ما بين ملايين المرضى من محدودي الدخل وغير القادرين، الذين يترددون عليها طلباً للعلاج، أو لإجراء عملية جراحية.. ومابين قصور التمويل، وضعف الإمكانات المادية، تقف المستشفيات الجامعية حائرة!! وبالرغم من تلك التحديات، التي صنعتها الأزمات المالية، تظل المستشفيات الجامعية ملاذا للغلابة، والفقراء ، ممن يهربون من جحيم المستشفيات الخاصة، وجشع بعض الأطباء، بحثا عن مكان يوفر لهم خدمة طبية معقولة، فلا يجدون ضالتهم إلا في المستشفيات الجامعية، التي توفر لهم كفاءات طبية لعلاجهم ، وإن كانوا يتحملون بعض الأعباء المالية، كشراء الدواء، وبعض مستلزمات العلاج.. ففيها «العين بصيرة والإيد قصيرة»!!ا أحد ينكر الدور المهم الذى تقوم به المستشفيات الجامعية فى خدمة المرضي، سواء من ناحية تلقى الخدمة الطبية بالأقسام المختلفة، أو فى غرف العمليات الجراحية، أوغرف الرعايات المركزة، التى ترحم المرضى من المستشفيات الخاصة ، والتى تتعدى تكاليف العلاج بها آلاف الجنيهات.. ولكن إذا كانت هذه المستشفيات تلعب هذا الدور الإيجابى والمهم فى علاج غير القادرين، ومحدودى الدخل، عبر أطبائها، وطواقم تمريضها، فإنها أيضا على حد قول محمود محمد- الذى تتلقى والدته العلاج فى غرفة الرعاية المركزة بأحد المستشفيات الجامعية- تحمل أهالى المرضى بتكاليف يومية، متمثلة فى شراء الأدوية يوميا من الصيدليات الخارجية من خارج المستشفي، التى تتراوح قيمتها بين 150 و200 جنيه يوميا، وهو أمر لا يستطيع تحمل أعبائه أهالى المرضي، خاصة أنهم من غير القادرين أو محدودى الدخل. ولا يمثل محمود محمد ، حالة فريدة فى ذلك المستشفى الجامعي، إذ يتلقى أهالى المرضى فى غرفة الرعاية المركزة بيانا بالأدوية المطلوبة يوميا ، بعد مرور الأطباء، وفحص المرضي، ومتابعة حالاتهم، لشرائها على نفقتهم الخاصة، لكنهم يؤكدون أن المستشفى الجامعى أرحم كثيرا من المستشفيات الخاصة، التى تطلب ما بين 3 آلاف وحتى 5 آلاف جنيه يوميا، نظير يوم واحد للمريض فى غرفة الرعاية المركزة. كشف حساب وبالرغم من ضعف التمويل، فإن المستشفيات الجامعية على حد قول الدكتور السيد عبد الخالق وزير التعليم العالى - تعالج 50% من المرضى ، وتقوم بإجراء العمليات الجراحية لأكثر من 80 % منهم، بينما يبلغ حجم الإنفاق عليها نحو 8 مليارات جنيه، مؤكدا أن القيادة السياسية تولى اهتماما كبيرا لعملية تطوير المستشفيات الجامعية، لما له من أثر فى النهوض بالمنظومة الصحية بصفة عامة، كما أن الدولة لا تبخل على المستشفيات ، وتقدم الدعم اللازم لها، وتطويرها يمثل هدفا يتفق عليه الجميع، تضم المستشفيات الجامعية كما يقول الدكتور خالد عبد البارى مستشار وزير التعليم العالى للمستشفيات- نحو 16800 عضو هيئة تدريس و6987 معيدا ومدرسا مساعدا، و88 مستشفى ومليونى مريض طوارئ، و28958 سريرا، بالإضافة إلى 3 آلاف سريرعناية مركزة، ويتردد عليها نحو 16 مليون مريض، كما تضم 4291 طبيبا مقيما، وتسهم بنحو 40% من الخدمات الطبية، وتضطلع بتدريب طلاب القطاع الطبي، كما أسهمت فى الحصول على 40 ألف دبلوم ، وماجستير ، ودكتوراه من القطاع الطبي، بالإضافة إلى الأبحاث العلمية، وتقدم 75% من خدمات المستوى الثالث، إلى جانب 60 ألف عملية جراحية كبري، و ذات مهارة خاصة متقدمة. سألناه: ما أبرز التحديات التى تواجه المستشفيات الجامعية؟ مستشار وزير التعليم العالى للمستشفيات: هناك تحديات كثيرة، من أبرزها التحديات الإدارية والهيكلية( الحوكمة)، وتتمثل فى عدم وجود توجه استراتيجى لمجلس إدارة المستشفيات، وكثرة عدد أعضاء مجلس الإدارة، وأغلبهم من أعضاء هيئة التدريس، ومحدودية صلاحيات مديرى المستشفيات فى اتخاذ القرار بسبب البيروقراطية، وضعف جودة الخدمة العلاجية المقدمة للمريض، بسبب عدم حضور أعضاء هيئة التدريس، وهو ما أدى الى عدم تلقى الأطباء المقيمين التدريب اللازم، وعدم التعاون مع بقية المنظومة الصحية، وكانت نتيجة ذلك تكدس المستشفيات الجامعية بالمرضي. نأتى إلى التحدى الثاني، والمتعلق بالأداء المالي، وهنا يؤكد الدكتور خالد عبد البارى - عدم التوازن فى توزيع واستخدام الموارد، بسبب بنود الموازنة ونقص المعلومات المتعلقة بتحديد الإنفاق الفعلي، فضلا عن انخفاض الرواتب بصورة لا تسمح باستقطاب المواهب والكفاءات، يضاف إلى ذلك محدودية الموارد المالية، إذ إن معظم التبرعات عينية، كذلك نقص الموارد اللازمة لمواكبة منظومة الإدارة الحديثة، والخدمات الطبية الشاملة، إلى جانب معوقات قانونية إجرائية متمثلة فى القانون رقم 89، وتأشيرة الموازنة، وقرارات حظر شراء المنتج الأجنبي. ينتقل الدكتور خالد عبد البارى مستشار وزير التعليم العالى للمستشفيات ، للحديث عن التحدى الثالث، والمتعلق بالموارد البشرية، إذ تعانى هذه المستشفيات نقصا فى الكوادر المدربة تدريبا حديثا، والحاجة إلى استحداث وظائف، التى تصطدم بمشكلة التعيين، والعقود، مؤكدا أن التحدى الرابع يتمثل فى نقص المعلومات المتوافرة لمتخذى القرار، وعدم وجود إدارة مناسبة لمتابعة الأداء ، ونظم المعلومات. مشروع شامل للتطوير وأمام هذه التحديات، طرحت وزارة التعليم العالى بالتعاون مع وزارة التنمية الإدارية، مشروعا شاملا لتطوير وإعادة هيكلة 77 مستشفى جامعيا فى 17 جامعة مصرية خلال الفترة من عام 2008 وحتى عام 2011، حيث تم تشخيص ودراسة الحلول المقترحة طبقاً للمعايير الدولية المعمول بها فى مراكز تقديم الخدمة الطبية المتقدمة فى العالم، حيث قام مشروع التطوير على 3 محاور رئيسية تتضمن حوكمة المستشفيات، والرعاية الطبية، والنظام المالى والمحاسبي، بهدف ربط كل مستشفى جامعى بنحو 5 مستشفيات تابعة لوزارة الصحة، فى محيطها الإقليمي، وانتداب أعضاء هيئة التدريس للإشراف الفنى على مستشفيات الوزارة، وتدريب العاملين بها فى المستشفيات الجامعية، لرفع كفاءة مستشفيات وزارة الصحة، وزيادة إقبال المرضى عليها، ورفع نسب الإشغال بها، وتم الانتهاء من المرحلة الأولى من المشروع، والتى تضمنت دراسة تفصيلية متعمقة لنحو 3 مستشفيات جامعية هي: القاهرة ، وأسيوط، والمنصورة، كما تم إجراء دراسة تحليلية لبقية المستشفيات الجامعية، ولكن.. تم تجميد مشروع التطوير لمدة عامين، وبناء على تكليف وزير التعليم العالى تم إحياؤه مرة أخري، وسط قناعة كاملة لدى كافة الأطراف المتخصصة، والمعنية ، والمهتمة بتطوير المستشفيات الجامعية ، بحتمية تطويرها، وتحسين مستوى جودة الخدمة الطبية بها، وصدرت لائحة للمستشفيات الجامعية بدلا من اللائحة القديمة رقم 3300 والصادرة فى عام 1965،وتشكيل مجلس أعلى للمستشفيات الجامعية،بحيث يكون لجميع المستشفيات بكل جامعة مجلس أمناء واحد يراعى فى تشكيله جميع العناصر من المستفيدين من خدمات المستشفيات والقائمين عليها لمدة 3 سنوات، وهو السلطة المهيمنة على شئونها وتصريف أمورها ، والتعاقد مع أعضاء هيئة التدريس ومعاونيهم ، لضمان وجودهم بالمستشفيات على مدى 24 