قال لي صاحبي وهو يحاورني: يا عزيزي انزل من برجك العاجي الذي تعيش فيه والذي تحيط نفسك فيه بأفلام زمان التي تضحك طوب الأرض.. وتعلي كلمة الخير والحق والجمال والفضيلة.. ومن حولك كتب وأشعار وحكاوي فلاسفة الزمان الغابر الذين يرفعون راية الحق والخير والعدل والجمال..، والدنيا من حولك تضرب تقلب.. لو تنازلت ومشيت بس في الشارع.. أي شارع فسوف تجد كمدا وسوف تلاقي نكدا وتكشيرا علي الوجوه وتبويزا علي الشفاة.. وماحدش طايق الثاني. قلت له: انت تمزح يا عم شلاطة.. وليس هذا اسمه.. ولكنه الاسم الذي كلما أردت أن أغيظه ناديته به.. انت عاوز تزود هم الناس.. كفاية عليهم اللي هما فيه أهم صابرين ومايشين حامدين ربنا وشاكرين فضله.. وبكره يحلها الحلال! قال لي: سيبك يا عم من أفلام زمان الأبيض والأسود.. أيام العز والفخفخة والضحك للركب.. قال إيه أفلام تدعو للفضيلة والأخلاق الحميدة وشرف البنت زي عود الكبريت ما بيولعش إلا مرة واحدة اللي قالها فنان الشعب يوسف بك وهبي زمان.. وحاجات كتير لم يعد لها وجود يا عزيزي في عصر سهر البنات علي الكافيهات ولبس البنطلونات المحزقة الملزقة.. وما بقاش فيه فرق كبير ما بين بنت بولاق وبنت الزمالك.. كله ساح علي كله.. قلت له: عاوز تقول إيه من الأول؟ قال: أنا لا ح أقول ولا ح أعيد.. تعالي معايا بس دلوقتي.. وتشوف بعينك.. وتسمع بودانك! وأمسك بيدي وأنا أتبعه كظله.. حتي وصلنا إلي الشارع العام وقال لي: شوف بس الناس اللي واقفة علي محطة الأتوبيس واتفرج وقوللي شفت إيه؟ تأملت وتكدرت وتألمت وقلت له: إيه اللي أنا شايفه ده.. رجالة مبوزة وستات بوزها »أربع تشبار«.. ووجوه صفراء كأنها مصابة بالملاريا.. الكل حاطط تكشيرة علي وشه.. كان معلقها علي الحيطة في بيتهم وهو نازل مراته ندهت عليه وقالتله: يا سيد الرجالة.. ما تنساش والنبي تاخد التكشيرة بتاعتك اللي معلقة علي الشماعة وتحطها علي وشك وانت نازل! والذي أحزنني أكثر وأكثر أن أجد شبابا صغيرا في عمر الزهور.. أصفر الوجه زائغ البصر.. وبنات مكتئبة بلا سبب.. وستات متكدرة لألف سبب وسبب.. نازلة تجري علي أكل عيشها.. وموظفات وعاملات لم يضعن علي وجوههن أي بودرة أو مساحيق تعمدا أو نسيانا.. والهدوم اللي لابسينها أجارك الله بنطلون أجرب محزق لا يخفي كروشا أو أردافا.. والطرحة بلا لون فوق الرأس.. ولا يمنع أن تجد ولدا بزعبوط أو شابا قد وضع علي شعره برطمانا من الجيلي الأبيض.. لم أسمع ولا ضحكة واحدة.. ولا تعليقا ظريفا من بتوع زمان.. والباعة المتجولين يزاحمون الواقفين ببضاعتهم المرصوصة علي الرصيف وفي وسط نهر الشارع بلا خوف وبلا حياء.. وبنات وأطفال لم تتعد أعمارهم العاشرة يلبسون من غير هدوم.. وبنات وستات ناكشات الشعور يعرضن أي شيء أو يسألن الواقفين والواقفات إحسانا برذالة وإصرار وتلامة وقلة أدب إذا لزم الأمر! ....................... ......................، يمسك صاحبي ذراعي ويهزني هزا وهو يقول لي: شفت الناس اللي علي محطة الأتوبيس والمترو كمان لو عاوز.. قرفانين إزاي وآخر نكد.. راحت فين ضحكة المصريين وقفشاتهم.. قلت له: والله عندك حق.. لقد وحشتنا عبارة: سمعت آخر نكتة.. لم نعد نسمعها في أي مكان لا في الشارع ولا في العمل ولا في الأتوبيس أو القطار أو المترو.. الناس بطلت تضحك! قلت له: الأصح أنك تقول الناس نسيت الضحك! قال مازحا محاولا تغيير دفة هذا الحوار النكدي: تحب تسمع آخر نكتة؟ قلت له: والله وحشتنا النكت العزيزة بتاعة زمان! قال: واحد حرامي بيقول لأمه: الدنيا خلاص ما بقاش فيها خير؟ قالت له أمه: ليه فيه إيه؟ قال: رحت أسرق محفظة أبويا.. لقيت محفظتي معاه! ولأننا مازلنا وقوفا علي محطة الأتوبيس أمام الشهر العقاري في شارع رمسيس.. فقد آثار حديثنا عن النكت والنكد وهما نقيضان لا يلتقيان أبدا.. سيدة كانت تقف علي محطة الأتوبيس وتسمع فيما يبدو حديثنا من البداية.. لتتدخل بقولها: معلهش أنا آسفة لتطفلي.. أنا موظفة رايحة شغلي.. لكن مادام الأمر قد دخل في سيرة النكت التي اختفت بفعل فاعل من حياتنا.. تسمحولي أقولكم آخر نكتة لسه سامعاها من واحدة صاحبتي الروح بالروح امبارح بالليل! قلنا لها في صوت واحد وبأدب شديد: اتفضلي قولي حضرتك. أصل الضحك في الزمن ده بقي زي العملة الصعبة لازم يدخلوه البورصة! قالت: واحدة بتقول لأمها: أنا جوزي اتأخر النهاردة كتير.. خايفة يا ماما يكون اتجوز عليا! قالت لها: الشر بره وبعيد اتجوز عليكي دا إيه.. استبشري خير.. تلاقي دهسته عربية واللا حاجة! ....................... ....................... قال لي صديقي اللدود.. وهي كلمة تعني أننا أصدقاء منذ أيام الصبا والشباب وحتي وقتنا هذا.. وهو يحاورني: ها أنت قد شاهدت بعينيك وسمعت بأذنيك ما يؤيد كلامي.. من أن الناس آخر تعب وآخر زهق وآخر نكد.. وعندهم حق ولديهم عذرهم! أسأله: إزاي يا جميل المحيا؟ قال: معلهش سوف تعذرني في النهاية إذا حضرتك علمت أنه في عالم السعادة والسرور والحبور وحسبما جاء في آخر تقرير عالمي عن السعادة عند شعوب الكرة الأرضية.. في عامنا هذا.. يعني عام 2015.. وهذا التقرير العالمي هو النسخة السنوية الثالثة من مؤشر السعادة الذي يستند لاستطلاعات الرأي العام التي أجرتها وكالة جالوب.. تحت الإشراف المباشر للأمم المتحدة.. هل تريد أن تعرف ماذا يقول تقرير سعادة شعوب الأرض لعام 2015؟ قلت له: كلي ومعي أهل مصر كلهم آذان صاغية؟ قال: يقول تقرير السعادة بالحروف والأرقام إن مصر الآن تحتل المقعد رقم 135 في قائمة السعادة التي تشمل 158 دولة! سألته: ومن هي الدولة التي يرتع شعبها في أجواء السعادة وطلعت الأولي علي العالم كله؟ قال: بلد اسمه سويسرا.. قلت: بلد الشيكولاتة والساعات والبحيرات الساحرة وفيلم الطيور المرعب لألفريد هتشكوك؟ قال: نعم. قلت: طيب ومصر؟ قال: في المقعد رقم 135 بين 158 دولة! أسأله: طيب وعدوتنا اللدود اللي اسمها إسرائيل؟ قال: للأسف تجلس في المقعد رقم 11 والأولي علي دول الشرق الأوسط الذي صنعه الأمريكان! أسأله: طيب ما هي أسباب سعادة دول وتعاسة دول أخري؟ قال: مقياس السعادة هنا يحسبونه ليس بالفرفشة والضحك وعدد النكت.. وجلسات الأنس والفرفشة.. ولكنهم يحسبونه بأربعة أشياء: 1 نصيب الفرد من الناتج المحلي. 2 معدل الأعمار. 3 مستويات الفساد. 4 الحريات الاجتماعية. ......................... ......................... ولكي نعرف ونفهم.. لماذا أصبحنا في المقعد رقم 135 في باقة السعادة التي تجمع 158 شعبا علي مستوي العالم كله؟ لم أسأل بالطبع أساتذة في الاقتصاد والسياسة والمجتمع.. لأنهم سوف يدخلوننا في أضابير نظريات سياسية واقتصادية واجتماعية لن توصلنا إلي الشط الثاني أبدا.. ولم أسأل رجالات الحكم وساسة البلد والذين يمسكون زمام الأمور ويتحكمون في حنفيات الأكل والشرب والوظيفة والأسعار وفواتير الغاز والكهرباء من وزراء ومحافظين ومنظرين سياسيين واقتصاديين واجتماعيين.. وقلت في نفسي بالبلدي كده: يا واد مفيش قدامك إلا الناس أنفسهم فهم الذين يعانون.. وهم الذين يتلقون صباحا ومساء صدمات الغلاء والبطالة وانقطاع الكهرباء.. وهم الذين يدفعون فواتير كل شيء بدءا من »الهم المم« وحتي دخول العروسة علي العريس والجري للمتاعيس.. ويحملون فوق ظهورهم هم العيل من ساعة ولادته وحتي دخوله المدرسة.. وحتي حصوله علي الوظيفة المناسبة.. ثم في النهاية دخوله مع عروسه »بيت العدل«.. بنصب العين والدال وسكون اللام! ماذا يا تري قالوا لنا؟ وماذا قلنا نحن لهم؟ .................... .................... كان السؤال الحائر الذي حلق به في سمائنا »غراب البين«: لماذا اختت البسمة من فوق شفاهنا؟ وإلي أين ذهب عصر النكات؟ ولكي نعرف لماذا أصبحنا شعبا لا يضحك وكنا نضحك »طوب الأرض«.. بل نضحك ونسخر من أنفسنا قبل أن نضحك ونسخر من الآخرين.. أرسلت فريقا من الصحفيين الشباب والصحفيات الشابات المتدربات إلي كل طوائف خلق الله في بلدنا يسألون سؤالا واحدا هو: لماذا اختفت الضحكات من فوق وجوه الناس؟ وأين ذهب السؤال التقليدي: سمعت آخر نكتة؟ ولماذا أصبحنا الدولة رقم 135 من 158 دولة في قائمة السعادة في العالم كله.. تسبقنا حتي شعوب موريتانيا والرأس الأخضر والسودان وليبيا التي يقتلون بعضهم بعضا.. بعد أن كنا حتي في أيام عمنا قراقوش أسعد الناس وأظرف خلق الله؟ وقد جاء فريق المتدربات والمتدربين بهذه الأسباب.. أسباب النكد الأزلي والامتناع عن الضحك وإطلاق النكات: 1 انخفاض قيمة الجنيه المصري.. حتي أصبح السبعة أو الثمانية منه بدولار.. بعد أن كان في أفلام إسماعيل ياسين الأبيض والأسود يساوي ريال يعني الجنيه كان يساوي خمسة دولارات.. تصوروا! 2 ارتفاع نسبة الفقر بين الناس حتي أصبح نحو 42% من الشعب المصري تحت خط الفقر.. وربما أكثر! قال صاحبى: ماتنساش ان الرئيس السيسى قال في حديثه الشهري للشعب انه حول 500 مليون جنيه من صندوق تحيا مصر لتحسين حال القرى الفقيره دقه! 3 الشباب المتعطل في العمل في بلدنا طال طابورهم واستطال حتي أصبح يوازي نحو 13% من الشباب الآن يقف عند شجرة الأمل.. بلا عمل! 4 ماذا يفعل رب أسرة مكونة من سبعة أفراد ليطعم أسرته وكيلو البامية أصبح ب 25 جنيها وكيلو اللحم فوق الثمانين جنيها.. تصوروا! 5 مسلسل الانحدار الأخلاقي والسوقية وقلة الأدب والعري الفاضح والدعوة إلي الفجور وعظائم الأمور.. أصبحت علامة من علامات الأفلام المصرية والمسلسلات التي تدخل غرف نوم المصريين.. ولا خشاء ولا رادع! 6 انحدار مستوي التعليم.. حتي إن طالب الإعدادي أصبح لا يعرف كيف يكتب موضوع إنشاء.. ولا يعرف اسم زعماء مصر.. ولا ملوك مصر العظام ولا حتي من بني الهرم الأكبر! 7 الدروس الخصوصية قضت تماما علي التعليم في المدارس.. والدور الأآن علي الجامعات.. ولسه! 8 بلد بلا مجلس نواب.. بلد بلا تشريع.. بلد بلا رقابة شعبية.. بلا قانون.. لابد أن تجري انتخابات مجلس النواب قبل نهاية هذا العام حتي نعرف راسنا من رجلينا ويستقيم ميزان العدالة والقانون والتشريع والحريات.. ويعرف كل واحد راسه من رجليه! 9 اسألوا عن انتشار المخدرات من ترامادول إلي بانجو إلي كوكايين إلي هيروين إلي حشيش لتعرفوا سر انتشار الجرائم الغريبة وخصوصا جرائم الاغتصاب.. التي تعيشها مصر الآن.. أم تقتل أطفالها من أجل عشيقها! وأب يعتدي علي ابنته وينجب منها سفاحا! وحدث ولا حرج عن حوادث الاغتصاب في مدارس الأطفال ودور الأيتام.. وانتشار عصابات خطف الأطفال لطلب الفدية..
وكفاية كده النهادرة.. سمعت آخر نكتة!{ Email:[email protected] لمزيد من مقالات عزت السعدنى