أكدت الداعية والمفكرة الإسلامية الدكتورة آمنة نصير، أستاذة العقيدة والفلسفة الإسلامية بجامعة الأزهر، أن التراث الإسلامي يحتاج لغربلة بأيدي المتخصصين، وأن تجديد الخطاب الديني هو أن نأخذ من التراث ما يلائم أحوالنا وقضايانا العصرية. وطالبت الشباب بأن يدركوا البعد العقدي والنفسي والتاريخي والأخلاقي لوطننا العظيم، فالأمة التي تقتلع من جذورها تتوه. مؤكدة أن الفكر المتحجر افتأت على المرأة وأخرجها من تاريخها ومكانتها العظيمة. وحول سبل تجديد الخطاب الديني وتصحيح صورة الإسلام والمسلمين في الغرب.. وغيرها من القضايا كان لنا معها هذا الحوار .. كيف تقيمين العمل الدعوي الآن؟ خافت ولا يقوي علي مواجهة مستجدات الحياة، سواء الجديد في العلم والفكر والمخترعات، وكثير من الناس الآن يريدون أن يروا كيف نتمسك بشريعتنا وعقيدتنا مع عدم الاغتراب من جذورنا، وفي الوقت نفسه لا نغترب عن العصر، وأذكر عندما كنت عميدة لكلية الدراسات بالأزهر، قلت في مجلس الجامعة هذه العبارة: «يا سادة يا عمداء كليات الأزهر.. هل نحن قادرون علي ألا نُقتلع من جذورنا، ولا نغترب عن مستجدات عصرنا؟ هل نحن قادرون علي أن نلبي هذه الأمور؟»، وهذا السؤال الملح والأهم في قضية تطوير الخطاب الديني. تراثنا الإسلامي .. هل يحتاج لغربلة فعلا؟ وكيف نتعامل معه؟ أكدت كثيرا ضرورة أن نأخذ من تراثنا العظيم الثمين، ونترك غير المتلائم مع عصرنا، لأن كل التراث له وعليه، وفيه السمين والغث، وعلينا أن نستدعي منه ما يصلح أحوال عصرنا، وهذا هو التجديد، ونأخذ ما يتصالح مع عصرنا، ولا نغالي في الحمية والغضب ممن نختلف معهم، فالاختلاف إرادة إلهية، ومن طبيعة البشر، وعلينا أن نتعلم الثقافة القويمة، وكيف أتعامل مع المختلف معي وأحتويه وأعطيه وآخذ منه، فلا أحد يمتلك الحقيقة المنفردة، فالحقيقة مبثوثة في الكون أينما وجدها المؤمن فهو أحق بها، وهذا هو تراثنا، وعلينا أن ندرك هذا، فخطاب القرآن الكريم: «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا»، ومفهوم التعارف ليس معناه التقاطع ولا الحروب، ولا تسفيه المختلف معنا في الدين أو الرأي، وتراث العداء الذي كان منتشرا بين الشعوب، خصوصا في قرون الحروب الصليبية، أفرز كراهية وأحكاما فقهية، وآراء مريرة يجب ألا نستدعيها الآن بعد أن أخذت البشرية من وسائل الرقي والوثائق الدولية، وما يحمي حقوق البشرية إلي حد ما، فتنقية الخطاب الديني تكمن في أن التراث لابد أن يتغربل ويأتي مغسولا من القضايا التي لا تماثلها في هذا العصر، وأين العقول التي تفرز الثقافة التي تعرف الغث من الثمين وهذا لا يتأتي إلا من أهل الاختصاص الذين يعرفون ماذا يأخذون وماذا يتركون. هذه قضية تحتاج لتأهيل أحسب أنه غير متوافر بالدرجة المطلوبة لهذه المرحلة. ونحن نحتفل بعيد سيناء.. وفي ظل ما تشهده من عمليات إرهابية، كيف نؤصل الانتماء في نفوس الشباب؟ سيناء الأرض المقدسة.. وأقول للشباب: إن سيناء الأرض المقدسة وأرض الفيروز، لابد أن تعرفوا الارتباط العقدي، والارتباط التاريخي، حيث تجلي الله سبحانه وتعالي في هذه الأرض المباركة لموسي عليه وعلي نبينا وجميع الأنبياء السلام، عندما طلب أن يري ربه، وتلك أمنية غالية يتمناها أي إنسان، سواء في الدنيا أو في الآخرة، بإذن الله وبكرمه وبفضله نراه في الآخرة ويمتعنا بالنظر إلي وجهه الكريم، فهذا المكان الذي انفرد بتجلي الله فيه لابد أن ندرك مدي عظمته وأهميته، والقرآن الكريم يؤكد: «ادخلوها بسلام آمنين»، وأنبياء الله عفروا تراب أرض مصر وشرفوها بمرورهم عليها، بداية من سيدنا إبراهيم عليه السلام، ونبي الله يوسف عليه السلام، وسيدنا عيسي عليه السلام، وأمه عليها السلام، وإحدى سور القرآن تحمل اسمها وهي السيدة العظيمة «مريم