أكد الدكتور شوقى علام، مفتى الجمهورية، أن القضاء على الإرهاب يحتاج إلى تكاتف كل مؤسسات الدولة ودعم دولى حقيقى، وليس مجرد شعارات تطلقها الدول لمجرد إثبات الحالة، وعدم السماح للمتطرفين وأصحاب الأجندات المتطرفة والمشبوهة بخطف الحاضر والمستقبل وتلاحم القوى الدولية لكسب معركة التسامح. وقال مفتى الجمهورية فى حوار ل « الأهرام» فور عودته من جولته الأوروبية التى شملت فرنساوهولندا، أن مواجهة الأيديولوجيات المنحرفة تستلزم التعاون بين وسائل الإعلام وكذلك الأوساط الأكاديمية فى مجال النشر والبحث وإتاحة المجال للعلماء المسلمين الوسطيين لتفكيك تلك الادعاءات الكاذبة والفهم الخاطئ للقرآن والسنة. وقال إن جولته الأوروبية لاقت اهتماما وصدى واسعا فى الأوساط السياسية والإعلامية الأوروبية وأسهمت فى تصحيح صورة الإسلام فى الغرب، بعدما شوهتها أفعال الجماعات الإرهابية المتطرفة بأفعالها الوحشية الإجرامية، مما أدى كذلك إلى انتشار «الإسلاموفوبيا». وأكد المفتى أن مبادرات تجديد وتطوير الخطاب الدينى لم تتوقف ، ولكن الضوضاء اعلى صوتا من العقل، وإلى نص الحوار ... لماذا كانت جولتكم الأوروبية التى شملت هولنداوفرنسا فى هذا التوقيت بالذات ؟ لم يكن لدار الإفتاء المصرية أن تتقاعس عن أداء واجب الوقت فى تصحيح صورة الإسلام خاصة فى الغرب، بعدما شوهتها أفعال الجماعات الإرهابية المتطرفة بأفعالها الوحشية الإجرامية، مما أدى كذلك إلى انتشار «الإسلاموفوبيا»، ودار الإفتاء وضعت إستراتيجية ومشروعا عالميا أطلقته بداية هذا العام يهدف إلى تصحيح صورة الإسلام بالخارج عبر عدة وسائل من أهمها إرسال قوافل من علماء دار الإفتاء المصرية للقيام بجولات خارجية تجوب القارات الخمس لنشر الفكر الصحيح، وتوضيح العديد من المفاهيم التى يستغلها المتطرفون وأعداء الإسلام فى تشويه صورة الإسلام والمسلمين فى الخارج. كما أنها تأتى ضمن دورنا فى الدفاع عن الدين وإظهار الحقائق أمام الرأى العام فى الخارج، فى ظل ما يتعرض له الإسلام من هجمات، وذلك فى ظل وجود أقليات إسلامية فى الخارج لها قضاياها الإفتائية التى تريد الإجابة عنها. وكيف كان سير الجولة الأوروبية؟ بدأت الجولة الأوروبية بدولة هولندا واستمرت الفعاليات لمدة ثلاثة أيام، وعملت على نقل عدد من الرسائل للمسئولين فى هولندا حول التطورات الإيجابية التى تشهدها مصر فى الفترة الحالية وحرص القيادة المصرية على الانفتاح الإيجابى على العالم وترحيب مصر قيادةً وشعبًا بالتعاون المثمر وتبادل الخبرات بما يحقق مصالح الشعوب ويضمن استقرارها. كما حرصت خلال لقاءاتى أن أوضح حقائق الدين التى شوهتها الجماعات الإرهابية فى أذهان غير المسلمين، وتوضيح صحيح الإسلام وبناء جسور التعاون، وذلك فى إطار نشر الوعى الإفتائى الصحيح فى أوساط الجاليات المسلمة فى جميع أنحاء العالم. والتقيت أعضاء لجنة العلاقات الخارجية فى البرلمان الهولندي، وأكدت لهم أن مصر لا يوجد فيها أقلية مسيحية، ولكن جميع المصريين مواطنون لهم كل حقوق وعليهم واجبات متساوية تجاه وطنهم. ما الرسائل التى وجهتها للجالية المسلمة هناك؟ وجهت العديد من الرسائل المهمة للمسلمين فى أوروبا أحثهم فيها على المشاركة والتعاون والاندماج مع المجتمعات التى يعيشون فيها، وألا يكونوا جماعات منغلقة على أنفسها لا تتصل ولا تتواصل مع غيرهم من أصحاب الديانات والثقافات الأخرى. وقلت لهم: «يجب علينا ألا نسمح لأنفسنا بالتسليم بحتمية وجود مسار ينتهى ب» صراع الحضارات»، مشددًا على ضرورة أن نتفاعل مع توترات العالم تفاعلاً استباقيًّا، من خلال العمل الدءوب والمنهجى على نزع فتيلها؛ حتى يحل الاستقرار محل الاضطراب، الود محل العداء، وكان الحوار مع المسئولين والشباب إيجابيًا وفعالًا . وهل لقيت زيارتكم لفرنسا نجاحًا مماثلا؟ أحدثت الزيارة لفرنسا ردود أفعال عالمية، ولاقت صدى واسعًا لدى وسائل الإعلام العالمية بصورة غير مسبوقة، نظرًا لأهمية تلك الزيارة وما جاء فيها من لقاءات مهمة، حيث التقيت مستشار الرئيس الفرنسى لشئون الشرق الأوسط بقصر الإليزية، ووزير الداخلية الفرنسي، ومديرى إدارات الشئون الدينية، والشئون الإستراتيجية، وإدارة شمال إفريقيا والشرق الأوسط، ومركز الدراسات والتحليل الاستراتيجي، بوزارة الخارجية الفرنسية. والتقيت كذلك المستشار الدبلوماسى لرئيس الوزراء الفرنسى والمسئولين عن برنامج مكافحة التطرف، ونائب مدير مركز الأديان بفرنسا، ومستشار شئون الأديان بمكتب وزير الخارجية الفرنسية، بالإضافة إلى المحافظ المسئول عن مكافحة التطرف فى فرنسا. كما عقدت جلسة فى مجلس الشيوخ الفرنسى تناولت فيها الحراك الدينى وخطر الإرهاب فى المنطقة والعالم وقضية الحوار والتعايش بين أتباع المذاهب والديانات المختلفة، من أجل ترسيخ مفاهيم السلام فى المجتمع الإنساني، والتى بدونها تنتشر الكراهية والعداء بين الناس. وماذا عن انطباع الجانب الفرنسى حول الزيارة ؟ رحب الجانب الفرنسى بشكل كبير بالزيارة التى تتزامن فى توقيت دقيق للغاية مع مواجهة البلاد لظاهرة انتشار الفكر المتطرف فى أوساط الجالية المسلمة، وتعرض باريس لهجمات إرهابية بداية العام الجارى فضلاً عن اعتناق ما لا يقل عن 1500 فرنسى غالبيتهم من الشباب للفكر الجهادى المتطرف وانخراطهم فى خلايا إرهابية وانضمامهم إلى صفوف المقاتلين فى تنظيم داعش بسوريا والعراق. وماذا كان تعليق فضيلتكم على هذا الأمر؟ وكيف نواجه الإرهاب والتطرف؟ أوضحت أن انتشار الفكر المتطرف خاصة بين الشباب لم يعد مقصورا على دولة بعينها ولكنه أمر عابر للحدود وهو ما يستدعى التعاون والتنسيق بين مختلف دول العالم لمواجهة هذه الظاهرة والتى نلمس انعكاساتها بشكل مباشر بتجنيد عدد كبير من الشباب من مختلف دول العالم فى صفوف التنظيمات الإرهابية ومنها تنظيم داعش، كما حذرت من تزايد وتيرة تجنيد الشباب الأوروبى وانخراطهم فى صفوف التنظيمات الإرهابية. والمعركة ضد الإرهاب تحتاج إلى دعم دولى حقيقي، وليس مجرد شعارات تطلقها الدول لمجرد إثبات الحالة، وتكاتف جميع مؤسسات الدولة فى الداخل، ولابد أن نحمل على عاتقنا المسئولية الكاملة لكى ننقذ العالم من التطرف ونجنب أنفسنا والبشرية جميعا إراقة الدماء من خلال مواجهة الأيدلوجيات المنحرفة يتعاون فيها العلماء مع وسائل الإعلام وكذلك الأوساط الأكاديمية فى مجال النشر والبحث من اجل تفنيد تلك الأيدولوجيات وفضح أفكارهم مع إتاحة المجال للعلماء المسلمين الوسطيين واستضافتهم فى وسائل الإعلام ودعمهم لتفكيك تلك الادعاءات الكاذبة والفهم الخاطئ للقرآن والسنة. لماذا تأخرت المؤسسات الدينية فى الرد على غير المتخصصين الذين يزعمون تنقية التراث؟ لم نتأخر .. ونقوم بعملية التجديد والتطوير فى الخطاب الديني، وذلك منذ الإمام محمد عبده وحتى الآن، ولكن دائمًا ما يعلو صوت الضوضاء على صوت العقل فلا تظهر مجهودات التجديد كما ينبغي. إلا أننا فى دار الإفتاء مؤخرًا كثفنا الجهود لتجديد الخطاب الدينى وآلياته ووسائله بما يتناسب مع العصر. ومنذ بداية هذا العام بدأت فى كتابة سلسلة مقالات تصدر بصفة دورية لمعالجة قضايا الخطاب الدينى ورسم إستراتيجية جديدة للخطاب الدينى عبر تطوير الآليات والوسائل، ولا تهدم الثوابت ولا تتعرض لها. وتجديد الخطاب الدينى الذى دعا له الرئيس عبد الفتاح السيسى يعنى أن نأخذ من المصادر الأصيلة للتشريع الإسلامى ما يوافق كل عصر باختلاف جهاته الأربع «الزمان والمكان والأشخاص والأحوال»، بما يحقق مصلحة الإنسان فى زمانه، ولابد أن تتم عملية تجديد الخطاب الدينى فى إطار من منظومة القيم والأخلاق التى دعا إليها ورسخها الإسلام. ما النصيحة التى توجهها لأبناء الوطن والشباب وقادة الأحزاب ونحن مقبلون على الانتخابات البرلمانية؟ أطالبهم بأن يشاركوا بفاعلية فى جميع الاستحقاقات الديمقراطية، وأن يحسنوا الاختيار وفق معايير الكفاءة وليس الانتماءات السياسية أو القبلية، وإعلاء مصلحة الوطن فوق كل شيء وأن يحكم كل منهم ضميره ويختار من تتوافر فيه شروط القيادة والقدرة على إدارة شئون البلاد والعباد، والالتزام بما ستسفر عنه نتائج هذه الانتخابات.