فى عام 1903 تم الانتهاء من ترميم مسجد الأمير علاء الدين الطُنبُغا بن عبد الله الماردانى ، أو مسجد الماردانى كما يعرفه سكان الدرب الأحمر، ومنذ تم الانتهاء من الترميم فى عهد الخديوى عباس حلمى الثانى لم تقترب يد العناية من المسجد. أكثر من مائة عام من الإهمال عاشها هذا المسجد شديد الجمال والتميز ، تهدمت فيها فسقيته ، وسقطت حوائطه الرخامية وتآكلت جدرانه وزخرفات سقفه البديعة بينما عبثت أيدى اللصوص مرتين بحشوات منبره التى تمثل كنزا بديعا لفن الصدف ولا زال حلم استعادتها لم يتحقق . وأخيرا ربما يجد مسجد »الأمير« الذى فاق مسجد السلطان الناصر محمد بن قلاوون جمالا من ينقذه بعد ان أعلنت مؤسسة أغا خان استعدادها لترميمه وإنقاذه من الضياع وحتى يحدث هذا فإن مسجد الماردانى من يحميه من يد الإهمال؟! . فى شارع باب الوزير حيث يقبع مسجد الماردانى منذ اكثر من 700 عام لا شيء يشير لهذا الأثر الجميل سوى لوحة زرقاء صغيرة تحمل كلمة اثر ورقم 120 وهو رقم تسجيل المسجد فى سجلات وزارة الآثار المصرية ، بينما فى الداخل يبدو المكان شبه مهجور إلا فى مساحة لا تتعدى ربع مساحة المسجد حيث مازالت تقام شعائر الصلاة حتى الآن فى رواق القبلة بينما تركت الأروقة الثلاثة الاخرى للإهمال وتحولت أرضياتها الرخامية لمخزن لما سقط من أجزاء المسجد ومنها القبة الخشبية للميضأة لفسقيته الشهيرة والتى جلبت من مسجد السلطان حسن خصيصا بعد أن تهدمت ميضاته الأصلية.. القبة الخشبية ويقول خادم المسجد إبراهيم بركات :« المسجد حالته تسوء كل يوم ومنذ جئت للعمل به قبل 16 عاما وحالته تسوء يوما بعد يوم فمثلا عندما بدأت العمل كانت القبة الخشبية التى سقطت من قبة الميضأة حالتها جيدة جدا وعرفنا أن الآثار ستأتى لترميمها وتم وضعها بجانب الرواق الجنوبى ومازالت من وقتها حتى الآن فى نفس المكان حتى تدهورت حالتها تماما وتفككت كما أن هناك عدة عرائس من السور العلوى للمسجد قد سقطت وجمعناها بجانب المسجد منذ سنوات ولم يتم تركيبها، ونتمنى أن يقوموا فعلا بترميم المسجد لأن حالته تسوء يوما بعد يوم«. الحاج إبراهيم كما عرفت منه يعمل بوزارة الأوقاف التى يتبعها المسجد إداريا ورسميا ولا علاقة للآثار به سوى فى تسجيله ومتابعة حالته فقط، وكما عرفت ايضا فهو تقريبا الذى يعتنى بنظافة المسجد ويتولى الحراسة به حيث إن له زميلين آخرين لا يحضران لظروف المرض ، وربما يفسر هذا ما تعرض له المسجد فى عام 2012 من عملية سرقة تعتبر الأكثر دقة بين سرقات الآثار فى مصر حيث تم نزع حشوات المنبر والتى يصل عددها لحوالى 40 حشوة تعتبر من أجمل وأندر حشوات المساجد الأثرية ، ولا زالت مصر تسعى لاستردادها وإعادة تركيبها بعد أن ظهرت خارج مصر فى سوق بيع الآثار المسروقة . وبالمناسبة لم تكن تلك هذه المرة الأولى التى سرقت فيها حشوات منبر مسجد المردانى فقد كانت حوالى أربعين حشوة من حشوات المنبر قد سُرقت منه فى أوائل السبعينيات من القرن 19 وتسربت إلى أوروبا وعثر عليها بالمصادفة أحد أعضاء لجنة