«أماية وأنت بتّرحى بالرحي على مفارق ضحى.. وحدك وبتعدد يعلى كل حاجة حلوة مفقودة متنسنيش يامّة فى عدودةعدودة من أقدم خيوط سودا فى توب الحزن وحطّى فيها اسم واحد مات».. واحد ولا كل واحد يا خال..واحد حلو المشاعر والشعر.. واحد يجسد قصيدة مصرية قناوية من بلدى من وطنى من أهلى من عينى ورأسى تمشى على قدمين تطوى أرض بلادى تستقطب حب فؤادي.. واحد كبير بحجم الوطن وفنان أثير وحكّاء قدير وأب جميل وزوج كريم وخلّ وفيّ.. واحد ابن الأصالة والمعاصرة والتراث، إبن فاطمة قنديل، وابن الجبل والنخيل والهرم والنيل والليل والكرنك والمئذنة والدير وأبو زيد الهلالى وشراع فالوكة يتهادى وهديل الحمام وحجر رشيد وزغرودة فى الهواء الطلق من فم القلّة القناوي.. واحد يسكننى رتم قصيدته.. أنسج كلماتى أنا على وقع موسيقاه هو.. تدوّى أبياته فى الوجدان كهتاف طبول فى الأعماق..واحد شهيد المرض كل المحاسن فيه..واحد كان افتتاحية مشوار الشاعر فى سبيل انتزاع اعتراف الثقافة الرسمية بشعر العامية ليحصل على جائزة الدولة التقديرية 2001 وبعدها جائزة النيل..واحد عندما يحب يغدو وترا من ريحان وندى، وعندما يقسو يهجو ويهاجم بشراسة كما انبرى للفاشية الدينية وحكم الإخوان بقوله: «الجبّة واسعة على معاليك والكرسى متهز مقامه.. رجعتنا لزمن المماليك يرحم قراقوش وأيامه»..واحد غنت له نجاة:«عيون القلب سهرانة ما بتنمشى وأنا رمشى ما داق النوم وهو عيونه تشبع نوم.. روح يا نوم من عين حبيبى».. ..واحد رد الجميل لصلاح جاهين الذى قدمه للجمهور فقام فى زمن اكتئابه بجمع أعماله الكاملة وكتب عنه عند رحيله: «الاسم زى الجواهر فى الضلام يلمع، تسمع كلامه ساعات تضحك ساعات تدمع.. يقول وحتى إنما قالشى تحس أنه قال.. ولا يقول من الكلام، إلاّ اللى راح ينفع».. واحد من يمشى بجواره يا سعده يا هناه فسوف يمر بالتجربة الوهّاجة، فأينما وضع الأبنودى خطاه فالترحيب به ومن معه بالغ منتهاه، ولقد نعمت بوشائج التجربة فى صحبتى معه لتفقد متحف السيرة الهلالية الذى شيده فى مسقط رأسه بأبنود بمحافظة قنا، وها هو المتحف قد اكتمل بمحتواه التراثى الضخم ويقترب حفل الافتتاح لكن العريس لن يستطيع الحضور، وقدر الله وما شاء فعل. واحد نزيل الزنزانة رقم 21 فى سجن القلعة لبضعة أسابيع فى عهد عبد الناصر بتهمة الشيوعية ليعارضه بأغنية «ولا قد لومية يا أبو العيون العسلية» ولكن ذلك لم يمنعه من تمجيد السد العالى والهتاف له: «اضرب.. ولا يهمك يا ريس..وأحلف بسماها وبترابها.. وأبدا بلدنا للنهار».. واحد قال لنا قبل ما يموت: «مصر اتعودت المرور برقبة القزازة لكنها أبدا لن تموت ولن تجوع وسوف ينبلج الفجر الجديد.. أبدا بلدنا للنهار».. وأنت اللى قلت يا خال: «أول ما يجيلك الموت.. أفتح».. وفتحت له يا خال، وكان الموت «ساكن» فى خد الباب، وكنا بيك عايشين، ومش بيك حاجة كبيرة يا صديق العمر ناقصانا!!.