشى أن يكون اللصوص قد كشفوا ستره وقرأوا كلماتها له ، وجدها مثلما تركها بخطوطها المنتظمة وكلامها المرسل وحروفها التى جار عليها الزمن فأختفى البعض منها ولكنه يحفظها ، وإذا بالمستشار الكبير الذى تهتز له قاعات المحاكم يبكى وهو يقرأ كلماتها الرقيقة كان يقولها بصوت مسموع ، حبيبى قد نكون كلا منا فى طريق وأنت تقرأ هذه الرسالة فأنا أبنة حاجب المحكمة وأنت القاضى ، رغم أننا كنا زملاء دراسة لكن الفروق لم تذب ، أعلم أنك مستعد لمواجهة الجميع ولكننى لا أرضى لك الإهانة ولا أقبل أ ينظر لك الناس باستخفاف لأنك تزوجت بنت حاجب المحكمة الفقير ، حبيبى أنت من قررت الحرب وأنا من قررت الأنسحاب لن ترانى بعد اليوم سوف أرحل حيث مكانى الذى أستحقه هناك فى بلدنا بالريف لأتزوج من فقير مثلى ، ولكن لا تنسى أننا عندما حفظنا معا أهداف ثورة يوليو لم يكن من بينها أننا غرباء فى هذا الوطن وأن الحب يجب أن يكون من طبقتنا الفقير للفقيرة والغنى للغنية ، كانت لها أهدافا أخرى صدقناها وعشنا نتغنى ولكن الواقع شيئ أخر ، سلام يا أول وأخر من أحببت ،أنتهت الرسالة وتنفس هو هواء مختلفا وكأنه نسمات باردة جاءته من عندها ، مرت سنوات طويلة ومازالت ورقة الحب والوداع هى السلوى ، ليتها تعرف الآن أنه لا ينام قبل أن يقرأها ، وليتها تعرف أنه لم يتزوج ومازال حافظا عهدها ، وليتها تعرف أنه قرر أن يكون قاضيا عادلا رغم أن الأيام ظلمته ، وأنه بحث كثيرا عنها ولم يجدها ، صمت وكسر صمته دموعا بللت الورقة فى يده أستوقفته نظرة عيونها الجميلة وهى تودعه واستوقفه أيضا خضوعه لكلام الناس وأستوقفه نداء الساعى الشرطة بره سيادة المستشار ، فهب واقفا ليعود لكامل هيبته ويترك الورقة فى مكانها ومعها دموعه .!