كان قمر الليل وشمس الفجر والعود الأخضر المغسول بندي الصباح كان ملائكي الأوصاف في عينه لمعة وفي صمته براءة وعمر الزهور في وجهه. وكل من حوله كان خلفية باهتة تبرز تألقه وجماله وخفة ظله. يد ظالمة سلبته روحه الطاهرة وتوارت صورته وأنطفأ نوره الحاني بعد أن كان أنيس الوحشة لأسرته وقدمت الشمس تعازيها لذلك الشاب وتبدل نورها بسواد الغيوم صوته الحنون وكلماته الرقيقة ترف في آذان أسرته مثل صوت البحار البعيدة والعصافير الوليدة والدته تبكي وحيدة ومنعها فراقه النوارس وطيور البحر فلا تجد الابن الصغير الذي يضمها لصدره وتتمدد وحيدة في تلك البقعة التي شهدت ميلاده وسنوات صباه كانت تحب الإنصات لكلامه وتقاسمه أحلامه فكان الصبي مثل حطبة رقيقة علي سطح بحر هاديء حتي رحل في هدوء لم تستسلم أسرته لفراقه ومازال فراشه خاليا لعله سيأتي غدا وقوافل من سحب زائفه تلوح في سماء الأسرة المكلومة بعد أن اختطفت رصاصة طائشة غادرة الشاب في لمح البصر. هو أحمد سيد طنطاوي طالب بكلية الحقوق في الفرقة الثالثة كان اسمه يبزغ داخل الجامعة مثل البدر في ليلة مقمرة كان يحمل في صدره الحياة بوجهه اللامع وعيونه المتقده وروحه المرحة يخطف قلب وعقل كل من يراه وكان قنديل الأمل المضيء لكل زملائه ومعارفه وكأنه كان يرتب للرحيل. أحمد طنطاوي خطط وأفترش سنوات عمره بالطموح تمني أن يتخرج في الجامعة ويصبح وكيل نيابة مثل العديد من جيرانه فرد أجنحته وحلق في سماء الأحلام ولم يدر بخلده ان رياحا عاتية سوف تهب وتجنح بسنوات عمره في ظلمة ووحشة القبر وان عقود فرحة أسرته به سوف تنفرط في آبار التسجن وتتبعثر خيوط الفرحة الزاهية في دروب وطئها الفراق والأحزان جاء اليوم الذي غابت فيه شمس النهار وكأن السماء أعلنت الحداد علي رحيل ذلك الشاب عندما طلب عامل البوفيه من أحمد ان يشاركه فرحة زفاف شقيقته الصغري فهو يقيم في منطقة المطرية ومن عائلة فقيره ويريد ان يتباهي بين أهله وجيرانه بشباب الكلية التي يعمل بها. طلب أحمد من زملائه أن يتوجهوا لمجاملة العامل البسيط إلا أنهم اقترحوا عليه جمع مبلغ من المال وارساله له إلا أنه أصر علي الذهاب ولو حتي بمفرده وحزن من زملائه الذين رفضوا مصاحبته واتهمهم بالتعالي علي الفقراء وتوجه الشاب برفقة عددا من زملائه لحضور حفل عرس شقيقة أحمد «العامل» إلا ان قدرا مشئوما كان ينتظره هناك! قام أحد أقارب العروس بأطلاق الأعيرة النارية من فرد خرطوش غير مرخص ابتهاجا بالعرس وانطلقت رصاصة طائشة أستقرت في قلب أحمد طنطاوي لتصعد روحه الطاهرة إلي ربها وهو يجلس بين زملائه ولم تقف الكارثة عند ذلك الحد بل طالت اليد الأثمة والرصاصات القاتلة زميل أحمد الذي كان يجلس بجواره وفارق الحياة هو الآخر ودفع الشابان سنوات عمرهما ثمنا لشخص أحمق جاهل ليكون الشابان شاهد عيان علي فوضي انتشار الأسلحة النارية غير مرخصة واستعمالها علي مرأي ومسمع من رجال الشرطة وكأن اطلاق النيران في الأفراح واستخدام الشماريخ والألعاب النارية لازهاق أرواح الأبرياء من الخطط الجديدة لوزارة الداخلية للمشاركة في الحد من الزيادة السكانية! رحيله المفاجيء علم أسرته معني الولعة احرقهم احزنهم كاد أن يعيهم بالجنون يشعروا بالفراغ في ذلك الكون الفسيح لا يشاهدوت فيه سماء ولا أرض ولا يروا ما تراه كل العيون فقد ذهب أحمد بنور عيونهم وترك لهم تعاسة أفقد تهم احساسهم بالزمن وباتوا مثل عصفور انطوت بين جناحيه السماء فلم يجد سوي أحلام للبقاء. والدته تجلس وحيدة في ذلك المكان الذي كان يجلس فيه فلذة الكبد وشريط من الذكريات يمرق أمام عينيها وحتي تحتضن ملابسه لتشتم فيها رائحته وكلماته وأحلامه ترف في أذنيها وصورته تظهر أمامه في كل ركن في المنزل فقد كان الحبيب الراحل يحمل كل الصفات المستلهمة من الجنة لم تصدق الأم الثكلي ان رصاصة طائشة سلبت ابنها الصغير روحه البريئة وخلع فراقه قلبها من صدرها ولن تطيب حياتها بدونه وتتمني أن تلحق به وترقد بجواره لتؤنسه داخل قبره. والده اكتسي وجهه بحزن عميق وانحنت رأسه علي صدره ويشعر بالشوق إلي النهاية لينام بجوار فلذة الكبد. شقيقته الصغري تحتضن صورته وتزرف الدموع علي الشقيق الذي كان يداعبها ويلهو معها ويرافقها أينما تذهب ومنذ رحيله منعت الخروج من المنزل وتجلس في شرفة حجرتها وحيدة تنتظر عودة أحمد. والسؤال الذي نطرحه لماذا تغمض وزارة الداخلية عيونها عن فوضي الأفراح وما يحدث فيها من استخدام الأعيرة النارية وأسلحة غير مرخصة فهل بات استخدام السلاح قانوني في الأفراح أم أن وزارة السيادة تنتظر سقوط المزيد من القتلي في أفراح الشوارع أيتها الوزارة العريقة عودي إلي سابق مجدك ولا تتركي الساحة ليحتلها البلطجية والخارجون علي القانون.