كيف تنهض الأمم؟ وكيف تقفز فوق أسوار تخلفها وعتمها وتعصبها وتطرفها؟، ومتى ينطلق قطار التقدم في طريقه الصحيح، وفي حركة سير آمنة ومنتظمة، حتي يصل إلي محطة «الحداثة الإنسانية»، التي كلما تأخر موعد الوصول إليها، غابت الدولة المدنية العصرية، وغابت الكفاية والكرامة والعدالة والحرية..؟! الأمم والمجتمعات لا تنهض بالتعليم والعلم فقط، برغم أنهما أساس التقدم، ولا بمشاريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية، برغم ضرورتهما، وإنما النهضة الحقيقية والمضمونة، هي التي يصنعها مجتمع مثقف، تأتي الثقافة فيه في مقدمة اهتماماته وحياته، فالثقافة بقدر ما تبتعد عن الناس، يبتعد الناس عنها، وتصدأ قلوبهم، وتخوي عقولهم، ويعيشون بلا رؤية، ولا قدرة على تحقيق أي شرط للتقدم، وأول الشروط، وقبل كل الشروط، هو الوعي بذاتهم وحياتهم ومجتمعهم وعالمهم، وهو شرط لا يتحقق إلا بالثقافة الناتجة عن معرفة حقيقية. يجب أن نعترف بأن مصر منذ بداية السبعينيات تعيش أزمة ثقافية، بعد أن أسقطت الدولة «سلاح» الثقافة من حساباتها، فانفرد «ذئاب» الدين بالعقل المصرى، وقاموا بتخريبه و «تلغيمه» بالتعصب والتطرف والإرهاب. إن الثقافة كقوة ناعمة، كفيلة بأن تعيد صياغة العقل والوجدان الوطني، وقادرة علي اجتثاث أفكار التطرف والعنف، وهى أيضا ملهمة للتقدم والرقي، بتصحيح الأفكار، وتهذيب المشاعر والنفوس. لقد اهتمت مصر بالثقافة في مشروع التحديث الكبير للدولة المصرية، الذي قاده الزعيم الراحل «جمال عبدالناصر»، فأسند هذه المهمة العظيمة، إلي مثقف مستنير وواسع الأفق، هو الدكتور « ثروت عكاشة»، الرجل العسكرى الذي أسس المشروع الثقافي الوطنى، الذي مازلنا نعيش علي مكوناته حتي الآن. وبدون أن ننقص من قدر أحد، لم تجد مصر، في هذه المرحلة الصعبة التي تحتاج إلي أصحاب الرؤي والمشاريع، سوي الدكتور «عبدالواحد النبوي» أستاذ الوثائق، ليكون وزيرا لثقافتها، ويبدأ الرجل مهمته بإعلان الحرب علي «بدانة» الثقافة المصرية!. في الختام.. يقول أندريه مالرو: «الملحمة الإنسانية هي حلم واعين». لمزيد من مقالات محمد حسين