يتزامن قرار الحكومة المصرية بتأجيل التعامل بضريبة البورصة لمدة عامين، مع المناقشات الدائرة حاليا حول مشروع الموازنة العامة للدولة عن العام المالى 2015/2016، حيث مازالت هناك بعض الصعوبات التى تواجه وزير المالية فى تدبير الموارد اللازمة لتحجيم العجز بها رغم جميع الجهود التى يبذلها فى هذا الصدد. خاصة فى ظل الاوضاع الحالية للمالية العامة المصرية والزيادات المستمرة فى عجز الموازنة ومن ثم اللجوء الى الاقتراض لتمويل هذا العجز وهو ما أدى الى زيادة الدين العام واعبائه بصورة كبيرة للغاية. وهنا يبرز الحديث عن الموارد العامة للدولة بشكل عام والايرادات الضريبية بشكل خاص. باعتبارها تعد أحد أهم مصادر التمويل التى يمكن استخدامها فى هذا المجال، حيث تشكل الإيرادات العامة للدولة نحو23%من الناتج المحلى، وتمثل الإيرادات الضريبية نحو 57% من الإيرادات العامة عام 2013/2014. وهنا يصبح التساؤل هل وصل المجتمع إلى طاقته القصوى من الإيرادات العامة، خاصة الضريبية، أم أن المستوى الحالى مازال به الكثير من القصور؟ وهل هناك إمكانية لدى صانع القرار المالى للتحرك على هذا الجانب؟ واى الشرائح والفئات المجتمعية يقع عليها العبء الضريبى الراهن؟ كل هذه الاسئلة وغيرها ضرورية فى هذه المرحلة. وهنا تشير الإحصاءات الى الانخفاض الكبير فى مساهمة الضرائب فى الاقتصاد القومى والضعف الشديد فى الطاقة الضريبية، حيث لا تمثل سوى 14% من الناتج المحلى الإجمالى 2013/2014. وهو ما يرجع الى العديد من الاسباب يأتى على رأسها ضعف الجهد الضريبي. وهى المسألة التى يجب ان نتوقف عندها كثيرا لمعرفة أسبابها وسبل العلاج باعتبارها «مربط الفرس» فى هذه المسألة المهمة. وهنا يفرق الاقتصاديون بين الطاقة الضريبية الممكنة والطاقة الفعلية والفرق بينهما يعبر عن قدرة الدولة على توسيع المجتمع الضريبى دون احداث اثار اقتصادية او اجتماعية او سياسية سلبية لا يمكن تحملها، وتتوقف هذه المسألة على عدة عناصر اساسية منها مستوى النمو الاقتصادى للدولة، ونمط توزيع الدخول فى المجتمع وانتاجية الانفاق العام.وقدرة الأجهزة الادارية الحكومية على تحصيل الضرائب. وبالتالى فإن البحث عن الطاقة الضريبة الممكنة يجب ان يتم وفقا للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية السائدة، بحيث يتمكن المجتمع من تحقيق ايرادات ضريبية أكثر دون التأثير على معدلات النمو الاقتصادى ومعدلات الاستثمار.ومن الجدير بالذكر ان من اهم العناصر المؤثرة على الطاقة الضريبية فى مصر تكمن فى اتساع سوء توزيع الدخل اذ تشير نتائج بحث الدخل والانفاق لعام 2012/2013 الى ان اقل 10% من الافراد إنفاقا، تصل حصتهم فى الانفاق الى 4.1% من اجمالى الانفاق فى مصر. وذلك مقابل استحواذ أكبر 10% إنفاقا من الاسر، على 25.7% من اجمالى الانفاق. وتزداد هذه الفجوة اتساعا إذا ما قارنا بين الشرائح الخمسية، اذ ان اقل 20% إنفاقا، لا ينفقون سوى 9.5% من اجمالى الانفاق، مقابل 39.6% لاعلى 20%. وبالتالى فان أجمالى استهلاك الشريحة العليا يساوى اربعة امثال الشريحة الدنيا. هذا فضلا عن اتساع نطاق القطاع غير الرسمى، حيث صار يستوعب أكثر من 54% من قوة العمل، ناهيك عن ارتفاع نسبة التخلص من الضريبة إما عن طريق التهرب الضريبى tax evasion او عن طريق تجنب الضريبة tax avoidance. من هذا المنطلق يمكننا مناقشةالتركيب الهيكلي،للضرائب المصرية، من منظور العدالة حيث تنقسم الى ضرائب