لم يجد بروفيسور "جَسْتن مكارثي " في كتابه "الطرد والإبادة ... مصير المسلمين العثمانيين".أي دليل على المذبحة الأرمنية المزعومة ، بل فوجئ خلال بحثه أن الذي تعرض لمذابح حقيقية ممنهجة هم المسلمون . مصادر الكتاب تنوعت بين وثائق رسمية للحكومات البريطانية والفرنسية والأمريكية ومصادر أخرى من الكتب والتقارير المنشورة التي كتبها مؤلفون أوروبيون ، كما برهن الكاتب على ما ذهب إليه في بحثه بشهادات لشهود عيان في تقارير موثقة عن مذابح مروعة ، قُتل فيها أعدادا كبيرة من المسلمين .. وتم تهجيرهم واغتصاب نسائهم وتنصيرهم وحرق قراهم ، على يد قوات روسية و"أرمينية "وبلغارية ويونانية ورومانية ضد السكان العثمانيين المسلمين . حقيقة الأحداث التاريخية المأساوية ، بدأت بتحريض روسيا للأرمن القاطنين على حدودها مع الأراضي العثمانية ؛ بكل السبل حيث امدتهم بالمال والسلاح ودربتهم على الأعمال القتالية ، ولم تكتفِ بهذا بل عمدت إلى تشكيل جمعيات إرهابية مسلحة ، عرفت آنذاك بجماعات خنجاق وطشناق ...وكرد فعل طبيعي، تسلح المسلمون للثأر لقتلاهم وقاموا بتهجير الأرمن، حيث تعرضت قوافل الأرمن المُهَجّرة في طريقها لهجمات، وأعمال قتل ونهب، على يد مليشيات كردية، انتقامًا لقتل عدد كبير من الأكراد على يد مليشيات الأرمن. ولم يكن الأكراد وحدهم أصحاب ثأر، فقد كان هناك أعداد أخرى من الأتراك العثمانيين لهم ثأر عند الأرمن فشاركوا في الهجوم على قوافلهم وكان دافع أولئك هو الانتقام من العصابات المتمرّدة التي اعتُبرت في نظر الجميع خائنة للوطن، ومساندة للعدو الروسي. وذكر مكارثي في كتابه حقيقة تدلل على مساندة الأرمن للروس وقتلهم للمسلمين ، حيث قال : أنه عندما تقهقر العثمانيون سنة 1915م أمام زحف الجيش الروسي، تركوا مؤسساتهم المدنية عارية من الحماية ؛ فقامت المليشيات الأرمنية باستخدام القنابل لتفجير الأبنية الحكومية ، وقتلوا المسلمين العزل في المناطق التي سيطرعليها الروس؛ أحرقوا المباني الحكومية، وهاجموا مراكز الشرطة، ولم يستطع والي المدينة السيطرة على الأمن فيها، فأعلن استقالته من منصبه .. ليتمادى الأرمن في مزيد من المذابح في حق المسلمين .." في هذه الواقعة أصدر قيصر روسيا بيانًا شكر فيه الأرمن على تضحياتهم وتسهيلهم سيطرة الروس على الولاية..!! وهكذا نستطيع أن نستنتج أن تلك الأحداث في القرى والمدن بشرق الأناضول - هي السبب في اتخاذ الحكومة العثمانية قرارا بتهجير الأرمن من أراضيهم إلى حلب، وأورفة، ودير الزور، والمناطق المحيطة بها. الكتاب كشف النقاب عن المجازر التي ارتكبها الأرمن ضد المسلمين خلال الحرب العالمية الأولى من 1914م إلى 1918م في إقليميْ (وانْ) و(بتليس) شرق الأناضول .... وهذا لا يقارن بما رصده الباحثون عن انخفاض عدد السكان المسلمين في العديد من الأقاليم التي كانت تابعة للدولة العثمانية وقتذاك مثل أرضروم وديار بكر ومعمورة العزيز وسيواس وحلب وأطنة طرابزون (من عام 1912م إلى عام 1922م )؛ حيث نجد أن أكثر من 62% من مسلمي إقليم (وان) قد أبيدوا..! ولقي المصير نفسه 42% من مسلمي بتليس، و 31% من مسلمي أرضروم..!! وأكثر من 60% من مسلمي القفقاس..!! أما في أقاليم غربي الأناضول مثل آيدين، وخداوندكار، وبيجا، وإذميد؛ فقد قام الحلفاء بطرد اللاجئين الأتراك من البلقان التي كانوا يقيمون فيها، وأعطوا ممتلكاتهم إلى اليونانيين وتركوهم بدون مأوى بعد سرقتهم !! ولذلك ليس تهويل ما وصل إليه الباحثون من أن ما حدث للمسلمين في القفقاس والأناضول والبلقان كانت واحدة من أكبر وأبشع جرائم الإبادة الجماعية العنصرية النمطية الممنهجة .. لا تضاهيها إلا جرائم الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني، وجرائم النازية الهتلرية في أوربا والشيوعية فى الاتحاد السوفييتي. كل ما انشده من كتابتي لهذا المقال هو كشف مدى التزييف الذي تعرض له تاريخ المسلمين والتصدي للتجاهل المتعمد للمجازر التي ارتكبت بحق المسلمين ، حتى وصل الأمر إلى اعتبار دفاعهم عن أنفسهم وثأرهم لقتلاهم جريمة لا تغتفر . كل ما يعنيني ويهمني هو البحث عن الحقيقة . فقد تختلف المواقف السياسية للأنظمة من وقت لآخر ولكن التاريخ لابد أن يظل ثابتا لا يختلف طوال الوقت ولا يتغير ، لابد أن يظل معبرا عن الحقائق متجردا عن أى أهواء وضغائن سياسية. لزاما علينا أن نحافظ على التاريخ الإسلامي للدولة العثمانية دون تزييف لأنه لا يخص بلدا بعينها وشعبا بعينه ولكنه يمس العديد من الأقطار والشعوب الإسلامية التي كانت تابعة للدولة العثمانية آنذاك ، وتعرضت هذه الشعوب الإسلامية للعديد من المجازر الوحشية الغربية التي لا يمكن تجاهلها ونسيانها ابدا تحت أى ظرف . [email protected] لمزيد من مقالات نهى الشرنوبي