من أهم التقارير التى أصدرتها منظمة السياحة العالمية.. كان تقريرها حول العلاقة بين السياحة والطيران الذى أكد فيه خبراء المنظمة أهمية التعاون بين السياحة وشركات الطيران والمطارات من منطلق أن كلا منهما يساعد على رفع مستوى الآخر.. بل إن التقرير ذهب إلى أكثر من ذلك حينما قال إن النمو فى صناعة السياحة لم يكن يحدث لولا التوسع والابتكار الذى شهدته بالتوازى صناعة الطيران العالمية خاصة أن الأرقام تشير إلى أن نصف حركة النقل الجوى هى المسئولة عن أكثر من نصف حركة التنقل للسائحين عبر دول العالم المختلفة. ومن المثير للاعجاب فى مقدمة هذا التقرير هو اعتراف منظمة السياحة العالمية بأن صناعة السياحة مدينة بالفضل لحركة النقل الجوى فى النمو والازدهار الذى حققته السياحة العالمية والتى تخطت أكثر من مليار سائح منذ عامين وتحديدا فى 2012 بعد أن كان الرقم لا يتعدى 25 مليون سائح فى عام .1950 مما سبق تتضح أهمية الطيران للسياحة.. فلا سياحة بدون طيران تقريبا.. نقصد سياحة الملايين التى تتحرك فى العالم حاليا.. ومن هنا لا يتوقف الحديث قى قطاع السياحة عن الطيران سواء فى مصر أو العالم. وفى مصر تحديدا يزداد الحديث من وقت إلى آخر عن مسئولية قطاع الطيران عن زيادة أعداد السائحين أو عن تطوير المطارات وعن قضايا الطيران مثل السماوات المفتوحة.. بل إن البعض يخلط بين زيادة السياحة ومسئولية الشركة الوطنية «مصر للطيران» عن ذلك.. وهو قول «مغلوط» سنشرحه فى السطور التالية خاصة أن البعض يقارن أسطول الشركة وامكاناتها بشركات وطنية أخرى فى المنطقة فى مقارنة ظالمة مثل الامارات والقطرية والسعودية وصولا إلى الخطوط التركية. والحقيقة التى لا نمل من تكرارها أن هذه الشركات تقف وراءها حكوماتها بالدعم المادى بينما مصر للطيران تعتبرها الحكومة شركة اقتصادية مستقلة تمول نفسها ذاتيا وهو ما يحد من قدرتها على التحدى والمنافسة أو التفوق على هذه الشركات وإن كانت فى ظل ظروفها مازالت متماسكة رغم ما مرت به منذ ثورة يناير وحتى الآن من انخفاض حركة الركاب العادية أو السائحين إلى مصر. وأتوقف اليوم عند الخطوط التركية تحديدا التى يقول بعض رجال الأعمال فى قطاع السياحة أنها هى المسئولة عن الطفرة التى وصلت إليها السياحة التركية حيث اقتربت من 40 مليون سائح و30 مليار دولار.. وهذا أيضا قول «مغلوط» لأن هذه الحركة لا تنقلها الخطوط التركية بمفردها ولكن هناك أسطولا من شركات الطيران الشارتر والطيران منخفض التكاليف وإن كان هذا لا ينفى قوة الأسطول التركى مقارنة بأسطول مصر للطيران.. لكن فى نفس الوقت لا نغفل قرب تركيا من أوروبا مما يساعد على زيادة الأعداد فضلا عن الطفرة الاقتصادية فى قطاع الفنادق والخدمات السياحية هناك والاقتصاد التركى بشكل عام فى السنوات الأخيرة. إن بعض من يقولون إن مصر للطيران يجب أن تكون مسئولة عن زيادة الحركة مثل الخطوط التركية مخطئون.. لأن الشركة فى أحسن حالات السياحة المصرية فى 2010 التى حققت 14،7 مليون لم تنقل منها مصر للطيران سوى 8% فقط على أحسن التقدير والباقى كان للطائرات الشارتر.. من هنا فإن اقحام مصر للطيران فى مشكلة عدم زيادة السائحين لا مبرر له، لأنها ليست هى المسئولة عن نقل هذه الملايين إلى مصر كما