بنت عمران»، فلابد لشبابنا أن يدركوا البعد العقدي والنفسي والأخلاقي لعظمة هذا الوطن، وهذا الجزء الغالي العزيز علينا «سيناء الحبيبة»، ورسولنا صلي الله عليه وسلم قال: «استوصوا بأهل مصر.. فإن لنا فيهم صهرا ونسبا»، النسب في السيدة العظيمة أم إسماعيل عليه السلام السيدة «هاجر المصرية»، وعلي الشباب أن يتأملوا هذه المرأة المصرية وعظمتها عندما أخذها سيدنا إبراهيم، إلي مكان لا زرع فيه ولا ماء ولا بشر، وأودعها في رعاية الله هي ووليدها إسماعيل عليه السلام في هذا المكان، وأصبحت وهي تمارس الأمومة الرائعة التي أهديها لكل أم تبحث عن ماء لوليدها بعد أن نفد الماء الذي تركه لهما إبراهيم، ثم بعد ذلك يصير منسكا من مناسك الحج، وأقول المرأة التي افتأت عليها الفكر المتطرف المتحجر، وأخرجها من تاريخها العظيم، وجيناتها التي تستطيع أن تعمل الكثير. كيف كنت سفيرة للإسلام في الغرب؟ دعيت من قبل وزارة الخارجية لجامعة ليدن بهولندا لإلقاء محاضرات هناك، بما أملكه من اللغة وأستاذة للفلسفة فرشحتني جامعة الأزهر لهذه المهمة في إطار التبادل الثقافي بين الجامعات، واستجبت لهذه المأمورية، واعتبرتها مسئولية أمام الله، ودورا ينبغي أن أقوم به، واستقبلني الملحق الثقافي المصري هناك وأقمت في مدينة «أوترخت»، واللغة ساعدتني في التعامل والحديث، واستقبلني رئيس القسم بالكلية البروفيسور كيب تاين وأعطاني 3 رسائل لطلبة في شرق آسيا، وطلب مناقشتها بعد أسبوع، وبالفعل عكفت علي قراءة الرسائل، وكل رسالة في حدود 130 صفحة، وانقطعت الأسبوع لقراءتها وكتابة التقارير، وذهبت للمناقشة، وبعدها سألني رئيس القسم: هل أنت أزهرية يا دكتورة؟ قلت: نعم، وقد لاحظ إجادتي للغة والأداء، فقلت له: أنا خريجة المدارس الأمريكية، ثم خريجة جامعة عين شمس، وبعد ذلك تأزهرت بعد التحاقي بجامعة الأزهر، لكنني تأزهرت بعملي داخل الأزهر، وأستاذيتي في جامعة الأزهر، وقد قام أساتذة الأزهر بترقيتي بعد حصولي علي درجة الدكتوراه، فأنا جمعت بين هذه الثقافات، وبعدها قال لي كيب تاين: لقد أعطيتنا درسا لن ننساه، احترمت خصوصيتنا رغم أننا عندما وصلتنا سيرتك الذاتية وبها مؤلفاتك وصورتك المحجبة، قلت: إنهم يرسلون إلينا إرهابية، لكن اسمحي لي أن أعتذر لك بكل لغة، فقد كنت حضارية ومستنيرة، وهنا أقول: كم يخسر المسلمون ويضيعون علي الإسلام جماله وحضارته وقيمه الإنسانية، واحترامه لإنسانية الإنسان، وأود أن نكون مشرّفين لحضارة هذا الدين العظيم وفكره، وبكل أسف نحن قدمنا هذا الدين للمختلف معنا بشكل غير رشيد، وغير قويم. وأذكر أنني وأنا في هولندا اتصل بي عميد الأكاديمية الإسلامية بالنمسا، ودعاني للمحاضرة هناك، فذهبت إليهم ودرّست علم التوحيد في قلب النمسا، وأعتبر ذلك شرفا لا يقدر بثمن، ودرّست 40 ساعة في 10 أيام، شرحت لهم كل منهج التوحيد والعقيدة، ورفضت أن أتقاضي مكافأة مقابل محاضراتي من عميد الأكاديمية الإسلامية بالنمسا، وتعجبوا لذلك الموقف لأنني سافرت علي نفقتي من هولندا للنمسا، ومكثت 10 أيام علي نفقتي الخاصة، وبعد ذلك عدت لجامعة ليدن وقدموني لإلقاء محاضرة في اختتام الموسم الثقافي للجامعة، وكانت محاضرة بعنوان «إنسانية الإنسان في الإسلام»، حضرها لفيف من الطلاب والأساتذة بالجامعات هناك، وبعدها دعيت لجامعة أليكارت بإسبانيا للمحاضرة في العقيدة والفلسفة، بعد أن قرأوا عني وسمعوني في الفضائيات، فذهبت إليهم وترجموا المحاضرة للإسبانية بحضور الملحق الثقافي المصري، وإلي الآن لا ينسون هذه المحاضرة، ويتصلون بي حتى الآن، فأنا نذرت نفسي للعلم ونشر العلم وتدريسه، ولا أتحدث باسم الأزهر، ولا أتحدث باسم أحد، أنا أستاذة للعقيدة والفلسفة، وأعمالي تتحدث عني، ومؤلفاتي وعلمي هما عدتي وتقييمي.