أظهرت المناظرة التليفزيونية التى جرت بين أحزاب المعارضة البريطانية أمس الأول، أن كل الطرق تؤدى إلى تحالفات اللحظة الأخيرة بين هذه الأحزاب، بعد أن أخفقت هذه المناظرة فى إفراز فائز واضح، ولم تحسم مواقف الأحزاب تجاه معظم القضايا الرئيسية التى تهم الناخب البريطانى. وأشار استطلاع للرأى أجراه معهد «سيرفاشن» وصحيفة «ديلى ميرور» عقب انتهاء المناظرة، إلى أن زعيم حزب العمال المعارض إد ميليباند فاز بتأييد 35٪ من أصوات عينة تمثيلية شاهدت المناظرة، بينما فازت نيكولا ستورجين زعيمة الحزب القومى الاسكتلندى ب31٪ من الأصوات، وحزب استقلال المملكة المتحدة (يوكيب) بزعامة نايجل فاراج ب27٪ من أصوات العينة. وكان كثير من الناخبين يأملون فى أن تساعدهم المناظرة على حسم توجهاتهم الانتخابية على الأقل فى القضايا الحاسمة، مثل خطة الانعاش الاقتصادى، وزيادة معدلات النمو، وتقليل الديون الخارجية، وخفض البطالة، وإنقاذ نظام الرعاية الصحية، والهجرة والأمن، لكن حزب العمال قدم وعودا انتخابية عامة، ورفض مييلباند خلال المناظرة تحديد القطاعات التى سيقلص ميزانياتها من أجل سد العجز فى الميزانية، كما لم يعلن حجم تقليص الإنفاق الحكومى، ولا كيف سيمول العجز فى ميزانية برنامج الرعاية الصحى الوطنى. ومع غياب هذه الأرقام المهمة وغيرها، وغياب ديفيد كاميرون رئيس الوزراء زعيم حزب المحافظين، الذى فضل عدم المشاركة فى هذه المناظرة، لم يجد الكثير من الناخبين البريطانيين أنفسهم أقرب خطوة لتحديد لمن سيصوتون. وكانت الانتقادات المتلاحقة والعنيفة التى وجهتها نيكولا ستورجين زعيمة الحزب القومى الأسكتلندى، وليان وود زعيمة الحزب القومى فى ويلز، وناتالى بينيت زعيمة حزب الخضر، إلى ميليباند، كاشفة عن مدى غياب الفروق الحقيقية بين حزبى العمال والمحافظين فى الكثير من القضايا الانتخابية. فالعمال والمحافظون يتفقان على ضرورة تقليص الإنفاق الحكومى للكثير من برامج الرعاية الاجتماعية والخدمات التى تقدمها الدولة، كما يتفقان على أهمية بقاء مبدأ الردع النووى، بالرغم من أنه يكلف الخزينة نحو 100 مليون جنيه استرلينى، فى الوقت الذى يقلص فيه الإنفاق الحكومى عموما. ولم تظهر ستورجين أى اقتناع عندما قال ميليباند، إنه فى عالم شديد الخطورة وتحولات دولية متسارعة يجب أن تحتفظ بريطانيا بترسانتها من الأسلحة النووية لمواجهة مخاطر مثل «داعش». وعندما سألته ستورجين إذا كان ممكنا أن «يضغط على الزر» النووى إذا ما أصبح رئيسا للوزراء لمواجهة أخطار معينة، رد ميليباند «لا»، ما دعا البعض إلى التساؤل بسخرية حول كيف يمكن الجمع بين «الردع النووى» مع «إعلان عدم استخدامه», فى الوقت نفسه وخلال المناظرة، اتهمت ستورجين ميليباند أيضا بأنه «خائف جدا من أن يكون حاسما فى مواقفه». وأنه لا خلاف حقيقيا بينه وبين المحافظين فيما يتعلق بتطبيق برنامج اقتصادى متقشف، واصفة هذه الانتخابات بأنها ل «طرح بدائل عن التقشف.. أريد أن يكون حزب العمال أكثر شجاعة، وأن يقدم التغيير الذى تحتاجه البلاد من أجل النمو الاقتصادى». ثم أعلنت ستورجين أن الحزب القومى الاسكتلندى جاهز للدخول فى حكومة ائتلافية مع العمال إذا أعلن ميليباند مواقف أكثر يسارية. إلا أن زعيم العمال رد عليها:»أنا آسف. ردى هو لا»، قائلا إن الخلافات بين الحزبين كبيرة جدا وإن الحزب القومى تحت قيادتها ما زال راغبا فى الانفصال عن المملكة المتحدة «وهذا خطر على البلاد كلها». بالمقابل دعا ميليباند الناخبين إلى إعطاء العمال الأغلبية المطلقة فى البرلمان المقبل إذا أرادوا التخلص من حكومة كاميرون. أما حزب الاستقلال أو يوكيب بزعامة فاراج، والذى تتباين استطلاعات الرأى بشكل لافت حول النسب التى يمكن أن يحصل عليها، فما زال التحالف معه خطا أحمر للحزبين الكبيرين بسبب موقفه من المهاجرين ومطالبته بإجراء استفتاء شعبى على بقاء بريطانيا فى الاتحاد الأوروبى. أما القوميون الاسكتلنديون، فيرى الكثيرون أنهم «يدفعون حزب العمال لمزيد من التطرف اليسارى»، بسبب رغبتهم فى إنهاء برنامج التقشف وزيادة الانفاق الحكومى. وخلال المناظرة، كان حزب المحافظين الغائب - الحاضر، ففى رأى كاميرون ومساعديه لم يقدم أى من هذه الأحزاب إجابات ناجحة للمشكلات الكبيرة التى تواجهها بريطانيا، والأهم بالنسبة للمحافظين أنه لم يظهر «أى تحالف طبيعى» بين أحزاب المعارضة قادر فى هذه اللحظة على الحلول محل تحالف المحافظين والديمقراطيين الأحرار. وعلى هذه الأرضية يرى كاميرون أنه كان الفائز الأكبر فى المناظرة التى غاب عنها.