أنا سيدة فى سن الخامسة والستين، قاسيت أهوالا, وعانيت من آلام فراق الأحباب ما لا يتصوره أحد، فلقد نشأت فى أسرة بسيطة بإحدى قرى الأقاليم وحصلت على الشهادة الإعدادية, ولم أكمل تعليمى المتوسط, حيث تزوجت وأنا فى سن السادسة عشرة من قريب لى يعمل بمصلحة حكومية, ويساعد والده فى فلاحة الأرض الزراعية التى يملكونها وكانت تقترب من نصف فدان، وانتقلت الى بيت زوجى وعشت مع أسرته حياة بسيطة وجميلة, وقضيت سنوات طويلة بلا متاعب, ولا يعكر صفونا شيء, وأنجبت منه ولدا وبنتين وكان الولد متفوقا وطموحا, وحصل على بكالوريوس التجارة وعمل بأحد البنوك وتزوج من ابنة أسرة قريبة لنا وأنجب ولدين ثم مرض لمدة أسبوع واحد, وفشلنا فى معرفة سبب مرضه وحار الأطباء فى علاجه ولقى وجه ربه وهو فى الخامسة والعشرين من عمره.. ولك أن تتخيل الصدمة الكبرى التى ألمت بنا وأحالت حياتنا الى مأتم دائم, فلم يعد أبوه كما كان, وانزوى فى ركن من إحدى حجرات المنزل لا يغادره إلا للضرورة القصوى بعد أن خرج الى المعاش المبكر بارادته, وحاولت أن أخفى عنه دموعى التى لم تتوقف لحظة على فراق ابنى الذى كان كالنسمة, لا يشعر به أحد فى مكان, ويلقى الجميع بوجه بشوش, ولا يتأخر عن خدمة الآخرين، ولم تمض شهور على رحيله, حتى ماتت ابنتى الصغرى فى حادث مرور، إذ دهستها سيارة مسرعة فى أثناء عبورها الطريق, ولم يكن قد مر على زواجها عام واحد! يا الله ماذا يحدث لنا؟.. إننى راضية بقضاء الله لكننى كلما فتحت عينى ولا أجدهما على قيد الحياة انهار, وأنظر الى زوجى الذى أصبح هيكلا عظميا فأدعو الله أن ينزل علينا سكينة الصبر من عنده.. ولم تكد تمر أسابيع حتى رحل هو الآخر.. وصرت وحيدة فى بيتي, حيث تعيش ابنتى الكبرى بإحدى محافظات الصعيد.. صحيح أن البيت لا يخلو من أقربائى لكن الدنيا اسودت أمامي, وأحكمت ظلالها، وأبتهل الى الله أن يزيل عنى هذا الاحساس القاتل حتى ألقاه وهو عز وجل راض عني. إننى لا أشكو من أمراض مزمنة ولا متاعب مالية.. فلدى ما يزيد على حاجتى وأتبرع به لأوجه الخير.. لكننى لا أشعر بوجودى ولا بحياتي, فلا حياة بعد رحيل فلذتى كبدى وزوجي.. وكل ما أرجوه منك ومن قرائك الأعزاء أن تدعوا الله لى بأن تكون نفسى مطمئنة فأكون ممن قال الله تعالى فيهم: يا أيتها النفس المطمئنة، ارجعى إلى ربك راضية مرضية فادخلى فى عبادى وأدخلى جنتي. ولكاتبة هذه الرسالة أقول: ألا تعلمين يا سيدتى أن الله مع الصابرين, كما قال فى كتابه الحكيم, وأن الانسان كلما صبر على البلاء زادت منزلته عنده سبحانه وتعالى؟.. إننى أرى فى كلماتك البسيطة المباشرة ما يؤكد أنك سيدة مؤمنة بربها, لم تفعل سوى ما يرضيه, وقد وعد الله المتقين بجنات النعيم، فاصبري، وسوف تجدين ثمار صبرك فى الدنيا والجائزة الكبرى فى الآخرة، وأسأله عز وجل أن يلهمك الصبر والسلوان.