رغم انتماء مسرحية يوليوس قيصر لمجموعة المسرحيات التاريخية عند تصنيف أعمال وليام شيكسبير, ورغم أنها ليست من ضمن تراجيدياته الكبرى ، إلا أن سبب ذيوع صيت هذه المسرحية علي وجه التحديد هو أنها جسدت أهم و أبرز معاني لعبة السياسة: الانتصار و الهزيمة .. الوفاء و الخيانة ... الحشد و الاستقطاب .. تكوين التحالفات ... خطورة المعارضة .... كل هذه المعاني السياسية, و غيرها الكثير, تشاهد تعريفات واضحة لها في مسرحية يوليوس قيصر, بصورة عملية أفصح بكثير من أي كلام نظري. و لعل أبدع ما جاء في هذا الإطار هو الخطاب الذي ألقاه مارك أنطونيو على العامة بعد موت يوليوس قيصر ، و لذلك فهو مادة للدراسة في جميع كليات ومدارس الأدب والسياسة في جميع أنحاء العالم ، حتى يستفيد طلاب علم السياسة- ويستمتع طلاب الأدب- بالمناورة الكلامية البديعة التي وضعها شيكسبير على لسان أنطونيو و استطاع من خلالها أن يحشد آلاف العامة من أبناء الشعب في صفه وصف الملك القتيل ، بعد لحظات من ثورتهم العارمة ضده وهتافهم بسبابه وظلمه لهم. والفارق بين نقطة البداية في هذا الخطاب و نهايته كالفارق بين قاع جبل و قمته ، فقد بدأ أنطونيو الخطاب بقوله : "إن بروتوس و رجاله رجال أشراف" ، لكن ما هي إلا مسألة دقائق حتى تحول هتاف الجماهير لهم إلى التوعد بالويل و الثبور و عظائم الأمور ضد قاتلي الملك الراحل وأولهم صديقه بروتوس. فقد خرج أنطونيو على الجماهير وجثة الملك القتيل بين يديه و عرض عليهم رداءه الذي مزقته طعنات الغدر ووصلت إلى قلبه بيد أقرب و أوفى أصدقائه اليه …. ذكّر الحشود بوفاء الملك لبلاده و تضحياته من أجلهم …كيف كان يعطف على فقرائهم و يساعد محتاجيهم .. كل ذلك و هو يؤكد بين كلماته أن "بروتوس و رجاله قوم أشراف " . إلي أن وصلت الخطبة إلى ذروتها و ضمن أن الآلاف اتخذوا صفه بهتافهم للملك الراحل . فقرر أن يسدد الضربة القاضية في نهاية خطبته حتى لا تملك الحشود بعدها إلا الحركة لا الكلام .. فقد قرأ أنطونيو عليهم وصية قيصر التي يهب لهم فيها كل ما يملك من مال و ضياع و ثروات. والمثير في الأمر أن بروتوس هو من طلب من أنطونيو أن يخرج إلى الجماهير و ليقل لهم ما يشاء لأنه واثق من سلامة موقفه وانحيازه له. خلاصة القول أن السياسة ما هي إلا لعبة مسرحية امتلك شيكسبير أهم مفاتيحها ووظفها ببراعة الأديب الدرامى الفذ ، وتركنا نتعلم من تراثه أشياء أخرى كثيرة غير المسرح.