إن كان من الفساد أن بعض الذين يعملون بمهن معينة لديهم من وسائل الضغط أن يجعلوا مسئولين يرضخون لمطالبهم الشخصية، فإنه من المفزع أن يستمريء المسئولون هذا ويتعاملون مع بعض المشتغلين بالصحافة على أنهم جميعا من تلك النوعية البغيضة والدخيلة التى تنتهز كل فرصة للحصول على مكاسب وضيعة، بل ومن الممعن فى المرارة هو استسلام هذا المسئول أو ذاك، للابتزاز برضاء وترحيب وأحيانا بتشجيع لاتقاء شرهم. مناسبة هذا الكلام كانت بسبب مكالمة أجريتها على هاتف محافظ لمحافظة فى الصعيد، لطرح عدة محاور للنقاش فى موضوعات صحفية، لكن سكرتيره الخاص الذى يرد على هاتفه بدلا منه عادة، لم يقتنع بأن الدافع الوحيد لمكالمتى هو العمل. وباءت كل المحاولات بالفشل أمام إصرار الموظف وهو يردد بآلية مقيتة "يعنى حضرتك مش عايز حاجة؟!". كان من الممكن أن يضرب الموظف موعدا لمكالمة أخرى وينهى الأمر، لكن فيما يبدو أن إغراء وشهرة المدينة، جعلا الموظف لا يصدق أن كل الذين يريدون السفر إليها، غرضهم العمل فقط!.فقال بضيق واضح عندما لم يقتنع بمنطقى فى طرح الموضوع: "لو سيادتك عايز "شغل" ابعت لنا فاكس واحنا نرتب لك كل شيء". طبعا اضطررت لإنهاء المكالمة ثائرا لكرامة مهنتى التى يسيء إليها بعض المنتسبين لها زورا وبهتانا، لكن حزنى الأكبر أن هناك مسئولا فى موقع حساس يسمح لسكرتيره بعرض الخدمات على المتصلين بعيدا عن «دوشة» العمل الذى يكفى فيه الفاكس للترتيب ثم الابتسامات الزائفة والأسئلة السخيفة والمحاوارات المملة عن التحديات والإنجازات لسيادة المحافظ الذى حتما ترك لسكرتيره الخاص هاتفه الشخصى. أكاد أجزم أن السكرتير أو حتى المحافظ شخصيا لو قرأ هذه الكلمات، لظن انها وسيلة جديدة للضغط، فلعل الخدمة المطلوبة ستكون أكبر!. أن تكون مبتزا فهذا فساد.. أو تستسلم للابتزاز فذاك فساد أكبر.. لكن أن تسعى للإفساد، فتلك طفرة كبرى لم يشهدها التاريخ الجينى لفيروسات الفساد، على مدى تاريخ مصر!. لمزيد من مقالات محمد شمروخ