مباشرة (وهى التى تفرض على الدخول مباشرة، ولايمكن نقل عبئها الى الآخرين وتشمل الضريبة على الدخول والارباح والمكاسب الرأسمالية)، مقابل الضرائب غير المباشرة (والتى تفرض على التصرفات فى الدخول ويتحملها المستهلك النهائى للسلعة او الخدمة مثل ضريبة المبيعات والتمغة والجمارك وضرائب التضامن الاجتماعي) وهنا تجدر الاشارة الى ان مناقشة الضرائب بنوعيها (المباشرة وغير المباشرة) من حيث امكانية نقل العبء الى الآخرين، ليس صحيحا تماما اذ ان هناك انواعا مختلفة من الضرائب المباشرة يمكن نقل عبئها الى الآخرين خاصة الضريبة على المهن الحرة (الاطباء المحامين المهندسين المحاسبين...الخ) وعلى الرغم من الجدل النظرى الشديد حول هذه المسألة ومدى عدالة الضريبة المباشرة وغير المباشرة فإن الضرائب غير المباشرة يقع عبؤها على الشرائح الدنيا والمتوسطة بدرجة اكبر من الشرائح العليا، حيث يخصص هؤلاء نسبة اكبر من دخولهم للإنفاق على هذه السلع والخدمات مقابل نسبة اقل من الشرائح العليا. وكثيرا مايثار فى المجتمع الحديث حول ان الهيكل الضريبى المصرى يغلب عليه الضرائب غير المباشرة بصورة كبيرة مما يجعله اقل عدالة، وهذا القول يجانبه الصواب فى الجزء الاول منه.اذ تشير الاحصاءات الى ان نسبة الضرائب المباشرة الى إجمالى الضرائب قد ارتفعت من 42.4% عام 2000/2001 الى 51% عام 2005/2006 ووصلت الى 53.4% عام 2013/2014.ولا ينبغى ان يفهم من ذلك ان هيكل الضريبة قد أصبح أكثر عدالة عن ذى قبل، فهذا القول غير صحيح على الاطلاق لعدة اسباب اولها التغيير الذى قامت به وزارة المالية منذ عام 2004/2005 فى عرض الموازنة العامة للدولة حيث بدأت بإظهار دعم المنتجات البترولية فى جانب المصروفات مقابل اظهار فائض وارباح وضرائب البترول فى الموازنة العامة، وهذه الطريقة فى المعالجة قد ادت الى تضخيم جانبى الايرادات والمصروفات دون وجود تدفقات نقدية حقيقية بين هيئة البترول والخزانة العامة.وثانيها ان قانون الضرائب على الدخل رقم 91 لسنة 2005 والذى قام بتخفيض سعر الضريبة على شركات الاموال الى 20% وذلك قبل التعديل الاخير الذى اصبحت بمقتضاه الضريبة على شركات الاموال 22.5%،قد استثنى من ذلك هيئة البترول والبنك المركزى وهيئة قناة السويس اذ ظلت الضريبة عند 40% وشركات البحث عن البترول والغاز وانتاجه حيث استمر سعر الضريبة عليها عند 40.55%. ولهذه الاسباب ازدادت نسبة مساهمة هذه القطاعات فى المتحصلات من الضرائب على شركات الاموال، وتشكل النسبة الغالبة منها رغم تراجعها من 79.6% عام 2005/2006 الى 72% عام 2013/2014 وتشكل الضرائب من هيئة البترول نسبة 51.5% من إجمالى حصيلة شركات الاموال عام 2013/2014 مقابل 61% عام 2005/2006 بينما شكلت قناة السويس نسبة 16% عام 2013/2014 مقابل 19% عام 2005/2006. فاذا ما استبعدنا، ضرائب البترول والشريك الأجنبى من الهيكل الضريبي، سوف تصل الضرائب المباشرة الى 40.5% عام 2013/2014 مقابل 39.8% عام 2004/2005 ونحو 34.9% عام 2005/2006. وبالتالى فإن تقسيم الضرائب الى مباشرة وغير مباشرة لايعكس بصورة حقيقية العدالة الاجتماعية فى الهيكل الامر الذى يتطلب الدخول فى التفاصيل الخاصة بكل نوع من انواع الضرائب فى مصر، لمعرفة من يدفع الضرائب وأى الشرائح المجتمعية التى يقع عليها العبء الاكبر، ومدى العدالة فى توزيع هذه الأعباء وهو ما سنتناوله فى المقال المقبل بإذن الله. لمزيد من مقالات عبد الفتاح الجبالي