اكد علماء الأزهر وأعضاء مجمع البحوث الاسلامية أن الإسلام هو أول دين حض علي العدل بين الناس جميعا ورفض التمييز بين بني الإنسان بشكل عام لأسباب عرقية أو طائفية أو دينية. أو غيرها, وطالبوا بإبراز النصوص الشرعية التي تؤكد ذلك, سواء مع أهل الذمة من غير المسلمين أو غيرهم, وقال علماء الأزهر إن أهل الذمة الذين يعيشون في ديار الإسلام مواطنون وليسوا رعايا كما يظن البعض. وقال الدكتور محمود مهنا عضو مجمع البحوث الإسلامية, نائب رئيس جامعة الأزهر الأسبق: إن القرآن الكريم يأمر حكام المسلمين وقضاتهم بالعدل بين الرعية وإن كانوا علي غير دين الإسلام, لأن ذلك أقرب الي رضا الله ومحبته, قال تعالي ياأيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم علي ألا تعدلوا إعدلوا هو أقرب للتقوي إن الله خبير بما تعملون.. ففي الآية خطاب للمؤمنين ونداء للحكام وأمر لأهل الإسلام بإقامة العدل وعدم التمييز بين الناس, اتباعا لأمر الله وتنفيذا لهذا التكليف الذي يتناول البشرية كلها لا المسلمين فقط, شريطة أن يكون هذا التكليف تنفيذا لأمر الله تعالي, لارياء ولا سمعة, وقد أكدت الآية العدل مع غير المسلمين الذين لا يدينون بديننا ولا يؤمنون بعقيدتنا, في قوله تعالي اعدلوا, والعدل اسم من اسماء الله تعالي الذي لا يظلم أحدا فهو القائل سبحانه ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد.. ومن هذا المنطلق فعل النبي صلي الله عليه وسلم وأصحابه هذه النصوص وطبقوها علي كل مخلوق علي ظهر الارض دون نظر الي دين أو لون أو حاكم أو محكوم, حتي أولئك الذين يعبدون الأوثان والأصنام. الأمر نفسه يؤكده الدكتور القصبي محمود زلط عضو مجمع البحوث الإسلامية نائب رئيس جامعة الأزهر الأسبق مطالبا بتفنيد بعض الآراء والشبه التي تؤدي الي التمييز حيث يذهب بعض الفقهاء إلي أن غير المسلم في بلاد المسلمين من أهل الذمة يعتبر من رعايا المسلمين وليس مواطنا يتمتع بحقوق المواطنة, وكأن أهل الذمة وغيرهم كيان منفصل عن مجتمع المسلمين, أو مواطنون من الدرجة الثانية, وهذا الرأي لا يؤيده الواقع الآن حيث إنه يقوم علي تقسيم الناس علي أساس أديانهم, واعتبار مواطني الدولة الإسلامية هم المسلمين دون غيرهم, واعتبار مسئولية النظام أمانة في عنق المسلمين وحدهم, الأمر الذي يلغي قيمة الوطن الذي يظل ملكا للجميع, سواء الذين يدافعون فيه عن العقيدة, أو الذي يدافعون فيه عن التراب. وأضاف: إن الفقهاء القدامي عندما ذهبوا إلي هذا الرأي كانوا يخاطبون عالما غير عالمنا, حيث كانوا يخاطبون دولة الإسلام الكبري في العصرين الأموي والعباسي والتي كانت مترامية الأطراف, فلا يمكن أن نأخذ هذا الرأي, لأن الواقع قد اختلف.. هذا بالإضافة إلي أن النصوص القرآنية والنبوية التي توصي بغير المسلمين خيرا, تناقض هذا الرأي, كما يناقضه ما ورد عن الصحابة في هذا المجال, فالله يقول: لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين. ويفسر الإمام القرافي معني البر الذي أمر الله به المسلمين نحو غير المسلمين فيقول:( إنه الرفق بضعيفهم, وسد خلة فقيرهم, وإطعام جائعهم, وكساء عاريهم, ولين القول لهم علي سبيل اللطف لهم والرحمة لا علي سبيل الخوف والذلة واحتمال إذايتهم في الجوار مع القدرة علي إزالته لطفا منا بهم, لا خوفا ولا طمعا, والدعاء لهم بالهداية, وأن يجعلوا من أهل السعادة, ونصيحتهم في جميع أمورهم, في دينهم ودنياهم, وحفظ غيبتهم إذا تعرض أحد لأذيتهم, وصون أموالهم وعيالهم وأعراضهم وجميع حقوقهم ومصالحهم,وأن يعانوا علي دفع الظلم عنهم, وإيصالهم إلي جميع حقوقهم). فقد عني الله سبحانه وتعالي بذلك جميع أصناف الملل والأديان, أن تبروهم وتصلوهم وتقسطوا إليهم.. إن الله يحب المنصفين, الذي ينصفون الناس ويعطونهم الحق والعدل من أنفسهم, فيبرون من برهم, ويحسنون من أحسن إليهم. ويقول صلي الله عليه وسلم: من آذي ذميا فقد آذاني ومن آذاني فقد آذي الله. ويقول ايضا: من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة, وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاما, وهو صلي الله عليه وسلم القائل: من ظلم معاهدا أو انتقصه حقه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس منه فأنا حجيجه يوم القيامة. ثم إن الصحيفة التي تعتبر أول دستور للدولة الإسلامية والتي كتبها الرسول صلي الله عليه وسلم لليهود في المدينة, حدد فيها الرسول صلي الله عليه وسلم الأساس الذي تقوم عليه العلاقة بين المسلمين وغيرهم في مجتمع المدينة, وقد أكدت هذه الصحيفة أن جميع المسلمين وغيرهم أمة واحدة. فأهل الكتاب بنص هذه الصحيفة كانت لهم حقوق المواطنة الكاملة. وها هو عبد الله بن عمر يوصي غلامه أن يعطي جاره اليهودي من الأضحية, ويكرر الوصية مرة بعد مرة, حتي دهش الغلام, وسأله عن سر هذه العناية بجار يهودي, قال ابن عمرو: إن النبي صلي الله عليه وسلم قال مازال جبريل يوصيني بالجار حتي ظننت أنه سيورثه. كما أنه لما ماتت أم الحادث بن أبي ربيعة وهي نصرانية شيعها أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم. ومن العجب أن الفقهاء الذين جعلوا أهل الذمة مواطنين من الدرجة الثانية, تحدثوا عن معاملة أهل الذمة بما يلفت النظر, ويجعل رأيهم هذا في ناحية, وكلامهم في التعامل معهم في ناحية أخري ونري شيخ الإسلام ابن تيمية عندما تغلب التتار علي الشام, وأسر بعض المسلمين وبعض الذميين, ذهب إلي قائد التتار وكلمه في إطلاق الأسري فسمح القائد التتري للشيخ بإطلاق أسر المسلمين, وأبي أن يسمح له بإطلاق أهل الذمة فما كان من شيخ الإسلام إلا أن قال: لا نرضي إلا بافتكاك جميع الأساري من اليهود والنصاري, فهم أهل ذمتنا, ولا ندع أسيرا, ولا من أهل الذمة, ولا من أهل الملة, فلما رأي إصراره وتشدده أطلقهم له.