بالتأكيد ...يبدو الوضع متغيرا عما كان عليه فى نهاية التسعينات عندما قررت الأممالمتحدة أن تجعل عام 2001 عاما للحوار بين الحضارات بدعوة من الرئيس الايرانى محمد خاتمى. فهذه الدعوة جاءت كحلم وليد لفلسفة إصلاحية، فما كان يهم خاتمى وقتها أن تفتح الأبواب لبلاده وتعوضها سنوات من العداء وتقطع السبل بينها وبين الأخرين. بدا هذا المنطق مقبولا من المصريين وإن كانوا أضافوا ترجمتهم الخاصة. ففى نفس العام عادت مكتبة الاسكندرية إلى الحياة بمهمة أكثر طموحا عندما تبنت فكرة نقل صورة مصر إلى العالم، وفى الوقت نفسه نقل ما يحدث فى العالم إلى مصر. وهو ما يعنى أنها عادت بنفس منطق التنوير المصرى. فالحوار ببساطة تعبير عن الود والرغبة فى التفاهم وقبول الآخر مقبولا وموصولا، ولهذا فمن المنطقى أن نشارك فى حوار للحضارات وتحالف لهذه الحضارات, ذلك الكيان الذى ولد برعاية الأممالمتحدة التى اسندت مسئوليته إلى جورج سامبايو رئيس البرتغال السابق كممثل أعلى لتحالف الحضارات إلى جانب شخصيات دولية يتوسم العالم فيها الرغبة فى الاصلاح. فمن خلال اثنتى عشرة مبادرة خاصة بالتعليم والشباب والاعلام والهجرة، وضعت الأممالمتحدة حسب وصف سامبايو فى تصريح خاص للأهرام السبيل لرأب الصدع العميق بين المجتمعات صاحبة التقاليد الثقافية والدينية المختلفة. نفس المنطق تبناه مركز الملك عبد الله لحوار الأديان بفيينا، الذى أسسه الملك الراحل حين أعلن عن حوار ليس فقط بين المسلمين والمسيحيين، بل بين كل ممثلى الديانات فى العالم. فالهدف كما قالت لى نيانا نياراجان مسئولة الاعلام بالمركز: أنه بدون حوار لن يكون هناك سلام . فالسلام لا يعنى اختفاء الحروب فقط، ولكنه يعنى بشكل أكثر دقة التعايش الجيد بين البشر والشعوب. والفكرة الاساسية هى اقرار الحوار بين اتباع الديانات المختلفة. فالمجتمعات التى تعرف العنف تكون غالبا ضحية لتفسيرات اجتماعية خاطئة. ولهذا فالمقصود هو فتح مجال للحوار بين القادة السياسيين والدينيين والمجتمع المدنى حتى يكون لدى الجميع الفرصة فى الوصول إلى حل لوقف العنف، والتفاعل بنجاح مع المشكلات الاجتماعية الطارئة. فعندما يتمتع الجميع بحقوق المواطنة، فهذا يعنى بالطبع أن المجتمع قد أنقذ نفسه من النظرة الضيقة. والأن لدينا مشروعات ونعمل مع شركاء فى العراق وميانمار وسوريا ونيجيريا وجمهورية إفريقيا الوسطى. وخبراتنا فى حوار الأديان ترجح فكرة خريطة سلام، وهى خريطة غير مسبوقة تضم مجموعة من المنظمات التى دخلت فى حوار الأديان مع التركيز على السياق المحدد للعنف الجماعى حت يمكن وضع حلول للصراعات حول العالم وإقرار السلام. وفى الوقت نفسه نستعد لإطلاق أول دورة للحوار بين الأديان على الانترنت كنتاج للتعاون بين المركز ومجموعة من الجامعات مثل جامعة مونتريال بكندا، وجامعة مدريد واحدى معاهد برشلونة. وباختصار شديد يمكننا تحديد ثلاثة عوامل وهى التعليم والاعلام والمعرفة بمهمة الحوار بين الأديان والثقافات حتى تكون لدينا صورة جيدة وواضحة عن الآخر، وفهم من يختلفون عنا ومعرفتهم المعرفة الصحيحة. فبالنسبة للتعليم فأنه ليس من المهم فقط أن نعرف شيئا عن الديانات الأخرى فى المدرسة، ولكن الأهم أن تلعب مسألة الحوار والمشاركة دورا كبيرا فى المناهج التعليمية. وبالنسبة لوسائل الإعلام فهى أحيانا ما تربط بين الدين والعنف، وهو نموذج بعيد عن ذلك الذى يقدمه عدد كبير من المتدينين. ولهذا نهيب برجال الدين و المتخصصين فى حوار الأديان ورجال الإعلام بمساعدة وسائل الاعلام فى إبراز مجتمعاتهم الذين يقومون بخدمتها فى واقع الأمر بما يفيد من معلومات وبما يفيد فى إقرار حالة السلام الاجتماعى. ومساعدة القائمين على الحوار بتأدية عملهم بشكل أفضل بحديثهم عن التسامح والتعايش المشترك و السلام. والنسبة للمعرفة بنتاج الحوار بين الأديان فإن كايسيد أو مركز الملك عبد الله للحوار بين أتباع الأديان والحضارات هى المؤسسة العالمية الوحيدة المعنية بالحوار بين أتباع الاديان والثقافات المختلفة و تهتم بما يسمى منتج الحوار. فنحن نربط الأبحاث الأكاديمية بالمعرفة التطبيقية ونقدم المعلومة ونستفيد منها فى صورة مبادرات. وقدمنا حوارا وراء الحوار فى مؤتمر فى نوفمبر الماضى وهو ما جمع ستين باحثا لمناقشة أحدث التطورات فى مجال الحوار بين الأديان. وهى الأبحاث التى ستنشر قريبا هذا العام. وبعد فإذا كانت لغة الحوار مازالت صاحبة صوت مرتفع فى بلادنا، وإذا كان من دافعوا عنها قد قالوا كلمتهم فى أن الحوار هو أفضل ما يحسب لهم, أكثر من أى منصب سياسى أو رئاسى. فهذه أفكار لثلاثة حكام على اختلاف دولهم وظروفهم، وأكثر ما يحسب لهم أن هناك حوارا بين المسلمين والبوذيين لبحث مشكلات مسلمي ميانمار يدعمه مركز الملك عبد الله ترفع توصياته بعد أيام إلى قمة«الأسيان» المقرر عقده فى السادس والسابع والعشرين من أبريل فى ماليزيا، وأن هناك مناقشات حرة لمبدأ التسامح فى نيويورك تبدأ غدا برعاية تحالف الحضارات، وأن هناك حوارا دائما للبشر والحضارات والقيم ..فما الذى يرجح كفة العنف والاختلاف ؟مجرد سؤال.