دخل بنيامين نيتانياهو رئيس الوزراء الإسرائيلى لعبة شد حبل عنيفة مع الرئيس الأمريكى باراك أوباما بشأن الاتفاق الإطارى بشأن البرنامج النووى الإيراني. وسعى نيتانياهو عقب الاتفاق إلى شد الحبل إلى أقصاه بوصف الاتفاق بأنه "اتفاق شيء" يهدد وجود إسرائيل، وفى المقابل رد أوباما بأن مطالبات رئيس الوزراء الإسرائيلى غير واقعية ولا ترى حلاً دبلوماسياً لأزمة البرنامج النووى الإيراني، فيما البديل هو نشوب حرب جديدة فى الشرق الأوسط. تبادل الاتهامات بين نيتانياهو وأوباما يبعث للبعض فى الشرق الأوسط برسالة خاطئة وهى أن الحليفين على وشك الغرق فى أزمة حادة تعيد صياغة العلاقة بين واشنطن وتل أبيب خلال الفترة المقبلة. صراع أم مؤامرة .. هكذا يفكر عقل الأبيض والأسود "العربي" فى الخلاف الراهن بين نيتانياهو وأوباما، بينما الحقيقة جاءت على لسان الرئيس الأمريكى خلال حواره مع توماس فريدمان بقوله إنه "لا يمكن لأى خلاف بين الولاياتالمتحدة وإسرائيل أن يؤدى إلى كسر الرابط الذى يجمعهما"، فلا هو صراع ولا مؤامرة بل اختلافات سياسية بين دولتين حليفتين. هناك خلاف فى وجهات النظر بين أوباما ونيتانياهو حول العديد من القضايا منذ 2009، بدأ بضغوط أوباما على نيتانياهو لقبول مبدأ الدولتين، وصولاً لإجباره على تجميد بناء المستوطنات عشرة أشهر فى نهاية 2009، وبدأ التوتر مع أول مباحثات مطولة بين الإثنين فى البيت الأبيض فى مارس 2010، وصولاً إلى تأييد نيتانياهو العلنى لمنافس أوباما ميت رومنى خلال انتخابات 2012. ومن تلك النقطة تدحرجت كرة الثلج سريعاً بين الرجلين إلى الحد بالكشف عن تسمية البيت الأبيض لنيتانياهو ب"الدجاجة المبتلة" غير القادرة على اتخاذ قرار وإلقاء "بيبي" كلمة أمام الكونجرس دون تنسيق مع البيت الأبيض. ووسط هذه الخلافات التى وصلت لحد انتقاد البيت الأبيض بعنف لسياسات نيتانياهو بشأن حل الدولتين والمستوطنات واتهامات بيبى لواشنطن بتمويل حملة اليسار الإسرائيلى خلال الانتخابات، ظلت العلاقات الاستراتيجية بين واشنطن وتل أبيب ثابتة عندما يتعلق الأمر بتهديد أمن الدولة العبرية، فقد دعم أوباما وبقوة إسرائيل خلال عدوانها على غزة فى 2012 وفى رفض مساعى محاكمة قياداتها العسكرية أمام المحكمة الجنائية الدولية. ومع نشوب الخلاف الأخير بشأن كيفية التعامل مع البرنامج النووى الإيراني، تشدد نيتانياهو فى مواقفه ساعياً إلى استخدام الخطاب الصهيونى التقليدى بشأن التهديد الوجودى لإسرائيل، ورفض منطق أوباما فى الحوار مع طهران حتى كسرت قشة خطاب الكونجرس ظهر البعير مما قطع كافة الخيوط بين تل أبيب وواشنطن فى هذا الملف، فقد امتنعت الولاياتالمتحدة عن مشاركة إسرائيل فى تفاصيل المفاوضات الأخيرة مع طهران ولم تطلع تل أبيب على الاتفاق سوى عبر الصحف العالمية مما جل تأثيرها "صفرا" فى مجريات التطورات الأخيرة. فالخروج من اللعبة، كان العقاب الأوبامى لنيتانياهو الذى جعل رئيس الوزراء الإسرائيلى يقامر بالتعاون مع الجمهوريين وخاصة رئيس مجلس النواب جون بوينر ودفع العجلة نحو حصول الكونجرس على حق تعطيل اتفاق لوزان الإطاري. فى المقابل كان رد البيت الأبيض حاسماً على انتقادات نيتانياهو بأنه يبدو من الصعب إقناعه بل زاد أوباما بوصفه الاتفاق بأنه "فرصة العمر" رامياً كرات اللهب فى ملعب رئيس الوزراء الإسرائيلى بالقول إن البديل هو الحرب التى تهدد وجود إسرائيل بالفعل. وفيما كان أوباما يوجه "لكماته" لنيتانياهو، وجه كلامه للإسرائيليين مجدداً تعهدات واشنطن التاريخية بالوقوف معها إذا حاول أحد المساس بها ورفض إضعاف الدولة العبرية ومشدداً على أنه رغم الخلاف مع رئيس الوزراء الإسرائيلى بشأن القضية الفلسطينية والموقف من إيران، فإن دفاع أمريكا عن إسرائيل لا يتزعزع. ومع شعوره بالهزيمة فى "حلبة إيران"، رأى نيتانياهو أن ما لا يدرك كله لا يترك كله فبدأ الحديث عن مطالبات باعتراف إيران بالدولة اليهودية فى الاتفاق وأن يشمل ترسانة طهران للصواريخ بعيدة المدى .. ولكن أوباما يدرك ضعف موقف "بيبي"، فرد سريعاً بأن مطالب اعتراف إيران بإسرائيل تعنى تغيير النظام الإيرانى بالكامل وهى مطالبات غير واقعية. فى هذه النقطة رفعت أصوات "المصلحة" فى إسرائيل داعية للاستفادة من الاتفاق مع إيران ولترسم طريق الخطوات المقبلة عبر الانخراط فى حوار استراتيجى جديد مع واشنطن على غرار حوار كامب ديفيد مع حلفاء أمريكا الخليجيين.. والضغط على البيت الأبيض لتعزيز القوة العسكرية للدولة العبرية لمواجهة التهديدات الجديدة فى المنطقة والوقوف ضد إى محاولات من السعودية ومصر وتركيا للحصول على أسلحة نووية وتوفير مظلة سياسية فى الأممالمتحدة والمنظمات الدولية للوقوف ضد حملات السلطة الفلسطينية والدول العربية. ووفقاً لمحللين إسرائيليين فإن الأزمة الحالية تحمل فى رحمها فرص جديدة للدولة العبرية للحصول على المزيد من الدعم الأمريكى فى العديد من المحاور الآخرى وخاصة على صعيد الصراع مع الفلسطينيين وتعزيز القبضة العسكرية لإسرائيل..وكما وجه الكاتب العبرى شيمون شيفر كلامه لنيتانياهو "كفى خسائر" فيبدو أن الكثير من الإسرائيليين يضغطون على نيتانياهو لوقف نزيف الخسائر بحثاً عن مصالحة أو انتظاراً لجولة جديدة.. فهل سيرضخ لهذا المنطق أم أنه سيسير فى طريقه للنهاية؟