حفظ الآثار العربية لدى أحد تجار الآثار بالقاهرة سنة 1901 واشترتها اللجنة وقيل انها دفعت فيها وقتها ثمانين جنيها ذهبيا وأعادت تركيبها فى مواضعها بالمنبر فى إطار عملية الترميم التى كانت تجرى للمسجد وقتها». الأوقاف الإسلامية ويكمل السعيد حلمى مدير آثار منطقة الدرب الأحمر قصة المسجد كاشفا عما تعرض له من سرقات وإهمال قائلا :« المسجد يتبع وزارة الأوقاف حيث إنه من الأوقاف الإسلامية وعلاقتنا كمسئولين عن الآثار تقتصر على الإشراف عليه كأثر من خلال المتابعة والمرور بشكل دورى وأيضا الترميم ولكن للاسف - وتلك هى المشكلة - فإن ميزانيات الترميم تكاد تكون منعدمة ولا تقدم وزارة الأوقاف ، رغم أنها الوزارة الأغنى فى مصر ، أى مساهمات فى تلك العملية ورغم أن المادة 30 من قانون حماية الآثار تنص على أن وزارة الأوقاف هى التى يجب أن تتولى توفير الميزانيات اللازمة لترميم المساجد الأثرية التابعة لها على أن يتولى المجلس الأعلى للآثار أعمال الترميم، إلا أن وزارة الأوقاف لا تقدم أى دعم مادى لنا، حتى بالنسبة للمساجد التى أوقف لها أصحابها أوقافا للإنفاق، وهذا أمر متعارف عليه تماما، ولكن الوزارة لا تنفق ولا ترمم والنتيجة تعرض تلك المساجد للإهمال بل وأصبح الكثير منها مهددا بالانهيار». ويكمل: «وفيما يتعلق بمسجد الماردانى ورغم انه يعتبر واحدا من درر المساجد المملوكية إلا انه لم تتم به أى أعمال ترميم منذ الترميم الذى قامت به لجنة حفظ الآثار الإسلامية والذى انتهى تقريبا فى عام 1903 والتى كانت اخر عملية ترميم تمت للمسجد رغم انه يعتبر بكل المقاييس واحدا من درر البناء فى العصر المملوكى وأعتنى صاحبه الامير الطنبغا المردانى به حتى قيل إن مسجد الأمير فاق فى جماله مسجد السلطان ويقصد به السلطان الناصر محمد بن قلاوون والذى كان الماردانى أحد امرائه». تشير كتب التاريخ الى ان الماردانى هو الأمير علاء الدين ألطنبغا بن عبد الله الماردانى الساقى وقد ولد سنة 719 ه وقدر له أن يصبح من مماليك السلطان الناصر محمد بن قلاوون وتدرج فى المناصب حتى صار أمير مائة مقدم ألف وهى من أرفع المناصب العسكرية فى العصر المملوكى وقد لعب دورا كبيرا فى الحياه السياسية بعد وفاة قلاوون حتى وصل نفوذه لدرجة مشاركته فى خلع بعض السلاطين وتولية غيرهم ثم صار له حكم نيابة حلب ومات فيها سنة 744 ه ولم يتجاوز عمره 25 عاما. درة العصر المملوكى فى عام 738 ه اشترى الماردانى عدة دور من أصحابها لتشييد مسجده شديد التميز كما تشرح لنا الدكتورة أمنية عبد البر المتخصصة فى العمارة الاسلامية حيث تقول: »مسجد المردانى الجامع يتكون من شكل مربع تقريبا يتوسطه صحن مكشوف تحيط به الأروقة من جميع الجهات وتتوسط الصحن فسقية مثمنة من الرخام يعلوها قبة خشبية نقلت إليه من مسجد السلطان حسن سنة 1899 م اثناء عملية الترميم الكبرى التى أجريت له واستمرت من عام 1895 وحتى عام 1903 ، وهى العملية التى جرى فيها نقل فسقية من جامع السلطان حصن لتوضع فى صحن المسجد بدلا من فسقيته التى