رغم العواصف والأنواء وتقلبات الطقس وتباعد المسافات، هجروا بيوتهم وأطفالهم ونساءهم وقطعوا مئات الأميال للبحث عن الرزق الحلال، تحملوا الصعاب وباعوا الغالى والنفيس حتى يظفروا برحلة سمكية دسمة تمكنهم من الإنفاق على أسرهم بعد أن ضنت عليهم أرضهم وبحارهم وأصبح صيدهم فيها حصريا على الماء العكر الذى تنظمه قواعد الاستبداد القائلة بأن السمك الكبير يأكل الصغير دائما. حوالى 106 صيادين مصريين من أبناء المطرية محافظة الدقهلية شدوا رحال مراكبهم الثلاثة باتجاه السواحل الأريترية فى أقصى جنوبالبحر الأحمر فى رحلة تستغرق بضعة أسابيع يحملون معهم رخص الصيد والأوراق الرسمية، لكن حظهم العاثر أوقعهم فى شباك السلطات السودانية، جرف تيار الماء سفنهم بقوة إلى المياه الإقليمية قرب ميناء بورسودان فوجدوا أنفسهم خلف القضبان يحاكمون بتهمتى الصيد بدون ترخيص وخرق المياه الإقليمية والعقوبة 6 أشهر سجنا وغرامة 5 آلاف جنيه سوداني. الا ان قرار وزير العدل السودانى بوقف محاكمتهم ظهر لهم مثل بريق فى الافق فى ليله معتمه وينتظرون المزيد من السلطات السودانيه الشقيقه لانهم اسر تتجرع آلام الفقر ليلا ونهارا وعجزوا عن تدبير القوت اليومى لابنائهم بعد حبس الصيادين داخل السجون السودانيه ولم يخفف من الصدمة إفراج السلطات السودانية عن 7أشخاص من القاصرين ومسن من بين الصيادين لأن هناك 98 شخصا آخر منهم 6 أشخاص من أسرة واحدة ما يزالون فى السجون السودانية. لم يصدق الصيادون أنفسهم من هول المفاجأة؟ فكيف تعيش أسرهم ومن أين تنفق على دراسة وتعليم وعلاج وطعام الأولاد وكيف تسدد أقساط الديون؟ فى مدينة المطرية التى اتشحت بالأحزان والقلق، علق الناس لافتات مكتوبا عليها "حداد حتى عودة أبنائنا من السودان"، بينما علا أنين أهالى الصيادين وسالت دموعهم وهم يحملون صورهم خوفا على مصيرهم. تقول ناعسة أحمد الزينى زوجة عبده محمد على شتا، 49 سنة، إن زوجها مصاب بأمراض عديدة ويعمل بطهى الطعام على المركب للصيادين، ولديه 4 أولاد ولا يوجد لهم أى مصدر دخل سوى عمله من الصيد. أما فاطمة عبدالقادر والدة محمد والسيد وجمال السيد وهم ثلاثة شبان محتجزون فى السودان فقالت وصوتها يخنقه الأسي: والدهم متوفى من شهر فقط وجمال الأصغر ولم يكمل تعليمه لمساعدة الأسرة أما إخوته فكل واحد منهم لديه ثلاثة أطفال وزوجة وعليهم ديون ذهبوا للعمل لسدادها، كما أن زوج ابنتها محمد فؤاد أبو سمرة محتجز هو الآخر ولديه ثلاثة أطفال ينتظرون عودته، وأضافت الحاجة فاطمة أن العائلة كلها تعيش فى مأساة وتنتظر بفارغ الصبر عودة أبنائها الذين لم يطلبوا منها سوى الدعاء بأن يعودوا سالمين. وقالت أمينة أحمد السويركى، ربة منزل أن زوجها محمد أبوسمرة 32 سنة، من بين المحبوسين وهم لديهم 3 أطفال هم شروق، 10 سنوات، وعبدالله 8 سنوات، ومحمد 4 سنوات، ولم يعد لديهم أى مصدر رزق بعد حبس والدهم، مؤكدة أنهم لو وجدوا فرص العمل فى مصر ما تشردوا فى البحار خارجها. ومن مفارقات القدر أن محمود الشوا 26 سنة وأحد المحبوسين فى السودان لم يتمكن من متابعة ولادة زوجته إيمان السعيد لأول طفل لهما. وقالت الزوجة بحزن وحسرة: علينا ديون كثيرة نسددها منذ زواجنا، وجعلتنا نعجز حتى عن سداد إيجار المنزل الذى نسكن به، مما اضطره للخروج للبحر لأن بحيرة المنزلة لا يوجد بها أسماك ورزقها قليل. وتتحدث السيدة أم عبده بمرارة عن غياب اثنين من أبنائها ضمن المحتجزين، مشيرة إلى أنها فقدت أحد أبنائها وزوج ابنتها فى حادث غرق السفينة "مكة" العام الماضى بعد أن اصطدمت بها إحدى السفن أثناء توقفها، وتطالب المسئولين بالتدخل لحماية ما تبقى من أبنائها وجميع المحتجزين . ويؤكد طه الشرايدى نقيب الصيادين بالمطرية أن الجهود لم تتوقف لإطلاق سراح الصيادين المحبوسين والتخفيف عن أسرهم متوقعا حل الأزمة فى أى لحظة، حيث تدخلت الحكومة المصرية على أعلى مستوى سواء على مستوى السفارة المصرية بالخرطوم أو وزارة الخارجية، وطلب وزيرا الرى والزراعة أثناء زيارتهما للخرطوم الإفراج عن الصيادين، كما التقى أهالى الصيادين مسئولى السفارة السودانية بالقاهرة والذين وعدوا خيرا بسرعة إطلاق الصيادين، فضلا عن شكاوى قدمت إلى رئاسة الجمهورية. ويؤكد الشرايدى أنه تجرى بحوث اجتماعية على أسر الصيادين بناء على توجيه محافظ الدقهلية لوزارة التضامن تمهيدا لصرف مساعدات مالية لهم، مشيرا إلى جلسات استئناف على أحكام حبس الصيادين ويتوقع أن تفضى إلى نتائج طيبة ، لكنه أشار إلى نقطة مهمة وهى أن المعاناة التى يواجهها الصيادون سوف تستمر فى البحرين الأحمر والمتوسط إذا لم تتم معالجة مشاكلهم فى الداخل وتسهيل قيامهم بالعمل داخل بحيرة المنزلة وتطهيرها من التعديات والتلوث لأن الصيد رزقهم ومهنتهم ورثوها عن آبائهم وأجدادهم. ومن جانبه يطالب عبد الكريم الرفاعى شيخ الصيادين بالمطرية الحكومة بسرعة إصدار قرار يمنح أسر الصيادين المحتجزين معاشات استثنائية ومساعدات عاجلة لأن هؤلاء الصيادين يعولون أسرهم ولا يوجد لهم أى مصدر آخر لرزقهم سوى الصيد.