منذ أعلن الأنبا بيشوي سكرتير المجمع المقدس يوم السبت 17 مارس 2012 وفاة البابا شنودة الثالث بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية عن عمر يناهز 89 عاما وحتي كتابة هذه السطور لم يهدأ المصريون جميعا.. مسلمين وأقباطا, حكومة وشعبا ومجلسا عسكريا.. الجميع يواسي الجميع. وقفت مصر كلها تودع رمزا وطنيا في مشهد سوف يسجله التاريخ, وانبهر العالم كله بالوحدة الوطنية الحقيقية التي جسدتها وفاة البابا.. جميع وسائل الإعلام المصرية دون استثناء غطت الحدث تغطية غير عادية.. جميع كتاب ومثقفي مصر نعوا البابا وكتبوا واستفاضوا.. المسلمون توافدوا زمرا إلي الكاتدرائية وإلي كنائس مصر قاطبة لا يؤدون واجب العزاء فحسب بل يتقبلون العزاء في كل مكان في فقيد مصر الكبير الذي اتصف بالحكمة والعقلانية وحبه لوطنه مصر الذي كثيرا ما تغني به في كلماته وعظاته وأشعاره.. فهو القائل: جعلتك يا مصر في مهجتي إذا غبت عنك ولو فترة إذا عطشت إلي الحب يوما نوي الكل رفعك فوق الرءوس وأهواك يا مصر عمق الهوي أذوب حنينا أقاسي النوي بحبك يا مصر قلبي ارتوي وحقا لكل امرئ كل ما نوي لكن الغريب أن وفاة البابا فجرت كثيرا من المواجع والهمز واللمز لدي الآخرين, فصحيفة واشنطن بوست الأمريكية نشرت تقريرا ثاني يوم وفاة البابا أكدت فيه أن وفاته قد تزامنت مع تزايد التوترات الطائفية في مصر بين الأقباط والمسلمين في الفترة الأخيرة وهو ما يعني أن الأقباط في مصر قد يواجهون مأزقا حقيقيا خلال المرحلة المقبلة. وأضافت الصحيفة الأمريكية أن وفاة البابا قد جاءت في وقت يشعر فيه جميع الأقباط المسيحيين الذين يمثلون نحو عشرة بالمائة من التعداد السكاني في مصر بحالة من الضعف منذ سقوط نظام الرئيس المصري السابق حسني مبارك, خاصة بعدما تمكن الإسلاميون من السيطرة علي مقاليد الأمور في الانتخابات البرلمانية الأخيرة!! تزامن ذلك مع موقف إسرائيلي متشف جاء علي لسان سفيرها السابق بالقاهرة يتسحاق ليفانون خلال مقابلة مع الإذاعة العامة الإسرائيلية صباح تشييع جثمان فقيد مصر, معلقا علي وفاته قائلا: كان الفقيد من أشد المعارضين للتطبيع مع إسرائيل, موضحا أنه كان يهدد الأقباط الذين ينوون زيارة القدس بمقاطعتهم دينيا. هذا الكلام الذي نشرته صحيفة أمريكية بارزة وبثته إذاعة إسرائيلية رسمية يجب ألا يمر علينا مرور الكرام فهو موقف علي جانب كبير من الأهمية والخطورة ليس علي الأقباط أو المسلمين وإنما علي مصر كلها, خاصة أنه يأتي في ظل مرحلة انتقالية بالغة الصعوبة. وفي اعتقادي أن أفضل السبل لقطع الطريق علي كل من يحاول بث بذور الفتنة والكراهية في مصر بين أبنائها هو الحفاظ علي وحدة مصر التي وقفت كلها علي قلب رجل واحد في وفاة البابا شنودة وأفضل تأبين له هو استمرار هذه الوحدة التي أذهلت العالم لنعبر بمصرنا إلي بر الأمان.. فهل يستجيب الجميع؟.