لم يحظ العمال بتكريم أعظم من تكريم الله لهم إنه رفيع مجيد حافل باسمي الجنات وأعلي الدرجات وأكرم المراتب وأوفي الجزاء يقول سبحانه: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا خالدين فيها لا يبغون عنها حولا)، ويقول: (ومن يأته مؤمنا قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلي)، والتكريم العظيم للعمال المؤمنين الذين قاموا بعمل الصالحات في أمانة واخلاص، والصالحات تشمل كل ما تصلح به الدنيا والدين، وتضم كل بناء نافع مثمر، وكل سعي لخير البشرية وصالح الجماعة مزيل للفساد محقق للاستقامة والنهضة ولأجل الصالحات يؤكد المولي عز وجل أنه لا يضيع أجر من أحسن عملا، كما يؤكد أن الجزاء عادل منصف أمين، والأجر حق خالص رشيد، يتولاه أحكم الحاكمين. (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره). والإسلام يريد من كل من يرد الحصول علي هذا التكريم أن يعمل بصدق وشرف وأن يتقن عمله ويخلص في أدائه ليكون في أرقي درجات الإحسان والكمال، لأن العمل الطيب الذي يعمله المرء يعود خيره علي نفسه ومجتمعه وإخوانه المؤمنين، فهو واجب وعبادة، واليد العاملة يحبها الله تعالي ويرعاها، وهي خير من اليد العاطلة، يقول تعالي: (وقل أعملوا فسيري الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلي عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعلمون)، إن العمل الذي يريده الإسلام هو الحلال المستقيم، الطيب النافع، المثمر الصالح، الذي يدعم التعاون علي البر والتقوي، وهو ما دعا إليه رب العزة بقوله (وتعاونوا علي البر والتقوي ولا تعاونوا علي الإثم والعدوان). وكلما عمل الإنسان بصدق وشرف وإتقان زاده الله تعالي أجرا وثوابا ورضوانا وتوفيقا، فالسعادة في الآخرة والنجاح في الدنيا للمخلصين العاملين، والجنة في الآخرة ليست جزاء لأهل البطالة والكسل والفراغ، بل لأهل العمل والإصلاح والجد والإحسان والإتقان، قال تعالي: (وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون)، وقال: (فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون). والإسلام يريد أن يكون العمل ابتغاء وجه الله وخيره، وأن يأتي به صاحبه علي الوجه المشروع، بأن يستوفي شروطه وأركانه وآدابه، ويكون محاطا بطهر المسلك، ونبل الجهد وشرف السعى وإزالة الفساد ليرفع صاحبه إلي مراتب المصلحين ويمنحه ثوابا غير مقطوع، قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: «من بني بنيانا في غير ظلم ولا اعتداء أو غرس غرسا في غير ظلم ولا اعتداء كان له أجرا جاريا ما انتفع به أحد من خلق الرحمن». إن العاملين الذين يجعلون عمرهم وقفا علي العمل النافع الصالح، ويبذلون كل ما يستطيعونه حتي آخر لحظة في هذه الحياة يرضي عنهم المصطفي صلي الله عليه وسلم فهو يقول : «إن قامت القيامة وفي يد أحكم فسيلة فإن استطاع ألا يقوم حتي يغرسها فليغرسها». لقد كان يقدس العمل، ويحب العاملين فهو القائل: «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه»، وهو يعلم تمام العلم أن التنافس في الخيرات والمسارعة إلي المكرمات تنهض بالأمة وتحقق الصلاح والبركات وإذا أخلص العامل نال رضوان ربه، إن الإسلام عند سيد المرسلين هو دين العمل، وهو حريص علي إجلاله وتوقيره، والحث عليه، يقول صلي الله عليه وسلم: «ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يديه، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده». وداود عليه السلام كان غنيا عن التكسب وليس في حاجة إلي العمل لتوافر المال لديه ومع هذا لم يرض أن يأكل إلا من عمل يده. لمزيد من مقالات د. حامد محمد شعبان