فى 21 مارس الماضى ، استقبل السيد رئيس الجمهورية د. علوى شهاب المبعوث الخاص لرئيس اندونيسيا للشرق الاوسط ومنظمة التعاون الاسلامى ، حيث سلمه دعوة الرئيس الاندونيسى للمشاركة فى قمة آسيا / افريقيا التى تستضيفها اندونيسيا فى 21/ 22 إبريل الجارى تزامناً مع ذكرى مرور 60 عاماً على انعقاد مؤتمر باندونج 1955. وحسبما أشارت وسائل الاعلام ، فقد أعرب شهاب عن تطلع بلاده لقيام الرئيس بزيارة رسمية لإندونيسيا الحريصة على تفعيل علاقاتها التاريخية بمصر والقمة التى دٌعى اليها السيد الرئيس هى القمة الثانية لدول آسيا وإفريقيا ،حيث سبق واستضافت اندونيسيا القمة الاولى يومى 22 / 23 ابريل عام 2005 ، فى الذكرى الخمسين لمؤتمر باندونج ، وذلك تحت شعار « روح باندونج ... نحو شراكة استراتيجية آسيوية / افريقية جديدة «. ولقد جاء هذا التحرك الاسيوى الذى قادته اندونيسيا_ صاحبة اكبر اقتصاد فى تجمع آسيان وقوته الدافعة _ بمبادرة كانت حكومة ميجاواتى سوكارنوبوترى( أغسطس 2001 – ديسمبر 2004 ) ، قد تقدمت بها على هامش مشاركتها فى القمة الثامنة لتجمع آسيان ( بنوم بن – 5 نوفمبر 2002 ) ، حيث اقترحت ، بعد عرض تقدم به تابومبيكى رئيس جنوب افريقيا السابق أمام القمة أكد خلاله الحاجة الى شراكة جديدة بين تجمع آسيان وافريقيا ، خاصة فى ضوء مبادرة نيباد ( الشراكة الجديدة للتنمية الافريقية ) تطوير علاقات أوثق بين آسيا وافريقيا ، وهو ما اتفق على بحثه مستقبلاً . وفى هذا السياق ، ورغبة منها فى القيام بدور فاعل فى اطار حركة عدم الانحياز ، خاصة بعد سنوات من الانحسار بسبب التداعيات الداخلية للأزمة المالية العالمية عام 1997 / 1998 ، دعت اندونيسياوجنوب افريقيا الى مؤتمر وزارى تحضيرى أول – ترأسه وزيرا خارجية البلدين حسن ويرايودا و زوما ( رئيسة مفوضية الاتحاد الافريقى حالياً ) – للمنظمات دون الاقليمية فى القارتين فى باندونج يومى 29 / 30 يوليو 2003 ، خلص الى إصدار بيان ختامى عن رئاسته المشتركة تضمن بصفة خاصة : الحاجة الى رؤية مشتركة وعمل جماعى من دول آسيا وافريقيا لضمان نصيب عادل من مكاسب العولمة ومفهوم الشراكة الاقتصادية الجديدة بين القارتين ومبادئها ومجالاتها والاولويات ذات الصلة وقد وافق المؤتمر على تشكيل مجموعة عمل برئاسة الدولتين قامت بإعداد برنامج عمل يشمل آليات ومجالات وأشكال التعاون لضمان تحقيق مشاركة إستراتيجية بين القارتين . وعرضت اللجنة نتائج أعمالها على مؤتمر وزارى تحضيرى ثانى استضافته جنوب افريقيا عام 2004 ، قبل عقد القمة الاولى للقارتين فى إبريل من العام التالى ، بمشاركة وفود من 92 دولة . وقد صدر عن القمة إعلان حول الشراكة الاستراتيجية الاسيوية / الافريقية الجديدة تضمن تأكيد الدول المشاركة على ان مبادئ باندونج الثلاثة ( التضامن والصداقة والتعاون ) ما تزال تشكل أساساً متيناً لعلاقات أوثق بين دول آسيا وافريقيا ، وان روح باندونج قد نجحت فى القضاء على الاستعمار وعلى التمييز العنصرى وأشكال التمييز الآخرى . وأضاف الاعلان أنه بجانب التزام دول القارتين بمبدأ تقرير المصير وفقاً لميثاق الاممالمتحدة وأهمية تبنى المقاربة متعددة الاطراف فى العلاقات الدولية ، والحاجة الى البناء على ما تحقق على صعيد التعاون جنوب / جنوب ومنع النزاعات وتسويتها بالوسائل السلمية ، فقد تقرر إنشاء شراكة استراتيجية جديدة بين القارتين ( NAASP ) كإطار لبناء جسر بين آسيا وافريقيا يغطى مجالات ثلاثة للشراكة هى : التضامن السياسى والتعاون الاقتصادى والعلاقات الاجتماعية / الثقافية ، وذلك بما يحقق السلام والرخاء والتقدم لشعوب القارتين .