تهدمت ، وللمسجد ثلاثة أبواب ويعد المدخل بالواجهة الغربية هو المدخل الرئيسى وهو مدخل تذكارى ، ومحراب جامع الماردانى من أروع محاريب القاهرة الإسلامية حيث إن تجويفه زخرف بمجموعة كبيرة من الفسيفساء الصدفية والرخامية دقيقة التنسيق كما كسيت جدران رواق القبلة إلى ارتفاع ثلاثة أمتار بالفسيفساء الصدفية والرخامية برسوم هندسية رائعة ، ومن السمات المميزة للمسجد كذلك الحاجز الخشبى الذى يفصل رواق القبلة عن الصحن حيث إنه يعد أحد أروع نماذج خشب الخرط بالقاهرةالإسلاميه ويعد هذا المسجد من درر عمائر عصر الناصر محمد بن قلاوون نسبة لأن المهندس بن السيوفى كبير مهندسى عصر الناصر محمد كان هو المشرف على بنائه، أما أهم ما يلفت النظر فى المسجد فهو أعمدته الجرانيتية والتى جلبت من عدة معابد اغريقية وفرعونية ذات اشكال شديدة الجمال ، ومن السمات المميزة للمسجد كذلك الحجاب الخشبى الذى يفصل رواق القبله عن الصحن حيث إنه يعد أحد أروع نماذج خشب الخرط بالقاهره الإسلامية ويعد هذا المسجد من درر عمائر عصر الناصر محمد بن قلاوون لأن المهندس بن السيوفى كبير مهندسى عصر الناصر محمد كان هو المشرف على بنائه كما ذكر ذلك المقريزى وعلى الرغم من أهميته التاريخيه والفنية والأثرية إلا أن حالته الإنشائية سيئة للغاية مما يتطلب تضافر الجهود للترميم السريع وإعادته لسابق رونقه .« الأغاخان يتولى الترميم وإذا كانت كتب التاريخ تشير الى أن حوائط المسجد كانت مغطاة بالرخام الفاخر يحمل بعضها كتابات كوفية شديدة التميز فإن الواقع الذى شاهدناه يؤكد ان كثيرا من تلك الحوائط قد سقطت وتركت وراءها حوائط تملؤها الشروخ ورشح المياه الجوفية التى تهددها بالانهيار تماما، بينما مازال المنبر تغطى جوانبه اغطية البلاستيك لتخفى حشواته التى تمت سرقتها للمرة الثانية عام 2012 ومازالت وزارة الاثار تتفاوض لاستعادتها». عمليات ترميم محمد عبد العزيز مساعد وزير الأثار لم ينف الحالة السيئة التى وصل لها مسجد المردانى، مؤكدا لنا أن تلك الصورة ستتغير تماما ربما بعد عامين او ثلاثة من الآن حسب تقديراته ، وكما يقول :«المسجد فعلا ورغم انه واحد من أهم مساجد القاهرة التاريخية الا انه تعرض للاهمال لسنوات طويلة ووصل لحالة سيئة جدا والحمد لله اننا نجحنا قبل ايام قليلة من التوصل لاتفاق مع مؤسسة الاغاخان المهتمة بالتراث العالمى والتى سبق له القيام بعمليات ترميم متميزة فى منطقة الدرب الأحمر كان اخرها ترميم الجامع الازرق الذى تم افتتاحه قبل عدة اسابيع». ويضيف: «المؤسسة كانت قد رصدت بالفعل نحو 30 مليون جنيه عام 2010 ولكن الاتفاق لم يكتمل والحمد لله وصلنا لاتفاق نهائى معهم قبل ايام قليلة وسوف تبدأ أعمال الترميم بمجرد انتهاء المكتب الاستشارى الذى يتعاملون معه». وماذا عن حشوات المنبر التى تمت سرقتها ؟ أسأله ويجيب: »نسعى بجدية شديدة لاستعادة تلك الحشوات وربما ننجح فى استعادتها قبل أن تتم عملية الترميم لتعود لمكانها الطبيعى فى منبر المسجد عندما تكتمل عمليات الترميم».