قبل الثورة كانت زوجة الرئيس تحمل لقب السيدة الأولى، ويشمل الامتيازات والسلطات النابعة من زوجها، هذا تقليد أمريكى ضد العدل، فالإنسان، امرأة ورجل، بالعمل والكفاءة والموهبة وليس بالزوج والأب، لكن خبراء النفاق كانوا يهللون لزوجة الرئيس وأبنائه، وقد أفتوا بأن «ابن الرئيس» له الحق فى خوض الانتخابات وصعوده للحكم، باعتباره مواطنا مثل غيره، متجاهلين ميزاته وسلطاته لمجرد كونه ابن الرئيس، السيدة «تحية كاظم» زوجة عبدالناصر، قررت ألا تشتغل بالسياسة، لأنها لم تشتغل بها قبل أن تكون حرم الرئيس، وهذا منطق عادل، لكن زوجتا السادات ومبارك، أصبحت لهما سلطات كبيرة من خلال الزوج، مما أثار ضدهما الشعب، أما النخب التابعة لكل حاكم، فكانوا يلثمون يد الهانم، لكنهم كفوا بعد الثورة عن ذكرها، بل اعتبروها حواء التى أخرجت زوجها من الجنة. واليوم يتشدقون بالمرأة التى ينتخبونها فى عيد الأم، تحمل لقب المرأة المثالية ، تلتقط الكاميرات صورتهم معها، داخل جلبابها الأسود، يتغزلون فى حجابها وفقرها، أفنت عمرها فى رعاية الأسرة ودستة العيال، اشتغلت بالريف أجيرة زراعية، أو عاملة نظافة بالمدينة، حملت الزبالة فوق رأسها لتنفق على أطفالها، يتشدقون بقدسية الفقراء والزبالين. والمرأة الكادحة المشققة اليدين والقدمين، يلوحون لها من فوق المنصة، بأناملهم الناعمة البضة، لا يمكن لأحدهم الاقتراب منها دون أن يضع منديله فوق أنفه، ويتبارى الشعراء فى إلقاء القصائد عنها، حامية الأسرة المقدسة من التفكك التى يفككها الرجل، والمخلصة لزوجها الذى يخونها ويتزوج عليها، والحافظة للدولة الفاشلة قبل أن تنهار، خلقها الله لحماية الوطن والأسرة بحبها وحنانها وصبرها وقوة تحملها، لا تزج بنفسها فى الأعمال السياسية والفكرية، فهى مجالات رجولية تتعارض مع رقة الأنوثة وجمالها، ويرددون الأقوال المأثورة عن حكمائهم، من أرسطو الذى قال «عبودية المرأة والعبد من سنن الطبيعة» وفيكتور هيجو الذى تغنى بالعقل ثم تزوج خادمة سرير لا تفك الخط، وكارل ماركس الذى نادى بالعدالة ثم تخلى عن عشيقته وطفله منها، وعباس العقاد أشاع أن المرأة خلقت للرياء والكيد، لأن، كيدهن عظيم كما نصت الآية، وتوفيق الحكيم أفتى بأن الذكاء يشوه جمال المرأة. اختفى لقب الهانم والسيدة الأولى بعد ثورة يناير، لكنه عاد يجرى على الألسنة باستحياء، كما عاد لقب «معالى الباشا» أكثر مما كان فى عصر الملك ، واختفى الشباب الثوار والشابات وراء الجدران، واندثرث النساء ذوات العقل والفكر، وأصبحت المرأة المثالية هى المهدودة الحيل المستكينة لسلطة الدولة والعائلة. لكن الثورات الشعبية أصبحت تضرب القيم التى جردت النساء والعبيد من العقل والانسانية، حتى الشعب الأمريكى انفجر ضد العنصرية الراسخة فى الدولة والعائلة، وخوف الأسياد الدفين من قوة النساء والعبيد، عاش الملك شهريار يرتعد من شبح العبد الذى تفضله زوجته عليه، وأصبح يقتل جميع النساء ويخصى جميع العبيد، انتقاما من امرأة واحدة وعبد واحد. رغم صعود رجل أسود ليجلس على العرش الأمريكى، وزوجته السوداء «ميشيل أوباما» التى أصبحت السيدة الأولى، وامرأة سوداء «لوريتا لينش» أصبحت وزيرة العدل ، وحاكمة بلتيمور (التى اشتعلت فيها المظاهرات ضد اضطهاد السود) امرأة سوداء هى استيفانى رولينج بليك. رغم ذلك فإن النظام العنصرى يشتد شراسة ضد النساء والفقراء والسود والصفر والمهاجرين، يسمونها «الرأسمالية ما بعد الحديثة» تملك الطبقة العليا السلطة والمال، ويعيش 99 ٪ من الشعب الفقر والهوان، لكن الثورات تنتصر غربا وشرقا، رغم قوى الثورة المضادة التى تحارب بكل الأسلحة ومنها الإعلام المزيف. منذ أيام انتشر خبر كاذب عن وفاة الكاتبة، كان دليلا على قوة الكتابة وتأثيرها، مما يرعب أصحاب العقول الفارغة فيكرهوها، وإن عجزوا عن اغتيالها فى الواقع حاولوا قتلها فى الخيال. شابة اسمها «منى عامر» أشهرت قلمها الثائر لكشفهم، ومن كلماتها المنشورة: صورتك بشعرك الأبيض، والدعوة لحضور الملتقى الرابع لك، والمئات متأهبون للحضور، لا يطيق الكثير كتبك، شغفك اللامتناهى، ثورتك المبكرة التى لم تخمد، يكرهك لأنك حرضت حبيبته على رمى أدوات الزينة، لأنك تعتبرين خيانته دعارة، لأنك أسقطت قوامته وطالبته بالسهر بجوار رضيعه، لأنك حين هددوك بالقتل جلست وشربت القهوة بتؤدة، وحملت الثورة وانتظرت الجميع فى الميدان لسنوات، هذا مصيرك وأنت تعلمين وتضحكين، ستقتلين ألف مرة، سترجمين كما يرجمون الشيطان، ستقطع يدك التى تكتب لتحررهم، ستخنق كتبك بين طيات المراتب وتحت الأسرة، سيرسلونك الى الله ويكتبون عن تفننه فى تعذيبك، ويعودون لممارسة القتل حتى يقتلون، وستصعد الفكرة الى السماء تفك عن البنات ضفائرهم، «وترمى عن الأولاد حقائبهم، وتهدى الجميع الحلم». إنها واحدة من الشابات المصريات الموهوبات، لكن الصعود ليس بالعمل والموهبة، بل بالزوج والأب والعم والخال، والتقرب لأصحاب السلطة والمال، رغم ذلك تشق المواهب الصخر، تقتل الموت وتنتصر الكتابة، لمزيد من مقالات د.نوال السعداوى