أوضحت الأرقام. وبمقارنة بسيطة للأرقام بين حالة مصر للطيران والتركية نجد أن المقارنة ظالمة جدا لشركتنا الوطنية.. فبداية التركية تمتلك 261 طائرة متنوعة الحجم والطراز تصل إلى 219 مدينة حول العالم فى 108 دول وهى الأولى فى العالم من حيث عدد الرحلات الخارجية ونقلت العالم الماضى نحو 55 مليون مسافر منها 25% من الأجانب وبلغت أرباحها نحو 735 مليون دولار فى العام الماضى فقط وتخطط لأن تصل بأسطولها إلى أكثر من 400 طائرة فى عام 2020 ولا يعمل بالشركة سوى 2000 موظف وعامل فقط. إن هذه الأرقام تشير إلى أننا أمام شركة ضخمة يمكن أن تكون مساهمتها فى السياحة التركية كبيرة بالفعل .. بعكس مصر للطيران.. فالأرقام تشير إلى أن مصر للطيران تمتلك 77 طائرة وتصل إلى 81 مدينة فقط فى العالم وأن خطط التوسع فى الأسطول تستهدف أن يصل إلى 125 طائرة فقط فى 2025، وتم تأجير 6 طائرات لضعف الحركة إلى مصر فى السنوات الأخيرة بسبب أحداث الثورة والتى تسببت فى وصول خسائرها إلى أكثر من 12 مليار جنيه منها 1،8 مليار جنيه العام الماضى فقط وإن كانت الخسائر فى العام المالى الحالى تراجعت فى الأشهر الستة الأولى إلى نحو 60 مليون جنيه فقط.. لكن المصيبة الكبرى فى مصر للطيران أنها مكبلة بنحو 25 ألف موظف وعامل وتدفع نحو 2 مليار جنيه سنويا فى صورة ضرائب للدولة.. ومع هذا الدولة لا تقدم لها أى دعم مالي. إنه من الظلم مقارنة مساهمة الشركة التركية فى السياحة بما يمكن أن تقدمه مصر للطيران للسياحة فى ظل هذه الأرقام الضعيفة للأسطول والأرقام «المرعبة» للعمالة.. تخيلوا التكلفة التى تتحملها مصر للطيران كل شهر لهذه العمالة مقارنة بالتركية .. فهناك 2000 عامل يخدمون 261 طائرة بينما فى مصر 25 ألف عامل يخدمون 77 طائرة فقط ، ولا يمكن أن ننسى ونحن نقارن بين الشركتين قوة التسويق والحملات التى تطلقها الشركة التركية ومدى ما تنفقه عليها وآخرها شعار الشركة الجديد «وسع حدود عالمك» أو السابق عليه وهو «العالم بين يديك» وكذلك الحملة القوية جدا على اليوتيوب والتى استغلت فيها نجم الكرة العالمى لاعب برشلونة «ميسي» والذى كان من أسرع الاعلانات التجارية انتشارا فى العالم والذى سجل نحو 77 مليون مشاهدة فى اسبوع واحد العام قبل الماضي. وهى حملات يتم انفاق مبالغ طائلة عليها.. لا تقوى على مثلها مصر للطيران.. مع العلم بأنه لا يمكن أن تكسب دون أن تنفق على التسويق فى هذا العصر.. تلك هى القضية. ولهذا كله يجب أن نضع الأمور فى نصابها الصحيح إذا كنا نرغب فى زيادة السياحة ولا نلقى بالمسئولية على مصر للطيران وأن نبحث عن أسباب أخرى لزيادة الحركة مثل انشاء شركة للطيران منخفض التكاليف أو دعم شركة «اير كايرو» بالتنسيق مع مصر للطيران ووضع خطة بأن يلتزم قطاع السياحة بدعم خطوط منتظمة للشركة الوطنية إلى شرم الشيخ والغردقة وهناك تجارب فى ذلك يجب دراسة أسباب عدم استمرارها. أعود إلى بداية هذا المقال لأشير إلى أنه بالفعل لن ينمو أو يزدهر قطاع السياحة إلا بنمو قطاع الطيران كما تقول منظمة السياحة العالمية، فالتعاون بينهما حتمى وضرورى من أجل مستقبل أفضل.. لكن المستقبل يحتاج حديثا آخر نطرحه للحوار مع الخبراء فى مقالات قادمة بإذن الله. لمزيد من مقالات مصطفى النجار