بعد عناء يوم طويل من العمل المعتاد، وأنت فى أشد الاحتياج لقسط من الراحة يعينك على مواصلة عمل الغد، تقرر مشاهدة الفضائيات مساءً للترويح، أو لمتابعة أخر الأخبار، وذلك من خلال برامج التوك شو التى أخذت على عاتقها أن تزيد من حالة الصخب والجدل من أجل جنى المزيد من الإعلانات، فتجد مصر مختلفة تماما عما شاهدتها نهاراً. حتى تكاد تشعر أن عيونك تفتقد للرؤية السليمة، وأنه يجب مراجعتها طبياً.الحاصل أنه بعد جولة فى إحدى ليالى الفضائيات تأخذك كاميراتها صوب مشاهد محددة تصيبك فى الأغلب بحالة من الاكتئاب ويطرح مقدمو برامجها قضايا معينة، تزيدك توتراً وقلقاً يرتفع ويقل حسب رؤية القناة، وأهداف ملاكها.كل ذلك إلا من رحم ربي، فقد بات الليل متشحا بالأزمات، ففى ليلة تجد أزمة أسعار البامية وفى أخرى أزمة ارتفاع أسعار الوقود الذى لم يرتفع وهكذا، وعندما يتكرر الحديث عن الأزمة ذاتها لعدم وجود أزمة جديدة ترى التراشقات المتبادلة بينهم، ولا ضير من الإفتاء فى كل الأمور من باب الوجاهة وأحياناً من باب الخبرة المزعومة، فغالباً لا ترى الكاميرات إلا المشاهد السيئة والقبيحة، ولا يتحدث نجوم الإعلام إلا عن الفساد والإرث البغيض للحقب الماضية. فعلى سبيل المثال، حينما أعلن وزير التربية والتعليم عن رسوب مئات الآلاف من طلبة المرحلة الابتدائية فى امتحان القرائية، قوبل الرجل بهجوم ضار، وحملوه كل هذا الإرث الفاسد وهو لم يتجاوز عمره الوظيفى فى منصبه شهرين، وبعد ما أعلن عن رغبته فى مواكبة التطور من خلال الاستغناء عن الكتاب المدرسى بأسطوانات مدمجة لمن يرغب من أولياء الأمور حيث تجاوزت نسبة الموافقين من المستفتى منهم الثلين، قوبل بهجوم أيضا، مع عدم إنكار أن منظومة التعليم قد أصيبت بنكسة أكبر من نكسة 67، وأن علاجها يحتاج جهد حكومة بالكامل وليس وزارة التربية والتعليم، ولكن د.محب الرافعى يجتهد قدر الاستطاعة وجل ما يحتاجه أن يجد المعاونة، حتى ولو بالقلب. أمر آخر، كنا فى العام الماضى نعانى إنقطاعا مستفزا للتيار الكهربائى وصل فى بعض الأيام لعشر ساعات متصلة بسبب زيادة الأحمال، ومن حينها وحتى الأمس القريب نرى تفجيرات متكررة لأبراج الضغط العالى على أيدى الكفره لتزيد الطين بله، ومنذ الأحد الماضى وحتى اليوم تضرب مصر موجة شديدة الحرارة، ولم نشعر بانقطاع للتيار على عكس المتوقع، ولم نرى إشادة كما كنا نرى نقداً. تغيرت بعض ملامح العاصمة وعاد لجزء كبير من القاهرة الفاطمية رونقها، وتم جلاء الباعة الجائلين من وسطها، وتم افتتاح جراج التحرير وباتت الحركة المرورية أكثر يسراً بعد ما منع وقوف السيارت فى معظم شوارع وسط العاصمة، مع تركيب الكاميرات الالكترونية فى أكثر الإشارات المرورية التى تصور المخالفة دون تدخل من أى شخص لفرض حالة الحيادية على الشارع القاهري، أمور يراها مستخدمو وسط البلد، ولا تراها الفضائيات ، وإن نقلتها فلمرة وعلى عجل. طرق كثيرة تم تطويرها بمئات الكيلومترات شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوباً، بخلاف الطرق المستحدثة منها كورنيش قنا وطريق الإسكندرية الصحراوى ومحور الشهيد والكثير، ولكن يبدو أن كاميرات الفضائيات لا تسير فى تلك الطرق! هل تتذكرون قناةالسويس التى اقترب موعد افتتاحها، والتى تم حفرها بأموال المصريين، هل تعلمون كم الانجاز الذى تم؟ وكيف تم؟ وهل تتابع برامج التوك شو تلك الأعمال؟ الإجابة انتم تعرفونها. ومع هذا لا يمكن إنكار أن هناك خطايا قاتلة تصل لحد الجرم الفاضح فى حق أبناء هذا الوطن، تستحق إلقاء الضوء عليها، كما تستحق طرح رؤى جديدة لاجتثاثها، ولكن أن يكون الحديث دائما وأبدا عن القبح والتركيز عليه، والدوران فى فلكه، وإغفال النظر عن أى إنجاز يتحقق على أرض الواقع، فهذا هو الغريب، وهو يطرح تساؤلاً منطقياً لمصلحة من إيجاد حالة من التوتر غير المبرر؟ ليس المطلوب التهليل للتهليل، فهذا الزمن ولى إلى غير رجعة، ولكن نقل الحقيقة هو عين الصواب الذى تنحرف عنه كثير من برامج التوك شو، ويجب أن يعلموا أنهم بدأو فقدان نسبة ليست بالقليلة من المشاهدين، وهى فى إطراد، فالمواطن أصبح على وعى بما يدور حوله واتسعت مساحة الحرية لدرجة غير مسبوقة مكنته من الوصول للمعلومة السليمة بأكثر من طريقة، أخشى أن يأتى يوم تكون تلك الفضائيات ليست إحداها. لقد بدأت مصر خطوات عملية نحو مستقبل جديد واعد محفوف بالأمل وبالعزيمة، خطوات تأخذ فى اعتبارها الوطن والمواطن، قد لا يكون المتحقق منها، هو المأمول على الوجه الأمثل فى هذه الفترة، ولكن لأن المقدمات تؤدى للنتائج، فالمطلوب من الجميع إعلاميين ونخبة وشباب أن نتكاتف على قلب رجل واحد للوصول إلى ما يصبو إليه المصريون، ومن يشذ عن الصف، عليه تحمل سوء اختياره، فالتاريخ لن يرحمه. [email protected] لمزيد من مقالات عماد رحيم