ووفقاً للاعلان تعقد قمة رؤساء الدول والحكومات كل أربع سنوات واجتماع لوزراء الخارجية كل عامين واجتماعات وزارية قطاعية وفنية آخرى كلما إقتضت الضرورة ذلك . ومن الواضح ان الاوضاع الدولية المتغيرة والتحديات والازمات التى تواجهها بعض دول آسيا وافريقيا والتباينات فى توجهاتها السياسية والاقتصادية ، واستقطاب بعضها من قوى كبرى قد حال دون عقد هذه القمة أو اجتماع الوزراء وهو ما تبدى بوضوح فيما آلت اليه حركة عدم الانحياز . وكما هو معلوم كان مؤتمر باندونج قد عقد من 18 / 24 ابريل عام 1955 برعاية دول آسيوية خمس هى كل من اندونيسيا والهند وبورما ( ميانمار حالياً ) وباكستان وسيلان ( سيرلانكا حالياً)، انضمت اليها 24 دولة من آسيا وافريقيا ، من بينها مصر التى مثلها رئيس وزرائها انذاك الزعيم جمال عبدالناصر . وثمة إجماع على ان مؤتمر باندونج لم يكن بالغ الاهمية فى آثاره فحسب ، بل وفى مدلوله أيضاً . كما انه مما لا شك فيه ان مشاركة جمال عبدالناصر أعتبرت بحق الحدث الاهم فى المؤتمر ، حيث وضعته هذه المشاركة على نفس مستوى نهرو وشواين لاى ، خاصة بعد ان طرح بقوة القضية الفلسطينية أمام المؤتمر وتبنى مسألة تحرير شعوب شمال افريقيا من الاستعمار الفرنسى ، وهو ما اعتبر فى نظر المحللين لنتائج هذا المؤتمر بأنه نجاح كبير لمصر وزعيمها الشاب فى تبنى سياسة خارجية مستقلة فى أوج الحرب الباردة الامر الذى انعكس بوضوح فى خطاب عبدالناصر امام المؤتمر وحرصه على تأكيد انه ليس موجهاً ضد أحد . وبعبارة اخرى منذ باندونج فرضت مصر نفسها كدولة رائدة فى الاستراتيجية الاقليمية والعالمية ، قبل ان يتراجع دورها بعد كامب ديفيد وتخليها طوعاً عن ثقلها الكبير المستمد من موقعها الفريد وتاريخها ووزنها المقدر إقليمياً ودولياً على نحو ما تجسد فى باندونج ، وذلك دون أى مردود حقيقى على مصالحها العليا وأمنها القومى . وهكذا فإنه بدلاً من مشاركتها فى القمة الاولى لآسيا وافريقيا عام 2005 بوفد رئاسى ، شاركت مصر بوفد وزارى رغم جهود مضنية بذلت لاقناع الرئيس الاسبق بالمشاركة وزيارة أندونيسيا ، التى حرص جميع رؤسائها ، ما بعد سقوط سوهارتو ، على زيارة القاهرة ( زيارة الراحل عبدالرحمن واحد مرتين أحداها فى يونيو 2000 للمشاركة فى قمة مجموعة ال 15 والاخرى فىفبراير 2001 وزيارة ميجاواتى فى سبتمبر 2002 ثم بامبانج يوديونو فى عام 2012 ) . ومما لا شك فيه ان بدء مصر مرحلة جديدة فى تاريخها بعد ثورتى 25 يناير و 30 يونيو وانفتاحها على كل القوى الكبرى فى العالم وتبنيها نهجاً خارجياً مستقلاً ومتوازناً ، يفرض عليها فى الوقت ذاته العودة بقوة الى أصدقائها فى العالم الثالث لاسيما فى قارتى آسيا وافريقيا ، اللتين تنتمى مصر اليهما جغرافياً ، كما تشاطر دول القارتين ذات الاجندة التنموية بما تحمله من تحديات اقتصادية وسياسية وامنية تستوجب التنسيق والتعاون المشترك .كل ذلك يجعلنا نأمل فى مشاركة مصر فى القمة الثانية لآسيا وافريقيا بوفد رئاسى . ذلك أنه بجانب ما توفره هذه المشاركة من فرص للإلتقاء بقادة العديد من الدول الصديقة والتشاور معهم فى القضايا المختلفة ذات الاهتمام المشترك ، فإن مجرد تواجد رئيس مصر فى قمة كهذه ينطوى على رسالة قوية بحرص مصر الجديدة على العودة الى أصدقاء طالما وقفوا معنا فى أزمات عدة ، كما تؤشر تلك المشاركة لرغبة سياسية فى التواصل والتفاعل المباشر مع هؤلاء الاصدقاء ، وعلى أعلى مستوى ، لتعويض سنوات العزلة والغياب وذلك بما يعيد لمصر دورها الفاعل ومكانتها الاقليمية والدولية التى تستحقها . لمزيد من مقالات عزت سعد السيد