من المعروف أن الشعر مقارنة بالرواية يعد هو الاسرع و الأكثر مواكبة وتعبيرا عن اللحظات الحاسمة فى حياة البشر وتاريخ الأمم، وأن التخيل السردى يحتاج لزمن ربما يمتد لعقود ليقدم رؤية ناضجة لافتة للحدث تفسر أبعاده و تحلل شخصياته الفاعلة وفضاءاته السياسية والاجتماعية والثقافية بما يضفى على العمل بعدا إنسانيا يتجاوز الزمن والمكان الضيقين ومحدودية الحدث نفسه ليصبح جزءا من التراث والتجربة الإنسانية. هذا ما ردده كبار كتابنا ونقادنا لعقود طويلة تبريرا لعدم ظهور متن روائى متماسك يلتقط لحظات مصيرية فى عالمنا العربى كحرب 73 وتجارب الوحدة والانفصال ويحولها لأعمال فنية تمثل علامة فارقة فى التراث الأدبى كحرب وسلام تولستوى وقصة مدينتى ديكنز و”الأم” لبيرل باك و”ذهب مع الريح” لمارجريت ميتشل ومزرعة حيوانات جورج أورويل وثلاثية نجيب محفوظ ومدن ملح عبد الرحمن منيف إلخ.. مع ذلك فمن الملاحظ أنه فى خضم الأحداث المتلاحقة والتحولات غير المسبوقة فى عالمنا ظهر الكثير من الاعمال الروائية التى تناولت اللحظة الآنية. وعلى الرغم من أن الوقت مازال مبكرا لكى يتمكن السرد العربى من تحليل اللحظة أو أن يصدر النقاد والتاريخ تقييمهما على الإعمال الروائية التى ظهرت خلال السنوات الأربع الأخيرة وإذا ما كانت ستحتل مساحة فى قائمة التراث الأدبى الإنساني، إلا أن الناقد الأردنى فخرى صالح يخوض غمار هذه المحاولة فى دراسته الشيقة «المشهد الروائى فى مهب الربيع العربي». ففيما يستعرض الناقد بعضا من الإنتاج السردى الروائى العربى فى لحظات فوران أحداث السنوات الاربع الماضية يشير إلى أن بعض ما كتب هو فى طبيعته أقرب إلى الريبورتاج الذى يتكئ على الحدث الواقعى أو ما يسمى الصحافة الجديدة التى تستخدم أساليب القص والتخيل لتعطى توهجا إنسانيا وعاطفيا لموضوعها الصحفى المحايد الجاف ويرى فى عمل الروائى الجزائرى الطاهر بن جلون «بالنار» نموذجا لهذا الشكل إذ وظف الكاتب البعد الإنسانى فى حكاية المواطن التونسى محمد البوعزيز وأضاف بعض الرتوش والتفصيلات الخيالية ليبدو العمل أقرب للمشهد الواقعى وللريبورتاجات الصحفية التى برع بن جلون فى كتابتها فى الصحف الفرنسية.. ويرصد الناقد بعض الأعمال الروائية التى استلهمت احداث الربيع العربى لتسجيل الجدل الفكرى والسياسى الذى لايزال محتدما حول المفاهيم السياسية والاجتماعية. وفى سياق ما يطلق عليه «رواية الأفكار» حيث تطغى الأفكار والموقف السياسى على التخيل الروائى وبناء الشخصيات والمعالجة السردية للأحداث والفضاء الزمانى والمكانى للعمل يشير لرواية الكاتب المغربى عبد الإله بلقيز -الحركة- ورواية “سقوط الصمت” للكاتب المصرى عمار حسن التى وصفها بأنها تبدو بحشود شخصياتها التى لم تتبلور ملامحها وطغيان الأفكار على البنية السردية أشبه بعالم من التحليل السياسى والاجتماعى والاستراتيجى. ويشير الناقد الأردنى إلى أنه فى مقابل هذا النوع من الكتابة اللاهثة وراء الحدث ظهرت أعمال روائية تماست مع الحدث واستوعبت أجواء الأماكن واستعادت العوالم والأحداث والمشكلات الغائرة التى خلفها القمع والاستبداد وربطت الحاضر بالماضى وتنبأت بالتحول وهبوب العاصفة وبظهور الفتن تشرذم الرؤى وتهاوى حلم الدولة الوطنية المبرأة من الطائفية المذهبية فكانت الأقرب إلى طبيعة فن السرد الروائى والنضج الفني، ومنها رواية «زمن الأخ القائد» للشاعر والروائى الليبى فرج العشة التى وظف فيها علم النفس الفرويدى والتحليل الماركسى لأحوال الشعوب ورواية الكاتب الليبى ابراهيم الكونى فرسان الأحلام القتيلة ورواية الكاتب السورى عدنان فرزات –كان الرئيس صديقى و«عصى الدمع» للكاتبة السورية مها السراج- ورواية السورى خالد خليفة «لا سكاكين فى مطابخ هذه المدينة» ورواية «التماسيح» للكاتب المصرى يوسف رخا ورواية الكاتب العراقى أحمد سعداوى «فرانكشتين فى بغداد» التى يصفها بأنها عمل مكتوب بذكاء وقدرة على نسج الحكايات ورسم الاماكن وتأمل لمفاهيم الخير والشر والضحية والقاتل والبراءة والأنانية فى قالب يستعير مادته من المشهد العراقى ويستعير من الأدب العالمى شخصية فرانكشتاين ومن التراث المسيحى شخصية القديس جاروجيوس. والحقيقة أن دراسة الناقد الأردنى وإن تعرضت لنماذج روائية محدودة إلا أنها فيما أوجزت ملامح خريطة الابداع الروائى العربى فى السنوات الأخيرة طرحت سؤالا مهما، فهل تطيح العواصف التى يشهدها عالمنا العربى بقاعدة تأخر الإبداع الروائى عن الشعر والسرد التسجيلى فى مواكبة الحدث؟ السنوات المقبلة ستحمل الإجابة.. لمزيد من مقالات سناء صليحة