ساعة. أما القوة البشرية فقد تقرر التعاقد مع أعضاء هيئة التدريس ومعاونيهم ، والاستعانة بأطباء مقيمين من أوائل خريجى كلية الطب، بالتعاقد لمدة 5 سنوات، أما مشكلة التمريض فقد تقرر التغلب عليها من خلال منع التسرب من الوظيفة، وزيادة أعداد الخريجين، وكذلك زيادة الأعداد المكلفة من وزارة الصحة، وإنشاء مدرسة لتخريج مساعدى الخدمات الطبية، ورفع كفاءة طواقم التمريض من خلال دورات تدريبية متخصصة. ومن الناحية المالية، فقد تقرر إنشاء وحدة لتنمية الموارد المالية، وتفعيل الأكواد الخاصة بالطوارئ بالتعاون مع وزارة الصحة، والتسويق الجيد للخدمات المتميزة بالمستشفيات، والتنسيق مع التأمين الصحي، وبروتوكولات واضحة للعلاج ، واستخدام التكنولوجيات الحديثة فى مراكز الأشعة والمعامل، ووضع مواصفات دقيقة وموحدة، لمواصفات الأجهزة والأدوية، والمستلزمات الطبية وتحديثها سنويا، وتعديل بعض القوانين واللوائح بما يصب فى مصلحة تطوير وتحديث أداء هذه المستشفيات. أزمة تمريض ولا يمكن الحديث عن المستشفيات الجامعية، دون المرور على مستشفى قصر العيني، ، فهو- كما يقول الدكتور شريف ناصح أمين مدير عام مستشفيات جامعة القاهرة- الذى يعد من أكبر المستشفيات على مستوى العالم، إن لم يكن أكبرها على الإطلاق، حيث يضم 5400 سرير، و600 سرير للحالات الحرجة، و85 غرفة عمليات تعمل بشكل يومي، كما يخدم مليونى مريض فى العيادات الخارجية سنويا، بينما بلغ عدد مرضى الطوارئ نحو 418 ألف مريض العام الماضي، وتقرر رفع كفاءة مستشفى الطوارئ الجديد من 45 سريرا إلى 300 سرير، وبالرغم من الجهود المبذولة لتقديم خدمة طبية لملايين المرضى سنويا، فإن هناك طاقات معطلة داخل مستشفيات الجامعة، كما أن نحو ثلث غرف الرعايات مغلق بسبب نقص التمريض، إذ يتم تخريج 135 ممرضا سنويا فقط، وهناك مبنى جديد لتخريج 600 مريض سنويا، ولكن ذلك لن يحدث قبل 3 سنوات من الآن، مما يعكس أزمة حقيقية فى عدم القدرة على حل أزمة التعيينات والتمريض والعمالة لعدم وجود درجات وظيفية، وبالرغم من هذه التحديات ، فإن لدينا خطة لتطوير مستشفى المنيل الجامعى الشهير ب « قصر العيني» إلى 6 مستشفيات رئيسية متخصصة، وكذلك ، إنشاء مستشفى الطوارئ الجديد، والتعاون مع صندوق التنمية السعودى لتنفيذ المرحلة الثالثة منه، ومحاولة التغلب على أزمة التمريض بالجهود الذاتية. سألناه: هل يكفى التمويل الرسمى لتلبية الاحتياجات الطبية والفنية؟ فأجاب: التمويل يكفى 50% فقط من الالتزامات، حيث زادت الاحتياجات عن ذى قبل، ويتم تدبير 50% أخرى من التبرعات والجمعيات الخيرية، كما يتبرع العديد من أعضاء هيئة التدريس بكلية طب القاهرة بأموال زكاتهم للمستشفي، ونعمل على تنمية موارد قصر العيني، من خلال العلاج الاقتصادي، وقرارات العلاج على نفقة الدولة والتأمين الصحي، ومن غير المعقول أن نترك الأعباء المالية بالكامل على الحكومة، فى ظل التحديات التى تواجهها البلاد، وإنما نسعى للبحث عن موارد أخرى لسد العجز فى موازنة المستشفي، ولدينا لجنة لتنمية الموارد تقوم بإعداد قائمة الاحتياجات لكل قسم, من مستلزمات وأجهزة, ويتم تقديمها لمن يطلبها من أهل الخير، لكن بشكل عام يجب تغيير ثقافة الموظف، من اجل تحسين الخدمة فى اى مجال، بحيث لا يكون همه الحضور فقط لعدة ساعات، دون أن يقدم إنجازا يذكر، ولا يليق بنا ونحن نؤسس لمصر الجديدة- أن تكون هذه الثقافة سائدة بين الموظفين والعاملين بالجهاز الإدارى للدولة.