"ما من أحد يمكنه الانضمام إلى السيرك الذى نجحت فى تشكيله فى اللحظة الأخيرة"، هكذا تحدث اسحق هيرتسوج زعيم حزب العمل الإسرائيلى إلى بنيامين نيتانياهو عقب حصوله على ثقة الكنيست لحكومته الرابعة. ف"سيرك نيتانياهو" الجديد هو "سيرك الرجل الواحد"، حيث إن الحكومة الإسرائيلية الرابعة والثلاثين تقف على شفا حفرة فقدان ثقة نائب واحد فقط من أعضاء الائتلاف الهش فى الكنيست العشرين بأغلبية 61 نائباً فقط. إن نيتانياهو "بيبي" يدخل امتحاناً صعباً وضع أسئلته بنفسه عندما حول الانتخابات الأخيرة إلى ساحة للعنصرية واستعداء العرب فكانت النتيجة حصول أحزاب اليمين على الأغلبية واختفاء فرص تشكيل حكومة وحدة وطنية مع "المعسكر الصهيوني". فقد وضع نيتانياهو الأسئلة وقام بتسريبها -مثلما حدث للمرة الخامسة فى امتحانات الثانوية بإسرائيل- وجاءت النتيجة على هواه ولكن "بيبي" نسى وتغافل عن أن "العنقاء" فى الدولة العبرية هو أن تجد صديقاً وفياً بين أصحاب الذقون الحريدية وأبناء الملابس السوداء. هكذا سقط نيتانياهو فى "شبكة" الابتزازات المعقدة، فاضطر لمنح وزارة الاقتصاد لسجين سابق بتهمة الفساد هو أرييه درعى زعيم حزب "شاس" الحريدي. فكان إصرار درعى على منصب وزير الاقتصاد ليثبت للجميع أن قوة الحريديم الانتخابية والإنجابية تفوق قوة القانون مما جعل المستشار القانونى للحكومة الإسرائيلية من تداعيت أن يصبح سجين أدين بتهمة قبول رشاوى والاحتيال وخيانة الأمانة وظل خلف القضبان عامين كاملين وزيراً فى دولة تزعم احترام القانون. ولكن كانت إجابة "بيبي" هو أنه "ليس بيده حيلة" ففقدان "شاس" يعنى انهيار الائتلاف الحكومى وسقوط طموحه ليصبح رئيساً للوزراء للمرة الرابعة والثالثة على التوالي. وبعد أن تجاوز عقبة حقيبة السجين، تخبطت أقدام نيتانياهو بعد تهديد المتشدد الآخر نفتالى بينيت بعدم الانضمام للحكومة لتأمين الرقم الصعب (61 نائباً).. واضطر بيبى مجدداً للخضوع لابتزازات حزب "البيت اليهودي" الاستيطانى ويمنح الجميلة الجديدة فى السياسة العبرية النائبة إيليت شاكيدا حقيبة وزارة العدل.. فوريثة تسيبى ليفنى فى منصب "الوزيرة الحسناء" بحكومة تل أبيب هى نجمة صاعدة فى اليمين المتطرف تعادى مؤسسات القضاء فى إسرائيل وتطالب بتقليص صلاحيات المحكمة العليا (الدستورية) العلمانية وهى يمينية متطرفة يحبها المستوطنون المتشددون لصراحتها فى عداء الفلسطينيين التى وصلت إلى العنصرية القبيحة، حيث سبق ونشرت على صفحتها ب"فيسبوك" مقالاً وصفت فيه الفلسطينيين بأنهم «أفاع»، داعية إلى قتل أمهات منفذى الهجمات لتجنب "تربية أفاعى صغيرة". وأخيراً شكل نيتانياهو الحكومة بدون "حمائم" أو بالأحرى لم يجد "ورقة توت" تستر عورة حكومته أمام المجتمع الدولي. ففى الحكومة السابقة وجد "بيبي" ضالته فى تسيبى ليفنى التى تولت ملف المفاوضات مع الفلسطينيين وكانت الجسر الوحيد للتعامل مع عواصم العالم بصوت معتدل يطلق الكلمات حول استعداد إسرائيل لمد يد السلام بهدف ترضية الرأى العام العالمى الغاضب من جرائم الدولة الصهيونية ضد الفلسطينيين. وفى ظل عدم توافر "حمائم" فى الحكومة الإسرائيلية اضطر نيتانياهو إلى تكليف وزير الداخلية سيلفان شالوم بإجراء المفاوضات مع الفلسطينيين إلى جانب كونه مسئولاً عن الحوار الاستراتيجى مع الولاياتالمتحدة. وهو مشهد "فكاهي" جديد فى عرض "سيرك نيتانياهو"، حيث تعد سابقة أن يكون وزير الداخلية مسئولاً عن السلام!. و"بيبي" لم يترك شالوم وحيداً فعين له مساعداً فى المفاوضات هو اسحق مولخو. ولمن لا يعرف مولخو فهو الشخص الذى يقول عنه يائير لابيد زعيم "هناك مستقبل" انه "لم يكن بامكان ليفنى التحدث مع محاوريها الفلسطينيين دون أن يسعى مولخو جاهدا لضمان أن لا تصل الى شيء". ولكن ليحافظ نيتانياهو على استمرار "السيرك" عليه البحث عن "مهرج" أو بالأحرى "محلل" للإبقاء على الحكومة الائتلافية. فبيبى مازال يحافظ على الأمل فى الفكاك من براثن "الأخوة الأعداء" من معسكر اليمين المتشدد عبر جذب تحالف "المعسكر الصهيوني" للانضمام لحكومته فى وقت لاحق ولهذا احتفظ رئيس الوزراء الإسرائيلى بمنصب وزير الخارجية إلى جانب حقائب الاتصالات واحتفاظ صديقه إسرائيل كاتس بمنصب وزير الاتصالات إلى جانب حقيبة الاستخبارات بهدف توفير الحقائب الوزارية لانضمام الحليف الجديد من "المعسكر الصهيوني" أو حزب "هناك مستقبل" أو حتى استعادة أفيجدور ليبرمان. ولكن يبقى السؤال من من هؤلاء سيقبل لعب دور "المهرج" فى "سيرك بيبي"؟. الإجابة الأقرب للواقع هى أن الحكومة الإسرائيلية الجديدة ستظل على "حد السيف" بأغلبية الصوت الواحد داخل الكنيست. وهى الوضعية التى ستجعل نيتانياهو فى حالة قلق مستمرة تنتهى بانهيار الائتلاف اليمينى الهش أمام أول عاصفة تمر من فوق تل أبيب.