« مصر قلب الأمة الإسلامية ونبض العروبة وصاحبة الريادة ، والأزهر منارة الإسلام فى العالم » وغير ذلك من الجمل الجميلة البراقة تتردد دائماً على لسان المسئولين ورجال الخارجية وكبار القوم وحتى العجائز ، شعارات يعتبرها البعض من الشباب فى زماننا الحالى جوفاء أو فقدت معناها ولا يعرفون لها أصلاً وفصلاً أو حتى يشككوا فيها ، ولكن الوثيقة التى أعرضها هذا الأسبوع تؤكد أصالة هذه الشعارات و ريادة مصر فى الحفاظ على الهوية الإسلامية وشعور مصر بالمسئولية تجاه المسلمين فى العالم من شرقه الى غربه . والوثيقة هى عبارة عن نداء من شيخ الأزهر محمد مصطفى المراغى (1881 - 1945) الذى شغل منصب شيخ الأزهر في الفترة من 1928 حتى استقالته في 1930 ثم تولى المشيخة مرة أخرى عام 1935 وحتى وفاته في ليلة 14 رمضان 1364 ه الموافق 22 أغسطس 1945 يقول فيه ؛ الى إخواننا المسلمين ، تقرر انشاء مسجدين للمسلمين على أن يكون بجوار كل منهما معهد للثقافة الإسلامية أحدهما بلندن عاصمة بريطانيا العظمى والثاني بواشنطن عاصمة الولاياتالمتحدة ، ولا شك أن هذا عمل جليل القدر عظيم الخير للإسلام والمسلمين لأنه سيكون من شأنه إرشاد الناس فى هاتين المملكتين العظيمتين الى ما فى الإسلام من هدى ونور وحكمة ، ولهذا كان من واجب المسلمين فى مصر وغيرها على أن يعملوا على إقامة صرح هذه المنشآت الجليلة وأن يسهموا فى إنجازها ، ولقد تفضل حضرة صاحب الجلالة مولانا الملك المعظم - وهو هنا يشير الى الملك فاروق - حفظه الله كما هى عادته فى السبق الى فعل الخيرات فتوج هذا المشروع العظيم بأن تبرع لكل مسجد بمبلغ عشرة آلاف جنيه أدامه الله ذخراً للإسلام وجعل من حياته المباركة قوة فى توجيه الناس الى التسابق فى فعل الخيرات ، وإنى إذ أرسل ندائى هذا الى إخواننا المسلمين عامة وإخواننا العلماء وإبنائنا الطلبة خاصة أهيب بهم جميعاً الى التسابق فى التبرع لهذا المشروع العظيم الذى اصبح من واجب كل مسلم ان يسهم فيه ، وقد وكلت الى حضرة صاحب الفضيلة الشيخ محمد مأمون الشناوى وكيل الجامع الازهر أمانة صندوق التبرعات لهذا المشروع ليرسل اليه كل من تجود نفسه بالمبلغ الذى يريد أن يتبرع به . وفى الختام قال المراغى « وإنى أرجو الله سبحانه وتعالى أن يكلل هذا العمل العظيم بالخير والنجاح وأن يعيننا جميعاً على فعل الخير وكل ما فيه صلاح للمجتمع وعزة وفلاح للمسلمين والسلام عليكم ورحمة الله » . ومن هذه الوثيقة نتبين إن مصر من خلال الازهر الشريف كانت منذ قديم الزمن تحمل على عاتقها نشر الإسلام بمفاهيمه السامية من خلال الدعوة الى انشاء المساجد فى جميع أنحاء العالم وإلحاق معاهد تنويرية بها لتكون مراكز للإشعاع الدينى وللتعريف بدين الإسلام الحنيف وفى سبيل تشجيع المواطنين للتبرع افتتح الملك المصرى هذا السباق الخيري مما من شأنه أن يشجع كبار القوم والباشوات والأغنياء الى أن يحذوا حذوه مما يشير الى أن الملك الذى طالته الشائعات بأنه كان سكيراً وزئر نساء وينفق أمواله على موائد القمار كانت له جوائب مضيئة تمثلت فى سرعة استجابته لدعوة الازهر لبناء هذين المسجدين فدفع من ماله الخاص عشرين ألف جنيه وهو مبلغ كبير بمقياس هذا الزمان ، كما توضح الوثيقة أن أسلوب التبرع أو الاكتتاب كان معمولاً به فى ذلك الوقت لإقامة المشاريع الضخمة . بقى أن أقول إن مسجدى لندنوواشنطن لهما حكايات جميلة منها أن مسجد لندن المركزي الذى افتتح رسميا من قبل الملك جورج السادس في عام 1944 ، الارض التى أقيم عليها هى عبارة عن عملية مبادلة فقد تبرع بالأرض الملك جورج السادس للمجتمع المسلم ببريطانيا في مقابل التبرع من الأراضي في القاهرة من قبل الملك فاروق من مصر والسودان لبناء الكاتدرائية الانجليكانية . وقد ظهرت فكرة بناء مسجد في لندن عام 1931 بدأها اللورد هيدلي الذي اعتنق الإسلام وتمكن إخيراً من إقناع الحكومة البريطانية عام 1940 لتقديم موقع للمسجد في لندن للمجتمع المسلم فى بريطانيا العظمى ، في 24 اكتوبر إجاز تشرشل رئيس مجلس الوزراء تخصيص 100،000 جنيه استرليني لشراء موقع المسجد في لندن . أما مسجد واشنطن فله حكاية أخرى مفادها أنه في عام 1945م توفي السفير التركي فجأة في العاصمة الأمريكية، وتحيَّر المسلمون أين يقيمون صلاة الجنازة عليه، وتقبل العزاء فيه، الأمر الذي دفع بالسفير المصري السيد محمود حسن إلى عرض فكرة بناء مسجد للمسلمين في الولاياتالمتحدة الأميركية وقد قامت الحكومة الأميركية آنذاك بالتبرع بقطعة أرض تبلغ مساحتها 30.000 قدم مربعة، يقدر ثمنها بنحو مائة ألف دولار، وقد اختيرت الأرض في شارع من أجمل شوارع واشنطن، وقد قامت وزارة الأوقاف المصرية بعمل الرسوم والتصميمات بالأسلوب المعماري المعروف في القرن الثاني عشر وقد بلغت التكاليف البناء نحو 1.250.000 دولار أمريكى... والله على مصر وملوكها وشعبها زمان . حكايات من أوراق قديمة نداء من الأزهر لبناء مسجدى لندنوواشنطن والملك فاروق أول المتبرعين تقدمها : أمل الجيار [email protected] .eg