تدخل الرئيس عبدالفتاح السيسى، لانقاذ الوفد من متاهة المشاحنات والانقسامات، إن اخضعنا مبادرته لمعيار مراعاة دقة وحساسية الظرف الوطنى الراهن فإنها محمودة ومشكورة بحكم أن الحزب يمثل عمودا اساسيا من اعمدة الذاكرة السياسية الوطنية ومن مصلحة البلد المحافظة عليه متماسكا مترابطا. قبلها بأيام قليلة تدخل بصورة غير مباشرة، لإنهاء اضراب طيارى شركة مصر للطيران، ويوم الجمعة الماضى استغاث مذيع شهير بالسيسى طالبا منه التدخل لأن جهة سيادية - على حد قوله - اوقفت برنامجا لمذيعة معروفة بالمشاكسة والنقد اللاذع، وتفضل دائما الوقوف على يسار النظام - اى نظام- ما سبق عينة صغيرة لما آلت إليه حال رئيسنا الذى يكافح لتجديد شباب وحيوية المحروسة، فلا اجد منطقا ولا مبررا فى أن يصبح الرئيس هو المنوط دون غيره بمهمة إطفاء الحرائق المشتعلة هنا وهناك - بعضها بفعل فاعل - ووضع مزيد من الاثقال على اكتافه، فهذا ليس دوره، ويشكل اهدارا واستنزافا لجهوده الواجب ادخارها لمواجهة اعباء جسيمة والعثور على حلول سريعة ناجحة لما نكابده من مصاعب ومشاق، فالمواطن يتوق لرؤية نتائج واقعية ملموسة تحيى الأمل داخله، وتطرد الوساوس والاحباطات الزاحفة ناحية الكثيرين. فالتدخل الرئاسى ورغم نبل مقاصده واهدافه يشجع على بقاء الوضع على ما هو عليه فى مجتمعنا الذى يحبذ القاء الكرة فى ملعب غيره، والدوران فى دائرة مفرغة، وشيوع مبدأ الاستسهال ارتكانا إلى أن هناك من سيهب عند تأزم الأمور لاعادتها للطريق القويم واعطائها مسكنات تخفف من الألم فقط، النتيجة المتوقعة لهذه الثقافة العقيمة البالية ستكون كف الأحزاب عن تطوير قدراتها الذاتية على تسوية صراعاتها وأزماتها، مهما تكن حدتها وتعقيداتها، والانخراط فى معارك هامشية لا طائل من ورائها. ومما يؤسف له أن أحزابنا - على كثرتها العددية - لم تقف وقفة حقيقية مع الذات تراجع فيها اخطاءها وما تمكنت من تحقيقه وما فشلت فيه وخططها المستقبلية، ولم تكن لديها شجاعة الاعتراف بأنها ظواهر صوتية تحدث صخبا لا ينقطع فى الفضائيات وعلى صفحات جرائد تصدرها، أو من خلال الصحافة الخاصة، لكنها بدون ارضية بين الناس ولا رؤية يعتد بها على الاقل من طرف الطامحين لاقامة نظام سياسى قواعده صلبة لا تهتز بسهولة لدى مرور نسمة هواء خفيفة. وإن فكرت فى توجيه تساؤلات لتلك الأحزاب عن أنشطتها إبان الأشهر المنصرمة فى محافظاتنا ومدننا الممتدة بطول البلاد وعرضها، وكم عدد المنضمين لعضويتها، وما إذا كانت قد اعدت كوادر وقيادات تستطيع الابحار بسفينتها إلى بر السلامة والامان فى حالة استبعاد قادتها بدون حدوث هزات وانشقاقات وانهيارات؟ فحزب العمال البريطانى هزم فى الانتخابات البرلمانية أخيرا واستقالت قياداته لتحملها مسئولية الهزيمة، وحل مكانها جيل جديد من السياسيين سبق إعدادهم وتجهيزهم، فخلاياه - حزب العمال - متجددة ولديه الآليات اللازمة للفرز والاختيار، ففلان يصلح أن يكون رئيسا للوزراء، وزميله وزيرا للمالية وهكذا، فنحن إزاء نظام معلوم بدايته ونهايته وفرص نجاحه من عدمه، حاول تطبيق هذا عندنا واخبرنى بالحصيلة. فبالله عليك هل ضبطت يوما حزبا أو قوة سياسية قدمت لنا كمواطنين مشروعا متكاملا لتحسين مستوى الخدمات الصحية، والتعليمية، والنظافة، والمرور، والزراعة، والتخطيط العمراني، وتعظيم الاستفادة من ثروتنا البشرية الثرية. بالتأكيد ستصدمك وستصعقك الاجابات ،لأنها لن تخرج عن النفى وتقديم اعذار تبرر بها قلة وانعدام رصيدها الشعبي، ويدهشنى حقا كيف أن العديد من قوانا السياسية والحزبية لا تقدر على معالجة جروحها وعللها ثم تقول إنها تسعى لتولى السلطة! كيف يتأتى لها ذلك وهى عاجزة عن علاج مشكلاتها البسيطة إن لم نقل التافهة مقارنة بمعضلات وهموم الوطن المعقدة والمتشعبة، فالأحزاب نتاج للمجتمع، فمجتمعنا يتجنب المكاشفة وعدم مواجهة جذور المشكلة، وللتأكد ما عليك سوى التجول بين دفات الاعداد القديمة من صحفنا ومجلاتنا فى الثلاثينيات والاربعينيات من القرن الماضى لتكتشف أنهم كانوا يتكلمون ويشتكون مر الشكوى من نفس المشكلات، مثل القمامة المتكدسة فى الشوارع، وغلاء الأسعار، ووزن رغيف العيش وما به من حشرات ومسامير وخلافه، وعدم قيام المحليات بأدوارها المنتظرة، ودفع رشاوى لانجاز المعاملات والأوراق الرسمية، وبؤس أوضاع العاملين فى الجهاز الحكومي، فما الذى تغير ؟ لا شىء ياسيدى الفاضل وهو ما يوضح تأخرنا عن مسيرات التقدم ونجاح جيران لنا فى القفز للامام بينما مازالنا نراوح مكاننا ونبكى على اطلال الماضى الغابر، فالتراكم شرط حيوى للتقدم واستمراره وهو ما لا يتوافر لنا للأسف الشديد. يوضح أيضا افتقادنا للكفاءات والكوادر المبدعة - نقطة ضعفنا - نظرا لعدم وجود بيئة تحتضنها وتساعد على تنميتها ورعايتها، وسيحزنك مطالعة خبر نشر قبل أسبوع تقريبا عن أن محافظة القاهرة تبحث الاستعانة برؤساء احياء بنظام التعاقد بعدما شق عليها ايجاد من ينفع لاسناد المنصب إليه، وما تجربة التعديل الوزارى عنا ببعيدة، فقد استغرق وقتا بسبب قلة عدد الصالحين لشغل حقيبة وزارية أو محافظ. ياسادة نريد مواطنا واعيا، وأحزابا واعية مدركة لمهامها ومسئولياتها، ومجتمعا ناضجا واثقا من نفسه وقدراته ومستعدا للمصارحة بالعيوب والخطايا ووجوب التعامل معها من جذورها وليس من اعراضها الجانبية، حينئذ سيتبدل وضع مصر وستصبح درة التاج فعلا لا قولا. لمزيد من مقالات محمد إبراهيم الدسوقي