"ماد ماكس" .. "المتوحش" .. "عصابات نيويورك" .. يبدو أن أفلام هوليوود لم تنفصل كثيرا عن الواقع الأمريكى بكل ما تحمله من عنف وأجواء العصابات والصراعات المسلحة. ولم تكن أحداث تكساس، التى شهدت معركة مسلحة بين عصابتين من راكبى الدراجات البخارية "الموتوسيكلات"، سوى مجرد انعكاس لحالة العنف وآفة البلطجة التى يعانى منها المجتمع الأمريكي. ففى خضم حالة الهرج والمرج التى تشهدها الساحة الأمريكية، كشف الرئيس باراك أوباما عن خطة مثيرة للجدل لخفض تسليح قوات الشرطة المحلية فى الولايات المختلفة بدعوى أن الشرطى المسلح يشبه "قوات الاحتلال" أكثر منه رجل أمن فى محاولة يائسة لنزع فتيل تهمة العنصرية التى وصمت قوات الشرطة الأمريكية أعقب تفاقم أحداث فيرجسون التى امتدت من ميريلاند إلى نيويورك ومختلف المدن والولاياتالأمريكية. والسؤال الآن هو : هل قرار أوباما بخفض تسليح الشرطة يتناسب مع مجتمع يعانى من حرب عصابات، أم أن هذا قرار سياسى لتعزيز فرص الديمقراطيين فى الانتخابات المرتقبة؟. لقد أصيب العالم خلال الأيام الماضية بحالة من الذهول لورود أنباء المواجهات المسلحة بين عصابتين من راكبى الدراجات البخارية فى منطقة "وامكو" بولاية تكساس، واضطرار الشرطة الأمريكية للتدخل لفض النزاع فى عملية أسفرت عن تسعة من أفراد العصابتين. فهناك حقيقة يغفلها الجميع وهى أن الإرهاب ليس التحدى الأمنى الوحيد الذى تواجهه الولاياتالمتحدة، ولكن هناك أنشطة إجرامية لا تقل خطورة عن الإرهاب. وفى هذا الإطار، لا يمكن تجاهل الانتهاكات الأمنية التى تعرض لها البيت الأبيض منذ بداية العام الحالي، وهو ما يعكس هشاشة غير مسبوقة فى إجراءات تأمين أهم مؤسسة سياسية فى الولاياتالمتحدة. وفى الوقت نفسه، لا يمكن الاستهانة بالاضطرابات وأعمال العنف التى تولدت عن العنصرية الدفينة فى المجتمع الأمريكي، والتى فشلت فى إخفاء أنيابها فى الآونة الأخيرة وأججت مشاعر كراهية حاول المجتمع التبرؤ منها على مدى عقود طويلة. ولكن الشرطة الأمريكية ليست المتهم الوحيد فى هذه الاضطرابات، فبمراجعة سريعة لوقائع مقتل مراهقين سود – أو من أصول إفريقية - على يد رجال شرطة من البيض، نجد أن الضحايا يعانون فى واقع الأمر من الفقر المدقع الناتج عن البطالة وما يصاحبه من سوء أحوال المعيشة بما لا يتناسب مع أكبر قوة فى العالم. فالحلم الأمريكى انهار بين طرقات فيرجسون، لتظهر حقيقة الظلم الاجتماعى الذى تعانى منه فئات بعينها من هذا المجتمع الرأسمالي. وفى هذه الحالة، لا يمكن قصر الاتهامات بالعنصرية على عناصر الشرطة ، فواجبهم التصدى للمجرمين، وإن كان اللجوء للعنف المفرط هو الاتهام الحقيقى المفترض توجيهه للشرطة الأمريكية التى غالبا ما تتشدق باحترام حقوق الإنسان فى التعامل مع العتقلين. أما تهمة العنصرية فيمكن توجيهها للنخبة السياسية، التى تكتفى بالتركيز على مطامعها بدون الالتفات لاحتياجات رجل الشارع العادى والأقل من العادي، كما يمكن توجيهها أيضا إلى العديد من مؤسسات الدولة الأمريكية، والتى تقاعست عن توصيل خدماتها للطبقات الدنيا من المجتمع، التى تعانى من نقص فى التعليم وفرص العمل والرعاية الصحية والعديد من الخدمات التى من المفترض أن تقدمها الدولة. إن توجيه اللوم للشرطة وحدها فى مواجهة أزمة العنصرية التى تعانى منها الولاياتالمتحدة فى الوقت الراهن ليس الحل الأمثل، فالأزمة لا تتعلق بخفض تسليح الشرطة أو تسريح عناصرها، ولكنها أكثر عمقا، فالمجتمع الأمريكى يحاول أن يخفى أمراضه المستعصية والتجمل باحترام الحقوق المدنية للمواطنين والمجرمين والأجانب والمهاجرين، ولكنه حقيقة يعجز عن تنفيذ أدنى الشعارات التى يرفعها ويطالب الدول الأخرى بالالتزام بها، فهو مجتمع يعانى من آفة العنف بكل أشكاله بين البيض والسود على حد السواء، ولذلك لجأت الدولة من قبل لتسليح الشرطة بشكل يسمح لها بالتصدى لما تواجهها من حرب عصابات، ولكن خفض تسليحها ربما يجعلها هى الأخرى تقف عاجزة فى مواجهة العنف السائد والذى يهدد المجتمع من داخله. ما تشهده أمريكا حاليا، سواء من أحداث عنصرية ضد السود، أو حروب العصابات على غرار حرب الموتوسيكلات الأخيرة، يؤكد أن الحالة الأمنية الأمريكية ليست على ما يرام، وأن المجتمع الأمريكى يعيش أجواء ما قبل الانفجار، والذى قد يحدث من خلال إرهاب أو عنصرية أو جريمة منظمة، ووقتها لن يكون ما سيحدث فى أمريكا ربيعا، بل قد يكون نهاية من الداخل لقوى عظمى طالما تحكمت فى العالم. فهل تأتى هذه النهاية؟