يأخذ الإنسان قراره بالانتحار فى لحظة يأس مطبق، وتصحر وجداني، وخواء روحي، وغياب للأمل، وتشظى مؤلم لوجوده، تتحول معه الحياة إلى دعوة ل «الانتحار الرحيم»! المسألة لا تختلف كثيرا فى المآلات والمصائر، سواء كان الأمر يتعلق بفرد واحد، أو جماعة، أو مجتمع أو أمة، إذ تبدأ عملية الانتحار الفعلى، عندما يتبدد أهم رأس مال يمتلكه الفرد، رأس ماله الاجتماعي، وهو يساوى قدر الثقة فى النفس، والثقة المتبادلة مع الآخرين، ومع المجتمع بأسره. تنتحر الشعوب كما ينتحر الأشخاص، الفارق أن الشعوب تنتحر ببطء، وأحيانا دون أن تشعر أو تدري، وقد لا تكتشف الحقيقة، إلا بعد أن تكون قد قطعت مسافة ليست بقصيرة ،فى طريقها نحو النهاية، بعد أن تكتشف أن رصيدها العام من الثقة قد نفد تماما، وأنها دخلت «نفق اللايقين» المظلم الطويل. والحقيقة أن المجتمعات لا تفقد رأسمالها الاجتماعى فجأة، وإنما على مدى سنوات طويلة من الإخفاق والفشل والإحباط والأكاذيب، وتدهور الحياة، فتبدأ السحب على المكشوف من بقايا أرصدتها فى بنك الوطن، المهدد بإعلان إفلاسه الأخلاقى والإنساني. عندما ثار المصريون من أجل حياة أفضل، لم يكن فى حسبانهم أنهم سوف يدفعون الثمن باهظا، وأنهم سوف يفقدون أهم ما عاشوا عليه واستمروا به، وضمن تماسكهم بقدر كبير، وهو رأسمالهم الاجتماعى الذى تبدد أو يكاد، مخلفا وراءه تدهورا فكريا وانحطاطا أخلاقيا، لم تعرفه مصر من قبل. إن خسارة رأس المال الاجتماعى هى خسارة أكبر من خسارة رأس المال الاقتصادي، فالأخير يمكن أن يعوض، أما الأول فيحتاج إلى سنوات طويلة، من عمل مخلص ودءوب حتى يعود، ولأنه أيضا لا تستقيم الحياة ولا تتقدم ولا تنهض أمة إلا بامتلاك رصيد وافر منه. أما عن أسباب حالة «اللايقين» التى تصيب الشعوب، وكيف يمكن تجاوزها، فهذه قصة أخري؟ فى الختام.. يقول ألبير كامو: «إنك إن أصابك الموت هذا الصيف، فلن يزورك الصيف المقبل». لمزيد من مقالات محمد حسين