إبراهيم عبد المجيد هو الوحيد ضمن أدباء مصر الذي يمكن أن تلتقيه مصادفة في أحد شوارع وسط البلد، فيمنحك لحظات من البهجة والحميمية، لا تشعر معها بأنه أطول منك، رغم أنه فارع الطول، لا يجعلك تشعر بأنه كاتب كبير، لأنه لن يتحدث معك عن رواياته المترجمة فعلا إلى لغات العالم الحية، ولا عن الدراسات التي يعدها باحثون عنه في جامعات عربية وأجنبية. سيتحدث معك باعتبارك ندا له، وقد يذهب الكلام إلى مسقط رأسه في الإسكندرية: البحر وأكلة سمك لا يجدها هنا في القاهرة، الإسكندرية عالمه الساحر، من «الصياد واليمام» إلى رباعيته الفاتنة التي تبدأ ب «لا أحد ينام في الإسكندرية» إبراهيم عبد المجيد سيفاجئك عن علاقته الغريبة بالمجاذيب، وكيف أن بينه وبينهم لغة صامتة، هو وحده من يدركها.رأيت إبراهيم عبد المجيد لأول مرة، عقب افتتاني بروايته «البلدة الأخرى» وكان ذلك في طابور أمام خزينة بالهيئة العامة لقصور الثقافة، كنت واقفا لصرف مكافأة قصيدة نشرتها لي مجلة «الثقافة الجديدة» وبعد تردد سألته: «حضرتك الأستاذ إبراهيم عبد المجيد؟» وكانت إجابته: «للأسف أيوة» أعجبني الرد، فسطوت عليه، كلما سعى أحد للتعرف إلي، واحتاج الأمر لسنوات حتى ألتقيه ثانية. كان رئيسا لتحرير سلسلة «كتابات جديدة» بالهيئة المصرية العامة للكتاب، فذهبت إليه ومعي مخطوط ديواني الثاني «بأكاذيب سوداء كثيرة» وفي مساء اليوم ذاته، التقيته مصادفة، وقبل أن تمتد يدي بالسلام قال: «ديوانك حلو أنا قريته وهانشره» وحتى تعرف إبراهيم عبد المجيد عليك أن تراجع هذه السلسلة، التي لا تزال تصدر إلى الآن، منذ أن تركها إبراهيم عبد المجيد للصغار يعبثون بها، ويصنعون بها شللهم الصغيرة. العصامية هي كلمة السر في حياة إبراهيم عبد المجيد، فهو الكاتب الذي لم يستند إلى صحيفة تروج له، وتنشر أخباره، لم يحتم بجيل يشد بعضه بعضا كالبنيان المرصوص، كتاباته تسربت إلى القراء، دون أن يقدم خدمات لأحد، شأن آخرين أصبحوا كتابا كبارا برواية ومجموعة قصصية، ولم يتعامل مع الكتابة على أنها أحد أسرار الكهنوت، اثنان فعلا ذلك بجمال وأريحية، هما صلاح عبد الصبور في «حياتي في الشعر» وإبراهيم عبد المجيد في كتابه «ما وراء الكتابة» الاثنان سمحا للكتاب الشباب بدخول مطبخهما الفني. هناك كاتب كبير برواية وقصة قصيرة، كل ما يفعله مع الأجيال الجديدة هو أن يشير في حواراته الصحفية إلى اسم كاتب أو اثنين، وهو يعي أن هذين الاسمين سيمشيان في الأسواق، وهما يحملان على رأسيهما الكاتب الكبير، هذا الكاتب سيعلن في حركة استعراضية تنازله عن جائزة تحمل اسم مبارك، وهو يعرف أن كثيرين سيهللون له، دون أن يسألوه: ولماذا لم ترفضها حين قدمت لك؟ وهل رددت قيمتها المالية إلى خزينة الدولة؟ اليوم يفوز إبراهيم عبد المجيد بجائزة «كتارا» القطرية فتنهال السهام المسمومة عليه، ولم تكن نكتة حين طالبت روائية بأن يحقق المجلس الأعلى للثقافة مع 240 مصريا تقدموا للجائزة، ونحمد الله أنها لم تطالب بإعدام إبراهيم عبد المجيد وسامح الجباس الروائيين المصريين الفائزين بالجائزة، طبعا بتهمة الخيانة والعمالة لقطر، نسيت الروائية أن هناك مجلة اسمها «الدوحة» ينشر فيها كتاب مصريون كل شهر، سأوافيها بقائمة بأسماء أولئك الكتاب، حتى تعم الفائدة. يا عم إبراهيم ألف مبروك الجائزة التي لم تجد أفضل منك وجها مشرفا في دورتها الأولى.